اضطر النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، إلى توقيف جلسة المساءلة الشهرية
لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، التي عقدها المجلس أول أمس الثلاثاء، بعد
اندلاع مشادة كلامية حادة كادت أن تتطور إلى اشتباك بين برلماني من الحركة
الشعبية وبرلماني من التجمع الوطني للأحرار.
واحتج المستشار البرلماني الحركي، يحفظو بن مبارك، على عدم تجاوب الحكومة
مع سؤال يتعلق بتوزيع الأراضي الفلاحية بجهة الداخلة من طرف وكالة التنمية
الفلاحية، وشرع في تلاوة سؤال غير مدرج في الجلسة، يطالب من خلاله بنشر
لوائح المستفيدين من هذه الأراضي، ما أثار احتجاج مستشارين من التجمع
الوطني للأحرار، الذين طالبوا البرلماني الحركي بالتوقف عن الكلام، ليرد
عليهم باتهامات خطيرة بأنهم يستفيدون من ريع توزيع الأراضي.
وانتفض المستشار البرلماني كمال آيت ميك، من التجمع الوطني للأحرار، في وجه
البرلماني الحركي، طالبا منه سحب هذه الاتهامات، لكن هذا الأخير رفض ذلك،
وتحولت القاعة إلى حلبة للصراخ وتبادل التهم بالنصب والاحتيال والسرقة بين
البرلمانيين الحركيين والبرلمانيين التجمعيين، وبعد توقف الجلسة لمدة حوالي
عشر دقائق، عاد الهدوء إلى القاعة وتواصلت أشغال الجلسة.
وأكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن الوقت حان لفتح نقاش “جدي ومسؤول” حول
إصلاح أنظمة التقاعد بالمملكة، والتوافق مع الفرقاء الاجتماعيين
والاقتصاديين “للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف وتراعي مصالح الطبقة
العاملة وتضمن ديمومة صناديقه”.
واعتبر أخنوش، في عرض قدمه خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين،
حول موضوع “الحوار الاجتماعي آلية للنهوض بأوضاع الشغيلة ورافعة لتحسين
أداء الاقتصاد الوطني”، أنه إذا كانت الإرادة السياسية المشتركة والمتقاسمة
مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين ساهمت في تطوير نموذج مغربي للحوار
الاجتماعي، ومراكمة نتائج جد متقدمة لصالح كل الفئات والطبقات الاجتماعية
المغربية، “فإننا اليوم مطالبون بخلق فضاءات جديدة بمقاربات مبتكرة للحوار
وتقريب التصورات والقناعات للتعاطي مع بعض الملفات الاجتماعية المستعجلة”.
وأبرز أخنوش، في هذا الصدد، أن الحوار الاجتماعي الذي تم خلال السنتين
الماضيتين ساهم بشكل كبير في تحسين مؤشرات التنمية البشرية بالمملكة، مشيرا
إلى أن الإصلاح الذي ستتم مباشرته بالنسبة لأنظمة التقاعد، والذي ناقشت
الحكومة مبادئه الأساسية مع النقابات والمهنيين في أفق عرضه على البرلمان،
“يشكل جزءا لا يتجزأ من مسار استكمال وتدعيم أسس الدولة الاجتماعية”.
وفي سياق ذي صلة، اعتبر أخنوش أنه “لم يعد مقبولا أن تبقى المملكة، وهي
التي راكمت مسارا ديمقراطيا نموذجيا، دون قانون تنظيمي يؤطر ممارسة حق
الإضراب”، لافتا إلى أنه، وبعد أزيد من 60 سنة على الإقرار الدستوري للحق
في الإضراب، ولتجاوز حالة التعثر الذي عاشه النقاش حول تنظيم ممارسة
الإضراب، قررت الحكومة إعادة إدراج القانون التنظيمي للإضراب ضمن أولويات
الجولة الجديدة للحوار الاجتماعي وعرض مضامينه على أنظار البرلمان خلال هذه
السنة.
وسجل رئيس الحكومة أن هذا التوجه راجع لقناعة الحكومة بأن ممارسة الإضراب
وسيلة حضارية للدفاع عن الحريات النقابية وتحقيق مطالب الشغيلة وحماية حقوق
جميع الأطراف، وجب تأطيرها وتنظيمها بالقانون، وتبني فلسفة جديدة تضمن
هوامش مهمة لحرية الرأي والتعبير، و تحافظ، في الوقت نفسه، على استمرارية
النشاط الاقتصادي داخل المؤسسات والمقاولات المغربية.
وأكد رئيس الحكومة أن التصور الحكومي لمفهوم الحوار الاجتماعي لا يقتصر فقط
على الجوانب المالية والتقنية الضيقة، وكيفية توزيعها القطاعي، بل يحمل
رؤية متكاملة استقرت عليها أدبيات الحوار الاجتماعي على الصعيد الدولي،
والتي تستحضر الأدوار الجديدة للحوار في مسار بناء الأفق الكبير للدولة
الاجتماعية وتنمية الرأسمال البشري، وبالتالي ضمان الأمن والاستقرار
الاجتماعي لمختلف الفئات.
لذلك، يضيف أخنوش، “كنا دائما نعتبر أن الحوار الاجتماعي سيكون صمام أمان
لدعم الدولة الاجتماعية وتنمية الرأسمال البشري والحفاظ على كرامته وصون
حقوقه، الشيء الذي جعلنا نسير في اتجاه تقوية منظومة الحوار الاجتماعي وفتح
آفاقه نحو مواضيع جديدة تشمل العمل اللائق والشامل وتأهيل العنصر البشري،
بالإضافة إلى تكريس مبادئ المساواة ومقاربة النوع في العمل”، وأكد، في
السياق نفسه، أن الحكومة تملك قناعة مشتركة مع أرباب العمل لجعل الحوار
الاجتماعي محطة متميزة لتقوية المقاولة المغربية وتحصينها من كل الصدمات
الداخلية والخارجية.
من جهة أخرى، سجل أخنوش أنه إذا كان المغرب قطع أشواطا مهمة في إرساء نموذج
تشريعي متقدم للحوار الاجتماعي داخل المقاولة على أساس مدونة الشغل لسنة
2003، التي كرست عددا من الآليات التي تعزز وظيفة الحوار الاجتماعي في
المقاولة، فإن الممارسة العملية لهذه المدونة على امتداد الـ20 سنة الماضية
“أبانت عن قصور كبير في تنزيل عدد من المقتضيات التي تهم المأسسة الفعلية
للحوار كقاعدة لتدبير كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية داخل المقاولة،
وبين الأطراف الثلاثة للحوار، ومدى قدرتها على تحقيق نجاعته ودفع أرباب
العمل إلى التقيد بالأحكام والمقتضيات القانونية”.