ابن محصل بريد طنجة يتربع على عرش الخطاب السياسي بفرنسا
حسن البصري
عاش جان لوك حياة غريبة الأطوار عنوانها الأبرز الترحال من بلد إلى آخر، من الجزائر بدأت الرحلة، وفيها ولد أبوه جورج الذي أصبح مسؤولا عن مكتب البريد في وهران، هناك تعرف على جانين بايونا، معلمة في مدرسة ابتدائية، وقررا خوض تجربة زواج.
طلب من الأب جورج الاشتغال في مكتب البريد بطنجة، فلبى الدعوة وحل بهذه المدينة رفقة زوجته وفي رحمها يرقد طفل سيرى النور في 19 غشت 1951 في مدينة كانت تحت الوصاية الدولية، سيحمل اسم جان لوك. خلال هذه الفترة اقتربت الأسرة من أصولها، ذلك أن جده لأبيه، أنطونيو ميلنشون، له أصول من مورسيا الإسبانية، ومنها سافر في بدايات القرن العشرين ليستقر في وهران، ويتزوج إيمي كانيسيو وهي أيضا من أصل إسباني.
كانت الأسرة الصغيرة لميلنشون سعيدة بانتقالها إلى مدينة طنجة، إذ لا تفصلها عن أصولها الإسبانية إلا ساعات قليلة، إلا أن الاستقرار الأسري ظل غائبا حيث عاش الطفل على إيقاع خلافات عميقة بين والديه، ورغم ذلك ظل حريصا على متابعة دراسته الابتدائية في مدرسة فرنسية، كما تابع دراسته بثانوية «رينو سانت أولير» بطنجة، لينتقل إلى فرنسا سنة 1962 إثر طلاق والديه وسفر الأم إلى حيث عائلتها في منطقة جورا. تقول بعض الروايات إن الخلاف بين محصل البريد وزوجته المعلمة نتج عن اختلاف في المعتقدات الدينية لكن الابن جان لوك يرفض النبش في تاريخ الانفصال بين والديه.
في سنة 1972 حصل جان لوك على شهادة الإجازة في تخصص الفلسفة، وأصبح مدرسا بالسلك الثانوي والتقني. وبالموازاة مع دراسته، اشتغل مصححا داخل إحدى المطابع، لأنه كان في أمس الحاجة للمال، وهو ما سيعبد الطريق أمامه للاشتغال داخل بلاط «صاحبة الجلالة»، صحافيا بمجلة «لاديبيش دي جورا» وساهم في إنشاء عدد من التجارب الإعلامية لاحقا. تزوج من برناديت أبريل خلال إقامته في بيزانسون، لكنه سرعان ما طلقها وفي عصمته ابنة تدعى مارلين، التي ولدت عام 1974.
ظل جان لوك يبحث عن منفذ يقوده نحو الزعامة، فدخل السياسة عبر بوابة الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، وتدرج في العديد من المواقع، ابتداء من عضوية الحزب الاشتراكي سنة 1976، إلى أن وصل سنة 2000 إلى منصب وزير منتدب مكلف بقطاع التكوين المهني. غادر الحزب الاشتراكي مكرها سنة 2008، لتأسيس حزب أكثر راديكالية، أطلق عليه «حزب اليسار» الذي ستتمخض عنه سنة 2016 حركة «فرنسا الأبية».
برع الرجل في الخطاب السياسي إلى أن وصفه خصومه بالشعبوي، كما عرف عنه تعاطفه مع المهاجرين حيث ظل ينادي بإدماجهم، نعتته الصحف الفرنسية بعدة ألقاب، أبرزها «شافيز فرنسا» في إشارة إلى الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز.
ظل جان لوك يتردد على المغرب، حيث حل ضيفا على أكثر من مناظرة طلابية في طنجة بالثانوية التي درس فيها، أو حين كان ضيف المدرسة العليا للتدبير في الرباط، بل إنه لفت الأنظار حين أشاد بالتدابير الاستباقية لبلدنا في مواجهة كورونا.