سناء الجاك
يكبر الرهان العربي والإسلامي على تغيير في الرأي العام الدولي تجاه حرب الإبادة التي تشنها آلة القتل الإسرائيلية على أهل غزة، ويعوِّل كثيرا على الحركات الشعبية والمظاهرات التي تندد بقتل المدنيين الفلسطينيين، لعلها تؤدي إلى ضغط على دولها للتخلي عن الدعم المطلق لإسرائيل وإنصاف الشعب الفلسطيني والتوصل إلى حل عادل لقضيته. ولكن إلى أي مدى يمكن الاعتماد على مثل هذا المعطى؟
المعروف أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي حيال تعرية صورتها في لعبة الإعلام التي تسيطر عليها عالميا منذ نشوء كيانها، وهي بالتأكيد تعد عدتها لتستعيد التعاطف المستمر مع مشروعها لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم كتعويض عن الاضطهاد التاريخي الأوروبي بحق اليهود، مع أن المشروع يسبق النازية ومحارقها بنحو عقدين وأكثر، ولتستدعي “التسامح” مع كل ما ارتكبته وترتكبه في غزة.
ولعل حرصها على الصورة تعكسه مسارعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القول إنه “يدعم بشكل لا لبس فيه حق إسرائيل وواجبها في الدفاع عن نفسها وفي الحرب التي تشنها ضد حماس”.
فالتأكيد الرسمي الفرنسي جاء بعد اعتراض إسرائيلي على تصريح سابق لماكرون يحضّ فيه “إسرائيل على وقف القصف الذي يقتل مدنيين بغزة”، لتتلقف حكومة نتنياهو التصريح وتعتبر أنه “يسبب الألم والانزعاج لإسرائيل”، ويناقض “الوقائع والموقف الأخلاقي”، ذلك أن “المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالمدنيين ينبغي ألا تُنسب إلى إسرائيل، بل إلى حماس”.
ولا تتوانى الحكومة الإسرائيلية عن اعتبار مجرد الإشارة لقتل المدنيين بغزة معاداة للسامية وفق قاموسها الحديث. وبناء عليه، خرج أكثر من 100 ألف شخص، في باريس وعشرات الآلاف في جميع أنحاء فرنسا للمشاركة في “المسيرة المدنية الكبرى” ضد “معاداة السامية”، بحضور لافت للطبقة السياسية الفرنسية..
ولأن الشيء بالشيء يذكر، تفيد العودة لمذكرات رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، وفيها يروي أنه وخلال عمله سفيرا لبلاده بفرنسا، دعا الرئيس الراحل فاليري جيسكار ديستان إلى الأردن، ولبى الأخير الدعوة، وزار موقعا عسكريا بمنطقة أم قيس على الحدود الفلسطينية، حيث التقطت له عدة صور.
وعندما حانَ موعد الانتخابات الرّئاسيّة بفرنسا بعد سنة من هذه الزيارة، تحركّت الجالية اليهوديّة واستخدمت صورةَ ديستان بموقع أمّ قيس وهو ينظر بمنظارٍ عسكريٍّ تجاه إسرائيل، وكُتِبَ تحتها أنّه لم يزرْ إسرائيل ونظر إليها من خلالِ منظارٍ عسكريٍّ عربيٍّ. ووُزّعَت الصّورة على نطاق واسع، وكان أثرها كبيرا في خسارته الانتخابات في مواجهة فرنسوا ميتران.
فمهمة “ترويض” المجتمع الدولي مصلحة إسرائيلية عليا، ووظيفة دائمة لا يمكن التقاعس حيالها، واليوم أكثر من أي وقت مضى.. وكأن عملية “طوفان الأقصى” جاءت فرصة ذهبية لتمكين نتنياهو من ركوب الموجة الدعائية المطلوبة ليهرب من أزماته إلى حرب يريدها مفتوحة، ويريد بأي ثمن تحقيق انتصارات تمحو هذه الأزمات من خلال توريط المجتمع الدولي فيها.
وبالتالي، يواصل نتنياهو الإصرار على أنه لن يوقف الحرب على غزة حتى يقضي على آخر فلسطيني بحجة القضاء على “دواعش حماس”، ويتوقع أن يتساهل المجتمع الدولي حيال ارتكابه مجازر تصنف في خانة “جرائم حرب” على ما ذكر البيان الختامي للقمة العربية – الإسلامية. وهو لا يكترث بإحراج الأنظمة الغربية تجاه شعاراتها بشأن الاعتداء على المدنيين وانتهاك حقوق الإنسان ومخالفة القوانين الدولية.. ما دامت هذه الأنظمة، وحتى تاريخه، لم تمارس ضغوطا فعلية عليه لإيقاف الحرب.