ابتلع لسانه
حسن البصري
أعاد السقوط المفاجئ لنجم منتخب الدنمارك كريستيان إريكسن مغميا عليه، خلال مباراة بلاده مع فنلندا يوم السبت الماضي، برسم الدور الأول من كأس أوروبا لكرة القدم، إلى الأذهان حوادث إغماء للاعبين على أرضية الملاعب.
لحسن الحظ أن الملعب كان مجهزا بطاقم طبي مدعم بأحدث وسائل التدخل الاستعجالي، فتم إنقاذ اللاعب من الموت المفاجئ، في أحد أكثر المشاهد رعبا في عالم الساحرة المستديرة، حيث انخرط اللاعبون والمدربون والمشجعون في نوبة بكاء جماعية.
لكن المفارقة الغريبة أنه في السنوات القليلة الماضية تعرض ثلاثة لاعبين ينحدرون من أكاديمية أجاكس الهولندي، لحالات إغماء، وهم: عبد الحق النوري ودالي بليند ثم كريستيان إيريكسن، إن بعض الظن إثم لكن ابتلاع اللسان في الملاعب يعد آفة ديمقراطية لأنها لا تفرق بين أجاكس الهولندي وأفقر فريق في المغرب، فتراجيديا الموت التي تحلق فوق ملعب ويمبلي يمكن أن تحلق فوق ملعب بلدي بابن سليمان.
جاءنا درس من كوبنهاغن حين سقط اللاعب مغشيا عليه، ورأينا حالة الاستنفار الحقيقية في صفوف الأطقم الطبية، وكيف تدخل فيلق طبي متكامل وتمكن من إنقاذ اللاعب من موت محقق. صحيح الأعمار بيد الله لكن طب الطوارئ له كلمته في مثل هذه النوازل. لذا تستحق عاصمة الدانمارك اسم “حبنهاكن”.
حين يسقط لاعب مغربي على أرضية الملعب ويفقد الوعي، يصبح جميع اللاعبين أطباء كل يقدم فتواه فيضيع الوقت في التجارب وينتهي الأمر بقراءة الفاتحة على الفقيد.
في كثير من فرق دوريات المظاليم لا يملك ممرض الفريق سوى قنينة ماء وإسفنجة وقطعة ثلج. يبدو المشهد أقرب إلى “كونتوار” خمارة حيث يقدم النبيذ مرفوقا بماء وثلج و”قطعة”.
في كثير من المباريات يشهر الحكام بطاقاتهم الحمراء في وجه أطباء الفرق، ويقضي اللاعبون ما تبقى من دقائق “في يد الله”، أو يفوضون اختصاصات إنقاذ الأرواح لممرضين عزل سلاحهم الماء وحسن السريرة وأدعية صالحة لكل زمان ومكان.
حين حلق الموت في سماء ملعب ابن سليمان ذات يوم أحد، وسقط لاعب نجم الشباب البيضاوي رضى مغمى عليه وقد ابتلع لسانه، بحث حكم المباراة عن طبيب فلم يعثر له على أثر، هرع لاعب صوب سيارة الإسعاف المركونة في جانب الملعب فتبين أنها مجرد أثاث في ديكور المباراة، فلا أجهزة للتنفس الاصطناعي ولا وسائل لطب الطوارئ، كل ما فيها سائق برتبة ممرض ونقالة جلدية ومنبه.
قوانين لعبة كرة القدم تفرض توفر سيارة إسعاف فقط، لا يهم إن كان فيها طبيب أو ممرض أو سائق. لا تلزمنا قوانين الكرة بالاستعانة بسيارة إسعاف مجهزة، عند هذه القضية ابتلع المشرع لسانه كما ابتلعه عشرات اللاعبين وهم يركضون خلف كرة محشوة بالهواء.
إلزامية توفر الملعب على سيارة إسعاف شرط أساسي لا غنى عنه، لكن للكبار فقط، أما مباريات الفئات الصغرى فيمكن أن تجرى دون سيارة إسعاف ودون مسعف ودون حقيبة دواء، هكذا تسترخص ضوابط الكرة أرواح الناشئة.
في ملاعب كرة القدم المغربية، عشرات اللاعبين يبتلعون ألسنتهم منهم من قضى نحبه ومنهم من نجا من الموت بأعجوبة، لكن أصعب الحالات هي أن يبتلع المسؤولون عن الملف الطبي ألسنتهم ويفضلون الصمت بالرغم من خطورة القضية، وفي كثير من الملاعب وقفنا على مشاهد في غاية السخرية، فبدلا من أن تقوم سيارة الإسعاف بإسعاف اللاعبين، يقوم هؤلاء بإغاثتها حين يتعطل محركها خلال نقل لاعب مصاب.
ابتلع عشرات اللاعبين المغاربة ألسنتهم في ملاعب الكرة، منهم من نجا ومنهم من ينتظر ومنهم من التحق بالرفيق الأعلى وعلى ذمة فريقه دين قديم، في بطولتنا ليس هناك لاعب مصاب بل هناك مشتبه في إصابته، فالمغمى عليه حي إلى أن تثبت وفاته في الطريق إلى المستشفى، لذا توجد كثير من المقابر بجوار الملاعب.