نعيمة لحروري
في ليلة تحمل عبق التاريخ وألوان الحضارة، لبّيت دعوة الصديق محجوب بنسيعلي، رئيس جمعية الحسيمة الكبرى، لحضور حفل بهيج في منزل سفير لبنان بالمغرب، السيد زياد عطا الله.
مناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة كانت في أجواء تنبض بالدفء الإنساني والتنوع الثقافي، لكن في أعماقي ظل سؤال يُلحّ: ما العلاقة بين سفارة لبنان وهذا الاحتفاء الذي يعكس جوهر الهوية الأمازيغية المغربية؟
عند وصولي، بدا المنزل وكأنه جسر يربط بين جبال الريف والأطلس وجبال لبنان، ترفرف فيه رايات الثقافة وتصدح بين جدرانه روح الانتماء. الأزياء الأمازيغية، الأطباق التقليدية، والحديث عن تاريخ عريق يعكس تراثا موغلا في القدم، كل ذلك صنع مزيجا أخّاذا من العراقة والألفة.
ألقى السفير زياد عطا الله كلمته، وكانت بمثابة مفتاح لفهم هذا اللقاء الفريد. تحدث بشاعرية عن التنوع الذي يجمع بين المغرب ولبنان، وكيف أن تناغم الثقافات في كلا البلدين يشكل سيمفونية فريدة، تعزف ألحان التعددية والانتماء. قال السفير: «ما أجملها وحدة وما أصدقه تنوع، عندما تعبّر كل منطقة عن خصوصيتها بكل فخر، ويعبّر سكانها عن ولائهم لوطن يحتضنهم جميعًا».
أما محجوب بنسيعلي، صاحب فكرة الحفل، فأبدع في رسم صورة هذا التلاقي الحضاري. أشار إلى أن اختيار سفارة لبنان للاحتفاء بالسنة الأمازيغية لم يكن محض صدفة، بل هو تأكيد على العلاقات الإنسانية والثقافية العميقة بين المغرب ولبنان. واعتبر أن لبنان، بحضوره الفني والثقافي الراقي، هو نافذة مشرقة يمكن أن تُطل من خلالها الأمازيغية على العالم، لنقل صورة المغرب المتعددة الأبعاد.
كان الحفل أكثر من مجرد احتفاء، كان رسالة حب وسلام. حضور السفراء والدبلوماسيين من مختلف الدول أضفى على المناسبة بعدا عالميا، وجعل منها منصة لتكريم الثقافة الأمازيغية وتسليط الضوء على مسارها النضالي. كلمة المحجوب كانت تعبيرا صادقا عن فخره بالإنجازات التي تحققت، من دستور 2011 الذي رسّم الأمازيغية، إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية بفضل الرعاية الملكية السامية.
كل لحظة في تلك الليلة كانت مليئة بالمشاعر. تكريم شخصيات بارزة ساهمت في صون الهوية الأمازيغية كان بمثابة احتفاء بجذور لا تزال تغرس عميقا في أرض المغرب، وجسر يمتد ليصلها بثقافات العالم.
غادرت الحفل وأنا أشعر أنني كنت شاهدة على لوحة استثنائية، ألوانها من تراب المغرب ورحاب لبنان، وإطارها من الإنسانية التي تجمع بينهما. كان الاحتفال درسا عميقا في كيف يمكن للثقافة أن تكون جسرا بين الشعوب، ووسيلة للتعبير عن الانتماء بطرق تتجاوز الجغرافيا.
سنة أمازيغية سعيدة، وكل عام والتنوع هو عنوان وجودنا، والوحدة في قلب هذا التنوع هي مصدر قوتنا.