تتجه وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة نحو اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس المواد العلمية خلال جميع المستويات الدراسية الثانوية بحلول سنة 2030. وستعتمد وزارة التربية الوطنية انطلاقا من السنة المقبلة، تمهيدا لورش تدريس المواد العلمية بالإنجليزية، خطة تدريس هذه اللغة في المستوى الثاني إعدادي، وخلال كل موسم دراسي ستضيف تعليم اللغة في مستوى مختلف بشكل تنازلي إلى غاية المستوى الرابع ابتدائي. وتأتي خطوة اعتماد اللغة الإنجليزية في مستويات جديدة من أجل تسهيل عملية التعلمات لدى التلاميذ، وتحضيرهم بشكل سليم لدراسة المواد العلمية بالإنجليزية خلال المراحل الثانوية. هذه الخطوة يرى مهتمون بالشأن التعليمي أنها غير كافية في ظل استمرار هيمنة الفرنسية في التعليم العالي، وأيضا ضعف الالتقائية مع الجامعات في لغات التدريس.
تعميم الإنجليزية في أفق اعتمادها لغة تدريس
رغم مرور عشر سنوات على اعتماد الباكلوريا الدولية، وتحديدا مسلك اللغة الإنجليزية، مايزال الإقبال عليها ضعيفا جدا، حيث لا تتجاوز الثانويات التي تحتضن هذا النوع من الباكلوريا خمس مؤسسات عمومية فقط، توجد كلها في المدن الكبرى (الدار البيضاء والرباط، وطنجة وفاس ومراكش)، في ظل هيمنة المسلك الفرنسي الباكلوريا بكل شعبه العلمية. وبلغت هيمنة هذه الأخيرة حدا أصبحت فيه كل المدارس الخاصة متخصصة في هذا الباكلوريا، بل واجتهدت في تعميم التدريس باللغة الفرنسية منذ السلك الإعدادي، وبعض المؤسسات الخاصة، التي اعتمدت الإنجليزية، غالبا ما تكون نخبوية جدا، لكون الأسر قررت مسبقا تسجيل أبنائها في الجامعات الخاصة.
في مقابل الإقبال الكبير على الباكلوريا الفرنسية نجد ضعفا كبيرا تجاه المسلك الإنجليزي. ولا يتعلق الأمر بتفضيل للغة موليير على حساب لغة شكسبير، بل بالآفاق التي تتيحها الأولى على حساب الثانية. والسبب الرئيسي في هذه الأفضلية هو أن كل المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود في التعليم العالي تعتمد اللغة الفرنسية سواء في مباريات الولوج إليها أو في التدريس، بل إن الآفاق التي تفتحها هذه المؤسسات لطلبتها الراغبين في استكمال تعليمهم العالي في الخارج، كلها تقتصر على المؤسسات الفرنسية والبلجيكية والكندية بسبب استمرار بعض المؤسسات العليا هناك في الاعتماد على اللغة الفرنسية.
العراقيل الكبيرة التي يواجهها خريجو المسالك الإنجليزية لاستكمال تعليمهم العالي في المؤسسات العمومية، أجبرت الأسر في الأفواج الأولى على مساعدة أبنائهم على الهجرة إلى البلدان التي تعتمد لغة شكسبير، أو تسجيلهم في الجامعات الخاصة التي تتبنى تنوعا في لغات التدريس يشمل أيضا الإنجليزية، مع ما تتطلبه عملية التسجيل من مصاريف باهظة تتجاوز عشرة ملايين سنتيم في السنة، وهذه السنة قفزت إلى 15 مليون سنتيم في السنة الواحدة بسبب ارتفاع الطلب عليها في صفوف بعض الطلبة العائدين من أوكرانيا.
قرار وزارة التربية الوطنية تعميم اللغة الإنجليزية على السلك الإعدادي من شأنه أن ينمي المهارات اللغوية للأطفال المغاربة في هذه اللغة، ولكن، وفي ظل غياب الالتقائية مع التعليم العالي بخصوص توحيد لغات التدريس، بحيث تتيح لخريج الباكلوريا الإنجليزية الإمكانات نفسها لاستكمال تكوينهم العالي في مؤسسات عمومية، في ظل هذا ستبقى هذه الخطوة بدون أثر لأنها لن ترفع من أعداد المقبلين على الباكلوريا الإنجليزية.
بنية التعليم العالي تهدد محاولات التعميم
قرار تعميم الإنجليزية مطلب شعبي طالبت وتطالب به جهات كثيرة في السنوات الأخيرة، وخصوصا كلما تعرضت العلاقات المغربية الفرنسية لاضطرابات مثلما يحدث هذه الأيام، لكن إنجاح تعميم هذه اللغة وانتقالها من وضعية لغة تواصل إلى لغة تدريس أمر معقد جدا، ويحتاج، كخطوة أولى، إلى تنويع لغات التدريس في مؤسسات التعليم العالي العمومية، وهو ما لا تقدر عليه الوزارة الوصية، لكون أغلب الشعب والتكوينات تتم باللغة الفرنسية، وأيضا بسبب أن المتخصصين في الإنجليزية متخصصون في جوانب التواصل والآداب فقط، وعدد الأساتذة الباحثين القادرين على التدريس بها محدود جدا، وقدرتهم هذه نتيجة مجهودات شخصية قاموا بها لرفع قدراتهم اللغوية.
بمعنى أن انتقال الإنجليزية من وضعية لغة تواصل إلى لغة تدريس أمر معقد، ويحتاج لسنوات في مؤسسات التعليم العالي العمومية، وهذا العجز تستثمره المؤسسات الخاصة، وهو ما يفسر ارتفاع عددها إلى 14 جامعة خاصة السنة القادمة، أي بنسبة تكاثر تجاوزت المائة في المائة.
خطوة وزارة التربية الوطنية لتعميم الإنجليزية خطوة هامة، حسب مراقبين، لأنها تخرج نظامنا التعليمي من ازدواجية لغوية صارمة، لكنها في حاجة لأن تكون موضوع التقائية مع التعليم العالي لتحصل الجامعات والمدارس العليا على باحثين في العلوم والتقنيات يدرسون ويبحثون بالإنجليزية بدل انتظار الوساطات الفرنسية المعهودة.
يذكر أن التصور الذي تتبناه وزارة بنموسى سيمهد الطريق لتعميم تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الإعدادية العام المقبل، وخلال كل سنة دراسية جديدة سيتم اعتماد اللغة الإنجليزية في أحد المستويات، والبداية ستكون من السنة الثانية إعدادي، ثم بعدها تستمر العملية تنازليا إلى غاية المستوى الرابع ابتدائي. وخلال السنة المقبلة سيدرس التلاميذ في السنة الثانية إعدادي اللغة الإنجليزية على شكل مادة مستقلة، وفي العام التالي سينتقل تدريس اللغة إلى المستوى الأول إعدادي.
هذا التصور يراهن على أنه خلال الموسم الدراسي 2027 سيكون التلاميذ المسجلون في الجذع المشترك من المدرسة الثانوية درسوا اللغة الإنجليزية خلال سنوات المدرسة الإعدادية كاملة.
وبحلول سنة 2030، سيكون لدى المغرب رسميًا تلاميذ في جميع أنحاء البلاد درسوا اللغة الإنجليزية لمدة ست سنوات في كل من المدارس الإعدادية والثانوية. بمعنى أن 2030 هي آخر سنة من هذا المشروع، وستكون اللغة الإنجليزية حينها نظامًا راسخًا في المدارس الإعدادية والثانوية، ثم المدارس الابتدائية.
متفرقات:
ارتفاع عدد طلبة الجامعات العمومية
كشف الوزير ميراوي أن عدد الحاصلين على شهادة الباكالوريا برسم الموسم الدراسي 2021-2022 بلغ 328650، وهذا العدد يقل بنسبة 1.4% مقارنة بالموسم الدراسي 2020-2021، توزع بين 137248 حاصلا على البكالوريا في الآداب والعلوم الإنسانية والفنون، و166333 في العلوم والتقنيات، و25069 في العلوم الاقتصادية والتسيير. وبلغ العدد الإجمالي للطلبة، برسم الموسم الجامعي الحالي بالجامعات العمومية، 1.130.182 طالبا، أي بنسبة ارتفاع تقدر بـ 6.49%. وتستحوذ المؤسسات ذات الولوج المفتوح على 86% من العدد الإجمالي للطلبة، في حين 14% من هذا العدد استطاعوا الولوج إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود.
من جهة أخرى، أكد الوزير أنه تم، هذه السنة، الشروع في تنزيل إصلاح التكوينات الطبية من أجل الرفع من أعداد خريجي كليات الطب والصيدلة وكليات طب الأسنان في أفق 2026، كما تمت مراجعة دفاتر الضوابط البيداغوجية الوطنية الخاصة بهذه التكوينات، وتم اعتماد 6 سنوات من التكوين عوض 7 سنوات المعتمدة سابقا.
وبرسم السنة الجامعية الحالية، تم تسجيل 7052 طالبا جديدا بكليات الطب والصيدلة وكليات طب الأسنان (العمومية والخاصة)، و1130 طالبا جديدا بالمؤسسات الخاصة والشريكة، ضمنهم تقنيو الصحة.
مرصد وطني يدلي بموقفه من تنويع لغة التدريس
كشف محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، موقفه من احتلال جامعات مغربية مراتب متقدمة في تصنيف عالمي حديث، مقدما مقارنة بين اللغتين الفرنسية والإنجليزية.
وفي هذا الصدد؛ قال الدرويش، وفق بلاغ مفصل (توصلت الجريدة بنسخة منه)، «اطلعنا على نتائج التصنيف الدولي للجامعات 2023، والذي احتلت فيه مجموعة من الجامعات المغربية مراتب متقدمة عن مواقعها في التصنيفات السابقة». وزاد رئيس المرصد نفسه أن «تصنيف هاته السنة تبارت فيه مجموعة من الدول فاق عددها المائة من إفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا ممثلة بما يقارب 25000 جامعة، وهو ما جعل المغرب يحتل المرتبة الرابعة إفريقيا وعربيا».
وأردف المصدر عينه أن «تصنيف تايمز هذا يستند في أحكامه وتقييمه على واقع الجامعات المتبارية في مجالات البحث العلمي والابتكار والتعليم وغيرها». وتابع الدرويش أن «مؤسسات التصنيف الدولي للجامعات تعتمد معايير متعددة، منها جودة التعليم وجودة هيئة التدريس، وذلك من خلال تقييم المردودية على المستويين الداخلي والخارجي، وتكون عبر تقييمات الطلبة والشعب، واعتماد اللغة الإنجليزية في نتائج البحث». ولفت رئيس المرصد الوطني المذكور إلى أن «اللغة المنتشرة دوليا هي الإنجليزية ثم الصينية من حيث العدد، والإسبانية تنشط أكثر في مجال حركات الترجمة والنشر في المجلات الدولية المحكمة، وهي معلومة لدى كل معاهد التصنيف الدولي، بالإضافة إلى معيار أعداد الطلبة والأساتذة وحجم الجامعات والمؤسسات البحثية».