شوف تشوف

الرأي

اختلالات ميدانية في قطاع الصحة العمومية (2/2)

من يتحدث عن مندوبية أو مديرية للصحة فإنه يتحدث عن أنظمة صحية وبنيات استشفائية وطبية بحاجة لمشاريع واعدة وإدارة ناجعة للموارد البشرية، وحين يكون كل هذا بيد كائنات حزبية انتخابية فإنه يظل في مهب المصالح السياسية والأهواء الحزبية والتحالفات الموسمية العابرة كسحاب الصيف، كل هذا يوجه الاهتمام بجهة على حساب أخرى أو فئة على حساب أخرى حسب تموقع المسؤول الإداري الذي هو في الآن نفسه منتخب سياسي وفق منظومة انتخابية مغربية خاصة تبنى على المصالح وقضاء المآرب المتبادلة والحوائج الآنية دون أدنى نظرة للمستقبل والعمل بالمؤسسات والاستراتيجيات المستقبلية.
كل هذا إذن يضعف من قوة الإدارة وحزم المسؤول الإداري وسلامة وقوة قراراته، فالمسؤول بوزارة الصحة في إقليم بأكمله وهو في الآن نفسه منتخب سياسي في جماعة ترابية أخرى قد تكون خارج الإقليم، مهما حاول التجرد والعمل بالمنطق الإداري المحض فإنه لن يستطيع وسيظل رهين قاعدته الانتخابية التي هي خزان أصواته، والنتيجة أن تجد المسؤول، والنماذج متوافرة، يستخدم مركزه الإداري ومكتب إدارته لتقديم خدمات لمواطنين ضمن دائرته الانتخابية بشكل حصري، ومن المسؤولين من يتخذ مكتبه الإداري عيادة لاستقبال المرضى من ناخبيه، وهو ما يؤثر حتما على مردوده الإداري في التسيير فيصير مجرد لقاء قصير معه من لدن إطار صحي قد يأتي من أقاصي الإقليم أمرا صعبا قد لا يظفر به إلا بعد عدة محاولات، فماذا تكون أولى انشغالات مندوب الصحة مثلا غير الإنصات لمشاكل واحتياجات مهنيي الصحة والعمل جديا على حلها والدفاع عنها لدا المصالح الوزارية؟ تلك إذن من معضلات هذا القطاع العمومي في جانب التسيير، فجمع بعض المسؤولين الكبار بين مسؤولياتهم الإدارية في قطاع حيوي وحساس وبين مسؤولياتهم السياسية التمثيلية سيؤثر سلبا على القطاع وهو أمر غير معقول ولا يساهم إلا في تراجع مردودية المسؤول في حل مشاكل القطاع، أما مردوديته في التمثيلية الانتخابية فذلك شأنه وشأن من انتخبوه وحتما لن يفلح في ذلك أيضا.
ومن الآثار السلبية كذلك، سوء الإدارة الصحية والناتجة عن العجز عن تدبير أمثل للموارد البشرية كأن يقوم المندوب بنقل إطار صحي إلى مركز صحي غير ذاك المركز الذي تم تعيينه فيه بمقتضى مذكرة تعيين وزارية والذي ينتظر أن يقوم فيه بدور يخفف من أعباء العمل على باقي أعضاء الطاقم مما سيزيد الجودة، و في مسألة الجودة حيث ترفع الوزارة هذا الشعار في إطار ما يسمى بمباراة الجودة، أما حقيقة الأمر أن لا جودة إلا على المخططات والورق، بل حتى استمرارية المرفق العمومي كمقتضى قانوني متعارف عليه وبديهي يعرف اختلالا خطيرا متمثلا في توقف بعض المستوصفات عن تقديم خدماتها للمواطنين في حالة الإجازة الإدارية المستحقة للممرض أو الطبيب، أو أكثر من ذلك الرخصة المرضية أو رخصة الولادة ذات الثلاثة أشهر، فإذا كان المستوصف لا يتوفر إلا على إطار واحد فإنه قد يغلق شهرا أو ثلاثة بشكل كامل، وكل ما يعمله المسؤولون هو تقديم حلول ترقيعية لا علاقة لها بالسير العادي والمفترض للعمل في أبسط شروطه، ويبقى الحديث عن الجودة في مثل هذه الحالات ضربا من الأحلام.
كل هذا يرهق الأطر الصحية وكذا المواطنين،وهو ما ينزل بمستوى الخدمات إلى مستوى ضعيف.
وكل ما سبق في ظل هضم الكثير من حقوق الموظفين وسط تعتيم إداري وكذا إعلامي كبير، ولعل أكبر مثال لهذه الفئات، وكما سبق ونشرنا على صفحات هذه الجريدة، نذكر فئة من المتصرفين الإداريين بقطاع الصحة لازالوا يزاولون مهام ممرض دون أدنى شروط الممارسة المهنية الصحيحة وتسوية الوضعية بشكل أو بآخر، ودون أو يراوح هذا الملف مكانه ودون أن تعمل الإدارة على حلحلة المشكل أو على الأقل صرف التعويضات المستحقة لهؤلاء الموظفين- المتصرفين الممرضين- في إطار ما يقومون به من مهام على أرض الميدان.
والأسئلة المطروحة بإلحاح وبقلق هي: ما دور المسؤولين في هذا القطاع، إن لم يكن إيجاد مقاربات حلول مناسبة لمثل هذه المعضلات؟ لماذا يستفيدون من تلك الكراسي الوثيرة والمكاتب المكيفة والتعويضات السمينة إن لم ينتجوا حلولا تحد من معاناة الأطر العاملة في الميدان، ويخططوا من أجل تطوير القطاع؟ لماذا يتوفرون على تلك السيارات الفارهة ووقودها على حساب الدولة، إن لم يستخدموها فقط للتنقل إلى كل نقطة حيث يشتغل الأطر التابعة لهم، ويروا عن كثب المشاكل والظروف التي يعملون فيها ويسارعوا بحلها في الحين؟ لماذا يتوفر المسؤول في الوزارة على مكتب مريح وراتب أريح وسيارة مريحة وتعويضات مجزية، إن لم يعمل على إيجاد كل الصيغ التي تحل عقدة بعض الملفات والقضايا العالقة والمعمرة في الوزارة؟
تتعدد الأسئلة ويخيل إليك في كثير من الأحيان أن إدارة القطاع الصحي وكثير غيرها من الإدارات أنها تسير على غير هدى، فالكثير من الحقوق تهضم ولا يوجد أقل مجهود يبذل لإنصاف أصحابها، والبرامج الصحية تعلن والكثير منها يبقى نظريا بين إصدار المذكرة والإشعار بها بشكل متأخر غالبا.. إلى إصدار التقرير المكتوب من وحي الخيال والقلم.
في الغالب الأعم لا تخطيط محكما ولا متابعة لسير البرامج، ولا تشجيع ولا تحفيز للمهنيين حتى المتميزين منهم، وإن كان من إيجابيات في قطاع الصحة فإن كثرة السلبيات تحجبها.
وإلى مقال آخر لرصد اختلالات أكثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى