إشاعة «اللغات»..
يونس جنوحي
رغم أن الدعوات إلى رفع الدولة يدها عن التعليم والصحة، كانت نابعة من قلب الحكومة السابقة، إلا أن الرهان اليوم على الصحة وعلى التعليم. ومع اقتراب الانتخابات، فإن الوعود الانتخابية سوف تلعب من جديد على هذين القطاعين.
عندما كان لدينا وزير سابق للتعليم اسمه الداودي، سعى بكل قوته لكي يقول للمغاربة إن المستقبل للإنجليزية، دون أن نرى أي تنزيل وزاري لهذه اللغة في إطار برنامج بيداغوجي. واكتفى بكلام الشارع الذي يردده الجميع في المقاهي وفي أماكن أخرى لا علاقة لها بالتعليم، وكأنه مواطن عادي وليس وصيا على قطاع، لديه صلاحيات وزارية ودستورية لكي يباشر تنزيل رؤية من المفروض أنها ساهمت في تقدم حزبه في الاستحقاقات الانتخابية، يا حسرة.
مناسبة هذا الكلام صدور دراسة، في مارس الماضي، حول مستقبل اللغات، روجت لها مكاتب دراسات في كل من النرويج والسويد، على اعتبار أنهما بلدان من أكثر البلدان رفاهية في العالم، وتعتمد لغتها الأصلية في كل القطاعات، مع التركيز على اللغة الإنجليزية في التكوين العلمي.
هذه الدراسة تقول إن اللغة الإنجليزية أساسية لمتابعة إصدارات البحث العلمي حول العالم، وأنها باتت اللغة الأكثر انتشارا في تاريخ البشرية وليس في القرن الحالي فقط. وهذا المؤشر جعل هذه الدول تنتبه إلى ضرورة استقراء وجهة نظر الرأي العام في البلدين ومحاولة تنزيل برامج تراعي هذا التحول، لضمان مستقبل أفضل لأبنائها.
في المغرب لا تزال الحرب على المدرسة العمومية على أشدها. ورغم تداعيات جائحة كورونا إلا أن الأسر المغربية لا تزال متمسكة بخيار اللجوء إلى المدارس الخاصة لاعتبارات تستحق أن تُنجز حولها دراسات جادة. وهذه المدارس الخاصة تبقى دائما مُخلصة للغة الفرنسية كلغة أساسية للتدريس.
ورغم أن مدرسة خصوصية في مدينة طنجة طالبت مواطنا بأداء 60 مليون سنتيم فقط لا غير مقابل تمدرس ابنته خلف سور المدرسة، بدعوى أن إدارة المؤسسة مرغمة على فتح قسم جديد من أجل ابنته حتى تحترم عدد التلاميذ المسجلين في كل قسم. وهذا أكثر الأعذار طرافة في تاريخ التعليم عبر العالم. وأنجح دعاية بليدة لمؤسسة تعليمية على الإطلاق.
المؤسسة مستعدة لفتح قسم جديد بأكمله من أجل أن تتمدرس تلميذة واحدة، بينما يمكن إدراج اسمها بسهولة في قسم لن تؤثر إضافة تلميذة وحيدة إلى صفوفه على تحصيل بقية التلاميذ.
يحدث هذا كله في وقت تركز فيه الدول الرائدة في التعليم على منهجية تطوير اللغات ومواكبة متطلبات السوق الدولية وسوق البحث العلمي، وعندنا نحن يركزون على أقصر الطرق لحلب جيوب المواطنين والاستثمار في الهشاشة.
خريجو المدرسة العمومية المغربية يوجدون اليوم في مراكز دولية ومؤسسات عملاقة، يتحدثون الإنجليزية في الاجتماعات والجامعات والمعاهد العليا في أوربا وأمريكا وآسيا. الإنجليزية التي تعلموها في المدرسة العمومية خلال المرحلة الثانوية واجتازوا فيها امتحانات الباكالوريا النهائية.
بدون مزايدات، المغرب كان من الدول السباقة في العالم التي راجت فيها الإنجليزية بشكل قوي. عندما كانت طنجة منطقة دولية خلال القرن الماضي، كانت الجاليتان البريطانية والأمريكية تقيمان بصورة دائمة في أزقة طنجة ومنازلها ويخالط مواطنوها السكان الأصليين. واليوم توجد عمارات سكنية يعود إنشاؤها إلى سنة 1904، لا تزال صالحة للسكن، وأصحاب الشقق فيها ورثوها أو ابتاعوها من البريطانيين قبل رحيلهم عن طنجة.
لقد كانت لدينا فرصة لكي تكون الإنجليزية أقرب اللغات إلى المغاربة، لكن وقائع التاريخ حكمت بأن نكون تابعين لفرنسا بهذه الصورة المقيتة التي جعلتنا في الحقيقة لا نتبع أي اتجاه.