حسن البصري
طالبت الشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية، المعروفة بـ «صونارجيس»، من مجلس مدينة الدار البيضاء تسليمها ملعب مركب الخامس بعد إخلاء جميع مرافقه، بما فيها مقرات الجمعيات القاطنة تحت المدرجات وبعض المكاتب الفرعية للجماعة ومسكن المدير.
حملت «صونارجيس» مجلس الرميلي كل تأخير ناجم عن أي بطء في عملية الإجلاء دون تحديد سقف زمني لها، لأنها تريد أن تتسلم فضاء لا طيرا فيه يطير ولا بشرا يسير، تريد حيطانا تنبعث منها رائحة الإسمنت المسلح.
اشتكت «صونارجيس» للرميلي من وجود ما اعتبرته إكراهات ولوج الملعب، ووجهت شكاية في الموضوع للعمدة، فأحالتها هذه الأخيرة على رئيس لجنة الرياضة، الذي حولها لشركة «كازا إيفنت»، وهي بدورها بحثت عن صيغة لفراق بأقل مواجع، استنادا إلى القول المأثور «تلاقينا خوت نتفارقو خوت». طبعا في عملية تسليم الملعب لا وجود لمحاسبة، لأنه لا حساب بين الأحباب. المشكلة الأولى التي واجهتها عمدة الدار البيضاء هي إفراغ مرافق الملعب وخاصة جمعيات المجتمع المدني المتحصنين تحت المدرجات، وعددها يتجاوز العشرين هيئة، من جامعات رياضية كالملاكمة والصامبو والشطرنج والسلة والريكبي وغيرها من الجامعات التي سكنت الملعب منذ عقود. منحت العمدة مهلة أسبوعين لقاطني المركب الرياضي من أجل المغادرة، فبادر رؤساء الجامعات المعنية بمراسلة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وطالبوه بإنقاذهم من التشرد قبل أن تدوس الجرافات مكاتبها.
في انتظار حل للمشكلة، جمع موظفو بعض الجامعات وثائقهم ومستنداتهم استعدادا لإشارة ترحيل، بينما رفض آخرون الإجلاء بدعوى بعد مكاتبهم من بؤرة البناء، وعدم وجود مقرات بديلة. أما الوزارة فتبحث عن ملاذ لجامعات رياضية بلا مأوى وشرعت في تفحص ميزانياتها.
القضية تتجاوز اليوم الجامعات الرياضية المتحصنة في ملعب لكرة القدم، رغم أنه لا علاقة لها بالكرة، إلى الجمعيات الرياضية المحسوبة على «باب عشرة». كالجمعية المغربية للرياضة والتنمية التي ترأسها نوال المتوكل، والاتحاد المغربي للاعبين الدوليين الذي يرأسه مصطفى الحداوي، والودادية الوطنية للمدربين المغاربة التي يرأسها عبد الحق رزق الله، وجمعية حكام الدار البيضاء التي يرأسها الحكم جلال جيد، وجمعيات أخرى منها من لا تربطه علاقة بالرياضة، بل إن بعض المرافق تحولت إلى مخزن لآليات قديمة للجوق الجهوي لإذاعة الدار البيضاء منذ زمن المعطي البيضاوي.
عملية الترحيل تتطلب أكثر من رسالة تحمل إشعارا ومهلة من مجلس المدينة حددت في أسبوعين، إلا إذا كانت الجماعة تراهن على إفراغ بصفر درهم. قريبا سيرى سكان المعاريف شاحنات وهي تغادر مركب محمد الخامس محملة بأمتعة وأثاث هذه الجمعيات، لا تعتقدوا أنها قافلة تضامنية في طريقها لبؤر الزلزال.
في ذات السياق، توصل فريد المير المدير السابق للملعب بقرار الإفراغ المعجل، كان يقف في طابور مختبر للتحليلات الطبية حين جاءه الخبر، مهلة الإفراغ ستصادف وجوده في غرفة العمليات حيث سيجري عملية دقيقة ومكلفة للحد من انتشار داء الباركنسون الذي ينهك بدنه، والذي تقول التقارير الطبية إنه استفحل في جسد الرجل بسبب المبيدات والأسمدة الكيماوية التي تستعمل في صيانة عشب الملعب.
تأبط فريد، الذي شغل لسنوات منصب رئيس قسم الرياضة، وهو الذي حول ركنا تحت «المكانة» مسكنا له، متحملا عقوبة أسبوعية لصخب جماهيري، ملفه الطبي وتوجه إلى الجماعة حيث عرضه على أحد نواب الرئيسة، مطالبا بتمديد مهلة الإجلاء إلى ما بعد إجراء العملية الجراحية الدقيقة.
كان الجواب صادما: «الإفراغ والأداء يا سيدي المدير».
غادر الرجل مقر الجماعة وهو يجر أذيال الخيبة، تمنى لو عاد إلى مهنته القديمة وارتدى بذلة التحكيم السوداء، ليشهر في وجه المستشار الجماعي بطاقة حمراء.