إعارة اللاعبين.. الرق الجديد
رغم أن المغرب وقع مؤخرا اتفاقية مناهضة الرق والعمل القسري، انسجاما مع الحملة التي تقودها منظمة العمل الدولية، إلا أن عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية لا يعلم بوجود أشكال جديدة للرق في الوسط الرياضي وكرة القدم على الخصوص، تحت مسمى «نظام إعارة اللاعبين».
تقوم الأندية الرياضية قبل بداية كل موسم رياضي بإعارة فائض اللاعبين لفرق أخرى تعاني من خصاص بشري وعوز مالي، وذلك حتى يتمكن اللاعب المعار من تفادي بطالة كروية تعطل أطرافه وتهددها بالترهل.
أغلب اللاعبين المعارين يصطفون أمام إدارة النادي في طوابير، قبل أن يتلي على مسامعهم إداري الفريق قرارات تعيينهم، حسب قانون العرض والطلب وحسب كفاءة كل لاعب، بينما يفضل لاعبون آخرون البحث عن ملاذ لهم دون الحاجة لوساطة النادي.
لا توجد متابعة لهؤلاء اللاعبين الشباب الذين يحالون على المجهول، بدون سند أو توصية وحدها دعوات الوالدين تشيعهم إلى مثواهم الجديد، وحين يلتحقون بمقر النادي يعاملون كقوى عاملة قابلة لسد الفراغ مقابل الحد الأدنى من الكرامة، وقبل أن يوقع عقد الإعارة يخضعون لاختبار استدراكي أمام نظرات مدرب يردد على مسامعهم لازمة «عند الامتحان يعز اللاعب أو يهان».
يتفق رؤساء الفرق على نظام الإعارة وعلى أسماء المعارين ويبحثون في صحيفة سوابقهم التأديبية عن تاريخ الانفلاتات، وحين يحصل التوافق تتحول الموهبة المعارة إلى زكاة يسدد بها الرئيس ما تقدم وما تأخر من ذنوب.
مع بداية كل موسم رياضي، يكشف الرئيس عن حنينه لزمن الرق، فيجهز أسطول لاعبين أخطأتهم عيون مدرب أجنبي يؤمن باللاعب الجاهز والراتب الجاهز والساندويش الجاهز، ويقول لهم «هيا انتشروا في أرض الله الواسعة»، وقبل أن يغادروا مقر النادي يعلن فيهم خطبة طارق بن زياد «العدو أمامكم والبحر وراءكم فليس لكم والله إلا التوقيع أو الموت».
الرئيس في عالم الكرة ليس مجرد مسؤول يسهر على تدبير شأن الفريق رفقة فريق عمل، بل رجلا يسهر فعلا رفقة شلته لشرب إكسير الحياة الذي يطيل عمره ويمدد مقامه على كرسي المسؤولية، فمال الجامعة والمستشهرين وعائدات بيع التذاكر ومداخيل بيع اللاعبين تجعله يجمع بين الجاه والشهرة، لاسيما وأن قضاة جطو لا يولون ووجوههم صوب مالية الفرق الرياضية.
يسمي رئيس الفريق نفسه عنترة زمانه، ويعتبر النادي مجرد شقة مفروشة يجمع إيجارها ويسكر طول الليل على أبوابها، كما قال نزار قباني يوما، وحين يستفيق يقرأ صحفا تتحدث عن مكرمات عنترة ومعجزاته، وفي الجموع العامة ينصت المنخرطون لعزف على القانون من تأليف عنترة. أما اللاعب المسكين فيرضخ لأمر كان مفعولا ويضع «صاكه» على كتفيه المنهكتين وقبل أن يرسل نظرة وداع للوالد الحزين يشحنه بنصائح مستوحاة من برنامج «الدين والمعاملات» ثم يصلي استخارة دون أن ينشرح قلبه للإعارة.
في كثير من البلدان العربية صدرت فتاوى تحريم إعارة اللاعبين، وتعتبرها ضربا من الرق الجديد وتعارضا مع حق اللاعب في اختيار النادي الذي يتناسب وطموحاته، فالسودان مثلا حرمت الإعارة الكروية واعتبرت مسانديها دعاة لنظام عبودية جديد، خاصة وأن أغلب المدربين يرفضون التعامل مع اللاعب المعار لأنه مجرد عابر سبيل، بل إن كثيرا من المدربين يعتقدون أن المعار لا يختلف كثيرا عن طفل عامل في ورشة ميكانيك خلال العطلة المدرسية، فيستبيحون تدفئة قفاه بصفعات وضربه بركلات ترجيح وتجريح.
لكن القضية تجاوزت حدود إعارة لاعب من فريق إلى آخر، إلى وضع مشجعين رهن آخر إشارة فريق آخر على سبيل السلف، لذا تستحق حكاية هشام العزوزي الملقب بـ«الكربة» أن نتوقف عندها قليلا لأنها إعارة عابرة للقارات، جعلت شابا يضع خبرته في مدرجات الملاعب المغربية رهن إشارة فريق بلون آخر، وفق شروط تعاقدية تجعل هشام وطبله وحنجرته وقوافيه في خدمة العين التي لا تعلو على الحاجب.