إغلاق رام الله وحصارها إسرائيليا هو الإذلال الأخير لعباس ورهطه
نحمد الله أن الجيش الاسرائيلي أغلق أول أمس وأمس جميع مداخل مدينة رام الله، عاصمة السلطة، ومخارجها، وفرض عليها حصارا مشددا في أعقاب إقدام الشهيد أمجد سكري على إطلاق النار على ثلاثة جنود اسرائيليين، ألحق بهم إصابات بالغة قبل أن يرتقي إلى جنة الخلد بإذن الله.
فهذا الحصار، ورغم تعاطفنا الكامل مع أهلنا في المدينة ومعاناتهم، يؤكد وهم السلطة و«سيادتها» المزعومة، ويفضح دورها، ويجسد الوضع البائس لمن يعتبرون أنفسهم «قادة» لما يطلقون عليه المشروع الوطني الفلسطيني، ويشيدون ليل نهار بالتنسيق الأمني مع الأجهزة الاسرائيلية باعتباره «إنجازا».
رام الله ظلت فقاعة كاذبة، يعيش وسطها أصحاب سلطتها في رشوة الاحتلال الجائر، وبعيدة بالكامل من عذابات الفلسطينيين في مدن وقرى أخرى، وتتباهى بحالة انفصال الشخصية (شيزوفرينيا) التي تعيشها نخبتها الحاكمة، أو الدائرين في فلكها، رام الله أفاقت على واقع جديد طالما حاولت نسيانه، أو تناسيه والتعامي عنه، ويتلخص في أنها تحت الاحتلال والإذلال.
لعل هذا الحصار المهين صرخة إيقاظ للرئيس عباس وقياداته الأمنية، ورجاله المنافقين الملتفين حوله، لكي يعودوا إلى رشدهم أو ما تبقى منه، ويعوا جيدا أن سلطتهم انتهت، وأن إغلاق مداخل «إمبراطويتهم» الوهمية هو بمثابة رصاصة الرحمة التي اعتقدوا أنها لن تطلق عليهم، لقد انتهى الدرس، وأسدلت الستارة، وعليكم الرحيل من مقاعد مسرح عبثكم.
الرئيس عباس لم يرد مطلقا تنفيذ تعهداته وتهديداته بحل السلطة وتسليم مفاتيحها إلى بنيامين نتنياهو، وها هو الأخير يسلب منه هذا «الشرف»، لأنه في رأيه لا يستحقه، ويؤكد حقيقة يعرفها الجميع، باستثناء سكان المقاطعة، بأن هذه السلطة «مهزلة» لا تستحق اسمها، ناهيك عن استمرار وجودها.
قلناها قبل ذلك، ولا مانع من أن نكررها اليوم وغدا وبعد سنة، هي أن السياسات الإذلالية الاسرائيلية، وتعايش السلطة معها، وتنفيذ أحكام الإعدام ميدانيا بالشابات والشبان من أبطال الانتفاضة الأخيرة، لمجرد وضع أيديهم في جيوبهم، خوفا ورعبا من سكاكينهم، سيدفع هؤلاء أو غيرهم إلى اللجوء للسلاح، طالما أن الشهادة حتمية.
الشهيد أمجد سكري، الحارس الأمني في مكتب النائب العام الفلسطيني، لم يتحمل إذلال شعبه أمام الحواجز الاسرائيلية، ولم يستطع الصمت على إعدام الشبان والشابات الثائرين على الاحتلال بسكاكينهم، فقرر التمرد على هذه السلطة التي أرادت أن تحوله حارسا للقتلة والجزارين، وأن يوجه سلاحه إلى جنودها الذين يهينون أهله وذويه أمام الحواجز.
أمجد سكري الشاب الثلاثيني هو أحد رموز المرحلة القادمة، مرحلة المقاومة، التي يتحمل نتنياهو وكل المستوطنين المتطرفين من أمثاله مسؤولية تفجيرها، ودفع الشباب المحبط إلى الانخراط فيها دون استئذان أي أحد، ودون حتى التفكير بالعواقب، فلم يبق شيء ممكن خسارته، فالكرامة وعزة النفس والشجاعة تتقدم على كل ما عداها.
لم يستمع «السكري» إلى رئيسه عباس، ووعظه الاستسلامي، ولا إلى قادته الأمنيين الذين يرتعدون خوفا من كلمة «المقاومة» بسبب جبنهم، وعقيدتهم المنحرفة، وتواطئهم مع قوى الاحتلال، والتزامهم بتعليمات الجنرال الأمريكي دايتون وعقيدته، الذي غسل أدمغتهم، ونزع جينات الوطنية والشرف من دمائهم، وحولهم، إلى خدم للمشروع الاستيطاني الاسرائيلي.
الشهيد السكري هو «قمة جبل الثلج»، واستشهاده ربما يكون بداية الانطلاق، ولن أفاجأ شخصيا، إذا ما رأينا «صحوة ضمير» تنفجر في دماء زملائه الآخرين، كوادر القوات الأمنية، وتدفع بهم للسير على الطريق نفسه، وتحويل بنادقهم إلى صدور محتليهم.
فعندما يجدد بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة انتقاداته للاحتلال الاسرائيلي «المذل» ويدعو الاسرائيليين إلى الكف عن مهاجمة أي شخص «يقول الحقيقة»، ويقول في مقال نشره في صحيفة «نيويورك تايمز» الاثنين بأن مقاومة الاحتلال هي من طبيعة البشر، فإن هذه المقاومة آتية لا ريب فيها، ولن تكون مقاومة سلمية فقط على طريقة بلعين ونعلين «الفولكلورية» التي مارستها السلطة، وبعض الدائرين في فلكها، واعتبروها البديل الأفضل لتغطية مسلسل التنازلات، وخداع الشعب الفلسطيني.
أمين عام الأمم المتحدة «لم يكن يشجع الإرهاب» مثلما اتهمه نتنياهو، وما قاله هو ربع الحقيقة، وكان أكثر حرصا بذلك على الاسرائيليين منه على الفلسطينيين، ولكنهم تخصصوا دائما في تشويه صورة كل من يقول الحقيقة ويتهمونه بمعاداة السامية، في حملات ترهيب لم تعد تخيف أحدا.
لا يهمنا ما يقوله بان كي مون، ولا كيف سيرد عليه نتنياهو.. بقدر ما يهمنا ما سيقوله الرئيس عباس، والرهط المحيط به، والمتنافسون على رئاسة سلطته «الأكذوبة» من بعده.. ما يهمنا هو أن نرى انتهاء حالة الإنكار التي يعيشون فيها.. واسمها سلطة رام الله.
الرجل يصّر أن يموت ذليلا.. مهمشا.. منبوذا.. هذا خياره للأسف.. ويالها من نهاية بائسة، يستحقها عن جدارة.
التسونامي الفلسطيني قادم، وسيجرف كل الجيف في طريقه.. وسيكون مختلفا قطعا عما سبقه.. ونموذج شرف وكرامة ومروءة.. والأيام بيننا.