شوف تشوف

الرأيالرئيسية

استفزاز الدب الروسي

يونس السيد

بغض النظر عن تناقض الروايتين الروسية والأوكرانية حول قصف الكرملين، فإن الاعتقاد السائد في موسكو هو أنها باتت ملزمة بالرد على هذا الهجوم وفي داخل أوكرانيا بالذات، بما يتناسب مع حجم الاستهداف لأحد رموز السيادة الروسية، لكنها بالتأكيد ستنتظر الوقت المناسب لتنفيذه.

هذا، على الأقل، ما يفهم من تصريحات المسؤولين الروس، وآخرهم وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي توعد بـ«إجراءات ملموسة» للرد على هجوم المسيرات الأوكرانية، معتبرا أن كييف لن تجرؤ على استفزاز الدب الروسي باستهداف أعلى هرم القيادة الروسية من دون علم البيت الأبيض. وهو الأمر الذي فجر تراشقا كلاميا بين موسكو وواشنطن، حيث شككت الأخيرة بالرواية الروسية من أساسها، بينما نفت كييف أي علاقة لها بالهجوم، وادعت بأن مجموعات مقاومة شعبية داخلية هي من قام بالهجوم، وهو أمر لا يبدو منطقيا بوجود دولة مركزية عظمى كل شيء فيها تحت السيطرة.

اللافت في الأمر أن الهجوم نفذ بالتزامن مع بدء الرئيس الأوكراني زيلينسكي جولة أوروبية، ما أوحى لموسكو أن الهجوم كان متعمدا ومخططا له بعناية، بحيث يتم تأمين زيلينسكي من أي رد انتقامي روسي مباشر، وتوجيه رسالة إلى موسكو بأن القيادة الروسية ليست بمنأى عن الاستهداف، مع تواتر الحديث عن بدء الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره. إذ إن الحديث عن هذا الهجوم يجري منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ما يجعل منه أغرب هجوم في التاريخ، وكأنه خلافا لكل القواعد المتعارف عليها في الحروب لجهة السرية والمباغتة، يقول لموسكو «استعدي»! ومع ذلك غالبا ما يتم ربط الهجوم باكتمال وصول الأسلحة الغربية إلى كييف، رغم إعلان الغرب أكثر من مرة عن انتهاء إرسال الأسلحة المتفق عليها. وفي حين تبرر كييف تأخير هجومها العتيد، تارة بحاجتها إلى مليون قذيفة مدفعية، وأخرى بوصول طائرات «إف- 16» الأمريكية، فإن من الواضح أنها تخشى من عواقب هذا الهجوم الذي قد يؤدي في النهاية إلى تدمير الجيش الأوكراني، وضياع أحلامها في استعادة الأراضي التي فقدتها منذ بدء العملية الروسية، في أواخر فبراير من العام الماضي.

إذ لا يعقل ألا تكون موسكو قد استعدت وجهزت نفسها لمواجهة هجوم يجري الحديث عنه علنا منذ أشهر، أو أنها ستقف مكتوفة الأيدي أمام الزحف الأوكراني وهي تدرك تماما أنه آت لا محالة بسبب الضغوط الغربية. الأسوأ هو أن استفزاز الدب الروسي على هذا النحو، قد يقلب الأمور رأسا على عقب، ويعجل برد الفعل الروسي، خصوصا بعدما ألغت الضمانات التي قيل إنها قدمتها بعدم استهداف القيادة الأوكرانية وسلمت لكييف عبر وسطاء.

لكن يبدو أن موسكو لن تقدم على خطوات جدية، قبل الانتهاء من إحياء ذكرى «النصر» على النازية، التي قد تترافق مع إعلان سيطرتها نهائيا على باخموت، رغم كل ما يقال حول «فاغنر» وتهديدها بسحب مقاتليها، وبالتالي فتح صفحة جديدة في الصراع الذي قد يحمل معه المزيد من التصعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى