إيريك بوردروي.. مهندس معماري أعاد إعمار نفسية مليكة أوفقير المحطمة
كانت أحلام مليكة أوفقير، نجلة الجنرال محمد أوفقير المتهم بتدبير انقلاب 1972، بلا شواطئ وطموحاتها بلا حدود، وهي ابنة أحد أكبر رجال الملك الراحل الحسن الثاني، لكن حياتها بعد الانقلاب انقلبت رأسا على عقب وتحولت إلى جانب أفراد أسرتها إلى سجينة وغريبة وممنوعة من التداول.
ولدت مليكة في مراكش عام 1953. عمل والدها طوال حياته في الجهاز الأمني للدولة، لكن حادثة الطائرة الملكية غيرت مجرى حياته وحياة أسرته التي تعرضت لأشد أنواع التنكيل في سجن سري في منطقة البير الجديد على مشارف دكالة، حيث كانت مليكة البنت البكر لمحمد أوفقير، إلى جانب أشقائها عبد اللطيف، ومريم، وماريا، وسكينة ثم رؤوف.
في سنة 1991 رأت مليكة النور من جديد، حين أفرج عنها رفقة أفراد عائلتها، وفي الـ16 من يوليوز سنة 1996 وعندما بلغت من العمر 43 عاما، هاجرت إلى باريس برفقة أخيها رؤوف وأختها سكينة بحثا عن حياة جديدة بعيدا عن كابوس الاعتقال والنفي. وبعد عامين تعرفت على رجل يدعى إيريك بوردروي، وهو مهندس معماري فرنسي الجنسية، وابن عالم الآثار الفرنسي بيير بوردروي.
لم تطلب مليكة من زوجها إشهار إسلامه وفق ضوابط الشريعة الإسلامية، بل ارتمت في حضنه بحثا عن حماية عانت ويلات بدونها، ورغبة في استدراك ما فات، وأصرت على إقامة حفل الزفاف في العاصمة الفرنسية باريس وفق الطقوس الفرنسية. وفي عاصمة الأنوار قلبت مليكة صفحة الأحزان وعاشت حياة جديدة، وانكبت على تربية ابنها آدم وكتابة مذكراتها «السجينة» التي تروي فيها تفاصيل جحيم الاعتقال، و«الغريبة» التي تروي من خلالها قصتها بعد زواجها وكيف عاشت النقلة النوعية من سجن سري إلى قفص الزوجية العلني.
في الأيام الأولى من زواجها بإيريك، تبنت مليكة ابنة شقيقتها مريم حين كانت في الثانية والنصف من العمر، من شدة شغفها بالأطفال، قبل أن يصبح آدم أساس كل انشغالاتها، علما أنها تبنته من إحدى دور الرعاية بمراكش وتعهدت بحسن المعاملة وهو ما حصل بل زاد عليه.
تعترف مليكة بوجود شخص آخر في حياتها لم يكتب له الارتباط بها، وتقول في سيرتها وهي تستحضر ممثلا التقته في «بلاطو» التصوير: «دخل إلى حياتي الرجل الأول الذي أشعرني بأنوثتي بعد فترة قليلة من إطلاق سراحي. أنطونيو هو رجل ايطالي، يتمتع بجمال طبيعي وبشرة شقراء وشعر مجعد وله لحية صغيرة، فسحره لا يقاوم. إنه ممثل، التقيته خلال تصوير فيلم دعيت إليه مع شقيقتي ماريا. ما زلت أخاف من الناس ولكنني أبذل جهداً للتخلّص من مخاوفي. كذلك، أتردّد عندما يمسك أحد يدي برقة. ولكن يد أنطونيو دافئة وأشعر بضغط قوي عندما نشبك أيدينا ببعضها، فأشعر بأنه يريد أن يغمرني بكل الحبّ الموجود في العالم. عرّفتني ماريا إلى هذا الرجل الذي ما زال ينظر إلي بشغف حتى اليوم. أشعر بأنه قدري وينتظرني. أعرف أنها أحلام، فرغم أنني بلغت سن الـ43، ما زال قلبي ينبض بروح المراهقات. فعيناه لا تكذبان، إذ يبدو مجنونا بحبي، فلا بد من وجود الحب من النظرة الأولى في الحياة الحقيقية وليس فقط في الكتب الخرافية. سحبني بهدوء نحو قاعة الطعام، ولكن عندما لاحظ امتناعي العفوي أحضر كرسيين ووضعهما حول الطاولة في الخارج. جلسنا وظل نظره مسمّرا عليّ وكأنه مفتون، فانسحبت ماريا عندئذ، وبقينا وحدنا خارج القاعة من دون التلفّظ بكلمة واحدة. وعندما ارتجفت من البرد، تناول الكنزة المصنوعة من الكشمير والموضوعة على كتفيه، ولفّني بها كما يلفّ الشال، ثم وضع يديه على كتفي وراح يدلكني بنعومة. كنت أتصرف كالبلهاء. فكيف لي أنا من أن أتمتّع بشيء من الخبرة وقصص الحب وأستطيع التحكم بجسدي أكثر من شقيقاتي، أن أجلس معه صامتة كفتاة خجولة، مذعورة، تعجز عن تمييز الفرح من الخوف؟ ساعدني لأتمدد على السرير وجلس إلى جانبي من دون أن يقوم بأي حركة، فشعرت بالرعب وانطويت على نفسي. فركع قرب السرير وراح ينظر إلي مطوّلاً. فسألني: «من أنت؟ ومن أين جئت؟ تبدو التعاسة في عينيك». شعرت بانقباض ورحت أتنفّس وأشهق وأنتحب. بقي إلى جانبي حتى طلوع الفجر وأنا منكمشة به لا أكف عن البكاء».