إعفاءات مفاجئة لوزراء في الخارجية
لا تكون الضربات الموجعة في إعفاء وزراء الخارجية من مناصبهم، في مثل غيرها من القطاعات. سواء أكانت بفعل تقصير أو سوء تدبير لقضية ما، أو جراء حدوث تغيير في التوجهات العامة. فالناس عادة لا يولون الموضوع كبير اهتمام على عكس القطاعات المرتبطة بتدبير ملفات التعليم أو الصحة أو التشغيل، أو المسائل المالية والعدلية.
من فرط أعداد الأشخاص الذين تعاقبوا على تسيير قطاع التعليم، بخاصة في ستينيات القرن الماضي، على مستوى فروعه، بين الابتدائي والثانوي والجامعي، وما كان يعرف بالتعليم الأصيل.. تكاثرت القوائم والوجوه والأسماء. وعرف بعض الوزراء بتزايد وتيرة الاحتجاجات، مثل يوسف بن العباس والدكتور محمد بن هيمة والمستشار عبد الهادي بوطالب، الذي كان وزيرا للتربية والفنون الجميلة، وقاسم الزهيري، وأحمد رضا كديرة وعبد اللطيف الفيلالي ومحمد حدو الشيكر وغيرهم.
وعرف قطاع الأشغال العمومية والمواصلات بدوره إعفاءات ومناقلات، حتى أن وزير الداخلية الجنرال محمد أوفقير كلف بإدارة هذا القطاع، إلى أن عين الحسن الشامي خلفا له بعد مرور كل من محمد العيماني ويحيى الشفشاوني وعبد الحفيظ بوطالب وأحمد العسكي وآخرين. إلا أن التغييرات المفاجئة شملت رئاسة الدبلوماسية على فترات ومناولات غير متوقعة، وصلت إلى حد أن الوزير المعني يكون آخر من يعلم، وإليكم حكايات بهذه الوقائع:
كان المغرب على موعد مع تدشين سد كبير في منطقة ورزازات، وأسهمت بعض العواصم الأوروبية في دعم المشروع، انطلاقا من الأسبقيات التي حددتها مخططات التنمية في مجال الزراعة وإقامة السدود وحفر الآبار لضمان الأمن الغذائي. في مثل هذه المناسبات يشارك سفراء الدول الأجنبية، خصوصا المانحة، في مراسيم التدشين.
طلب إلى وزير الخارجية الدكتور عبد اللطيف الفيلالي أن يرافق مجموعة وزراء إلى ورزازات، غير أنه قبل إعطاء الانطلاقة للمشروع، جاء من يخبره بالاستغناء عن خدماته وتعيين الوزير أحمد الطيبي بن هيمة مكانه. لم يكن أكمل العام في منصبه الجديد، ولم يسعفه أحد في معرفة الأسباب التي أدت إلى إعفائه. وبينما كان يفكر في الالتحاق بالقطاع الخاص وقطع صلاته بالعمل الدبلوماسي، ستوجه إليه الدعوة مرة أخرى لتولي مسؤولية سفارة المغرب في مدريد. قبل العودة إلى الخارجية والإعلام لينهي مسار حياته وزيرا أول احتفظ بعض الوقت بالخارجية أيضا.
ويعتبر عبد اللطيف الفيلالي من الأوائل الذين تمرسوا على العمل الدبلوماسي، فقد بدأ حياته المهنية في دواليب هذا القطاع، منذ أن كان الحاج أحمد بلا فريج، مهندس الخطوات الدبلوماسية الأولى، يشرف على الخارجية، وكان مروره عابرا بوزارتي الإعلام والتعليم العالي، إضافة إلى العمل في الأمم المتحدة وفي سفارات مغربية عديدة. وظل على قناعة بأنه تعرض إلى ظلم لدى إبعاده عن الخارجية أثناء حضور حفل تدشين سد في ورزازات.
لكن الصحفي المغربي الوحيد الذي كانت له جرأة طرح السؤال على الملك الراحل الحسن الثاني، حول إبعاد وزير آخر في الخارجية، هو الدكتور عبد الواحد بلقزيز، هو الإعلامي طالع سعود الأطلسي الذي كان يعمل وقتها بصحيفة «أنوال». وقد يكون مصدر طرح السؤال أن الوزير بلقزيز أعفي بعد عودته من مهمة إلى عاصمة إفريقية، الأكيد أنها لم تكلل بالنجاح كما لا يقال عادة.
في وقائع أن الوزير لم يسمع بنبأ إقالته إلا بعد أن وصل إلى مسكنه في الرباط قادما من مراكش، فقد سبقه إلى مقر إقامته خبر مقتضب يفيد بتعيين عبد اللطيف مكانه، بعد أن كان اشتغل بعض الوقت وزيرا للأنباء والشبيبة والرياضة، ثم خلف زعيم حزب الاستقلال في رئاسة الدبلوماسية المغربية في ظروف لم يتسرب الكثير عن أسبابها ومعطياتها، ولم ينجم عن الموقف ما يدفع وزراء الاستقلال إلى التذمر والتململ، لأن بوستة كان يفرق بين المهام الدبلوماسية والمسؤولية الوطنية.
وتبقى حالة المستشار عبد الهادي بوطالب، الذي تولى وزارات عدة، من بينها العدل والتعليم والأنباء والخارجية، مثار تساؤلات، فقد سمع بدوره بخبر إقالته عندما كان بصدد زيارة رسمية إلى العاصمة الرياض. وجاء من يخبره بأن بيانا رسميا صدر بإقالته. ولعله الوحيد من بين مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يقول: لا. وبالتالي كان في مقدوره أن يصغي إليها بالنبرة نفسها حين يرتد السهم إلى صدره.
لا تنهي أشكال الإقالة علاقات الوزراء المعنيين بالمهام الرسمية دائما، وفي حالات هؤلاء الوزراء الثلاثة، من دون التركيز على غيرهم لم تنقطع حبال الود. فقد عاد الدكتور عبد اللطيف الفيلالي إلى الخارجية في مرحلة من أشد الفترات صعوبة في إدارة ملفات حيوية. وكان حظ المستشار عبد الهادي بوطالب أنه أمضى وقتا في بيته منكفئا على التأليف والمراجعات الفكرية، ثم نودي عليه ليشغل منصب المدير العام للمنظمة الإسلامية للثقافة «إسيسكو». فيما أن الدكتور عبد الواحد بلقزيز جرى انتخابه أمينا عاما لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وباءت حظوظ وزراء آخرين في قطاعات من غير الخارجية بالتعثر، لناحية تعيينهم في مناصب بالأمم المتحدة ومنظماتها الإقليمية الموازية والمتعددة. وقديما قيل لو دامت المسؤولية لأهلها لما آلت إلى من هم بعدهم يأتون.