إضراب المحامين
دخل المحامون في إضراب مفتوح ومقاطعة الجلسات والصناديق بمحاكم المغرب، وهو السيناريو الذي كان يستبعده الجميع باعتبار القضاء هو ملجأ المواطنين الأخير لإنصافهم وحماية الحقوق والحريات والفصل في القضايا الخلافية المستعجلة منها والعادية، وضمان المحاكمات العادلة وفق الحق في الدفاع كركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها مهما كانت الظروف والأحوال.
لا ينكر أحد أن هناك أزمات حقيقية على مستوى التشريع القانوني بالمغرب، ومطالبة العديد من الأصوات الحقوقية بمواكبة التحولات المجتمعية ومواجهة فيروس الفساد المتحور وتنظيم المهن وهيكلة القطاعات بالموازاة مع تطلعات بناء الدولة الاجتماعية وتحقيق التنمية المنشودة، لكن مشاريع القوانين ليست قرآنا منزلا كما أن التشدد في الحوار والتصعيد له تداعيات كارثية على مستوى الصالح العام الذي يجب أن يبقى دائما فوق كل اعتبار لأنه هو الهدف الأسمى في كل الحالات.
في الخلاف بين هيئات المحامين بالمغرب وعبد اللطيف وهبي وزير العدل، وجب أن تحضر الحكمة والمرونة، قبل التصعيد والدفع في اتجاه الباب المسدود، لأنه لا عدالة بدون دفاع والمحاماة كانت ومازالت صوت المظلومين والمستضعفين حتى ينالون حقوقهم، وساهمت في بناء الدولة الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وضمان الحريات حتى في أحلك الظروف السياسية والاجتماعية، وهذا دورها عبر التاريخ كمهنة نبيلة.
إن مشروع قانون المسطرة المدنية يحمل في طياته تفاصيل قابلة للنقاش والمراجعة مثله مثل مشروع قانون المسطرة الجنائية والقانون المنظم لمهنة المحاماة، حيث لا أحد ينكر المكانة التي يجب أن يحظى بها المحامي ووضعه الاعتباري داخل المجتمع وبمنظومة العدالة، لكن الإضراب المفتوح وشل المحاكم لأجل غير مسمى له تداعيات كارثية على المديين المتوسط والبعيد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وضياع حق المتقاضين والموكلين فضلا عن حرمان المتهم من حقه في الدفاع والمحاكمة العادلة.
مازال الوقت مناسبا لتدخل أصوات الحكمة في أزمة إضراب المحامين، باعتبار المغرب يتوفر على مؤسسات رسمية تنظر في كل الخلافات والتجاوزات، والدستور المغربي ينص على الحوار لحل كافة الملفات العالقة، والمصلحة العامة تقتضي التضحية من الجميع لأن الهدف واحد هو خدمة الوطن والمواطنين والعدالة التي تعتبر مفتاح كل خير وجلب الاستثمارات والتشغيل والتنمية والازدهار.