شوف تشوف

الرأي

استشراف عام 2022

 

عصام نعمان

 

يبدو هذا العالم الذي ألفناه ووعيناه وعرفناه على مدى قرون وعصور وأجيال، عشية إطلالة عام 2022 كأنه مقبل على ولوج نظام كوني جديد، أو هكذا يخيل لبعضنا، فما معالم هذا النظام الكوني المغاير وظاهراته الأكثر تميزا؟

أبرز الظاهرات اللافتة خمس:

أولاها: خروج الطبيعة ومتغيرات المناخ عن سيطرة الإنسان: كان الإنسان وما زال في صراع مرير مع الطبيعة والمناخ، مسجلا خلاله بضعة انتصارات، ظن معها أنه في الطريق إلى السيطرة عليهما عاجلا أو آجلا. لكن تبين أخيرا أن طموحاته كانت أدنى بكثير من قدراته. فقد عبرت الطبيعة والمناخ باطراد وبوتيرة متسارعة عن دواخل مترعة بأعاصير ومفاجآت هائلة بآثارها ومفاعيلها. أليست لافتة ظاهرات تسونامي المنبعثة من أعماق المحيطات والمكتسحة بفياضاناتها الجارفة ما حولها من شواطئ وحواضر وعمران؟ أليست مذهلة أيضا براكين ثاوية في أعماق الجبال والمحيطات، تتفجر بأطنان من المقذوفات المدمرة لكل ما حولها من بشر وحجر؟ أليس مقلقا هذا الاحترار المتصاعد في مناخات الكون، إلى حد تداعت معه وذابت جبال من ثلوج وجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، ما أدى ويؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه المحيطات وتهديدها بإغراق مساحات واسعة من جزر وسواحل، وقضم يابسة باتت تشكل أقل من ربع مساحة كوكبنا الأرضي؟

ثانيتها: عالمية انتشار الأوبئة والأمراض والفيروسات القاتلة: عرفت البشرية على مر التاريخ الكثير من الجائحات المَرَضية القاتلة كالطاعون والكوليرا، لكن تلك الجائحات لم تكن قط بقوة وكثافة انتشار الأوبئة والأمراض والفيروسات القاتلة التي تجتاح عالمنا هذه الأيام. أليس لافتا ومقلقا ومذهلا الانتشار العالمي السريع والواسع لجائحة كورونا (covid-19)  ومتحوراتها المتعددة والمتناسلة؟ أليس لافتا ومقلقا انعكاس مفاعيل هذه الجائحة على مجتمعات واقتصادات الدول، أغناها وأفقرها، لدرجة بات معها التواصل والمواصلات بين قارات ودول عدة مهددة بالتوقف، أو أقله بالانحسار، نتيجةَ تدابير الوقاية الصارمة المفروضة؟ أليس لافتا ومقلقا انعكاس مفاعيل هذه الجائحة على اقتصادات دول متقدمة كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، ما يهدد باختلال مجتمعاتها وكياناتها وموازين القوى في محيطها الجغرافي والسياسي والاستراتيجي؟

ثالثتها: الانتقال من الحروب البشرية إلى الحروب الإلكترونية والسيبرانية: كانت الحروب، حتى أمس قريب، بشرية بالدرجة الأولى، بمعنى أنها كانت تجري بين البشر، وكان البشر قادتها ووقودها في آن. اليوم أخذت الحروب منحى آخر مغايرا. صحيح أن البشر ما زالوا مخططيها وقادتها ومنفذيها، لكن أدواتها لم تعد بشرية خالصة فقط، بل أضحت إلكترونية وسيبرانية، حيث للآلة دور رئيس في حركتها وفعاليتها. مَن يدري، ربما تتطور الآلات وآلاليات الإلكترونية والسيبرانية في المستقبل، على نحو تتمكن من التناسل والتطور لدرجة تستطيع معها أن تتحارب في ما بينها من دون تدخل من طرف البشر، بل ربما تنتقل قدرات الذكاء الاصطناعي الذي يعمل بشر متفوقون على نقل فعاليته إلى الآلات والآليات الإلكترونية والسيبرانية ومختلف مظاهر الحياة الرقمية، بحيث تستطيع هذه أن تفيد من تطوره ومنجزاته بمعزل عن «خالقيه» من البشر؟

رابعتها: التسابق على غزو الكواكب واستعمارها: مارس البشر من خلال كياناتهم ودولهم وجيوشهم غزوات متواصلة على بعضهم بعضا، ما أدى إلى استيلاء الأقوياء بينهم على أراض وموارد لمنافسيهم وأعدائهم، مكنتهم تاليا من إقامة مستعمرات للأقوياء في ديار الضعفاء، سيما في بعض أصقاع آسيا وبلاد العرب وإفريقيا. لكن موازين القوى كانت تتغير بفعل نهضة شعوب البلدان المستعمَرَة ومقاومتها للدول المستعمِرة، ما اضطر هذه الأخيرة إلى الانسحاب تدريجيا من مستعمراتها، سيما بعد الحرب العالمية الثانية 1945- 1939. صحيح أن التنافس والصراع ظلا قائمين بين الأقوياء في عالمنا، خصوصا في أوروبا وعليها، ومن ثم في جنوب شرق آسيا وإفريقيا، وكان الصراع يتخذ غالبا طابعا اقتصاديا وسياسيا. لكن بعد نجاح بعض الأقوياء، سيما الولايات المتحدة وروسيا ولاحقا الصين، في تحقيق تقدم كبير في حقلي التكنولوجيا وريادة الفضاء والحياة الرقمية، مكنتهم من الوصول إلى القمر والمريخ، والنجاح في إقامة محطات فضائية تساعد في تطوير علم ريادة الفضاء، والوصول إلى مزيد من الكواكب، فإن العالم لن ينتظر طويلا قبل أن يشهد تنافسا محموما بين الأقوياء في ريادة الفضاء، بغية إقامة مستعمرات في كواكب قريبة أو بعيدة. وربما ليس من قبيل المبالغة توقع حصول حروب فضائية بين الأقوياء، في الكواكب التي نجحوا في إقامة مستعمرات راسخة لهم فيها.

خامستها: اصطفاف دول العالم وتنافسها ضمن معسكرين رئيسين: شرق آسيوي وغرب أوروبي – أمريكي: مع صعود الصين على جميع المستويات وصمود تحالفها مع روسيا من جهة، وصعود دول نامية على مدى آسيا كلها من بحر الصين إلى البحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى، يُنتظر أن يقوم اصطفاف وتنافس سياسي واقتصادي واستراتيجي بين دول العالم، داخل معسكرين رئيسين: شرق آسيوي مترامي الأطراف، وغرب أوروبي – أمريكي واسع.

في الخلاصة، يوحي بروز هذه الظاهرات الخمس وتطورها، بأن العالم برمته مقبل على ولوج نظام كوني جديد مغاير في وجوه عدة عما كان ألفه واختبره وعاشه على مدى قرون وعصور وأجيال. ثمة نظام كوني جديد يطل على عالم مغاير تنشأ معه بشرية مغايرة لا يقتصر انتشارها على كوكب الأرض فقط، بل يتعالى ويتوسع ليصل إلى كواكب أخرى.

 

نافذة:

تبين أن طموحات الإنسان كانت أدنى من قدراته فقد عبرت الطبيعة والمناخ باطراد وبوتيرة متسارعة عن دواخل مترعة بأعاصير ومفاجآت هائلة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى