عاطف الغمري
خبراء الشؤون العسكرية والسياسية في الغرب، مشغولون الآن بقياس نتائج حرب إسرائيل في غزة، في الوقت الحالي ومستقبلا. ليس فقط طبقا للمعايير العسكرية، بل أيضا، وهذا هو الأهم في نظرهم، طبقا للمعايير السياسية.
ولأن الحروب لا تقع لمجرد اشتباكات عسكرية، بل للنتائج السياسية التي تحققت، أو ما هو متوقع لنهاية الحرب. وبدأت تظهر مقولات لمصادر قريبة لما يجري في غزة، منها مقولة «إسرائيل تخسر الحرب»، والتي تتكرر من مصادر أغلبها أمريكية، وبعضها إسرائيلية، وكان آخر التنبؤات ما نشرته مجلة «إيكونوميست» البريطانية بقولها: «نتنياهو يقود حربه في غزة إلى الفشل».
وفي أمريكا، نشرت مجلة «ذانيشن» دراسة لاثنين من كبار كتابها هما دانييل ليفي، وتوني كارون، عنوانها «إسرائيل تخسر هذه الحرب»، وقالا: بالرغم من عنف هجماتها على الفلسطينيين، فإنها فشلت في تحقيق هدفها النهائي من الحرب.
وفي الاتجاه نفسه، حذر عدد متزايد من المحللين الأمريكيين في الشؤون الاستراتيجية، إسرائيل من أن خسارتها للحرب ليست مستبعدة، بالرغم من العنف المفرط الذي تمارسه منذ 7 أكتوبر، وإن صمود الفلسطينيين رغم الهجوم المكثف عليهم قد دفع بالقضية الفلسطينية إلى قمة الانشغال العالمي بالأحداث المهمة، سواء على مستوى الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، أو على مستوى الشعوب في دول الغرب. وليس لدى إسرائيل وضوح في رؤيتها لما سيحدث لاحقا.
في الوقت نفسه، ذكر جون ألترمان، خبير الشؤون السياسية الأمريكي، في تقييمه للوضع الحالي وتداعياته مستقبلا، أن التحديات التي تتعرض لها إدارة الرئيس بايدن، وأيضا قادة دول الغرب الذين دافعوا بقوة عن تصرفات إسرائيل، تمثلت في ما يواجهونه الآن من رفض شعوبهم لاحتضانهم إسرائيل، رغم عنف تصرفاتها.
ثم إن الفشل المخابراتي لتوقع ما حدث في 7 أكتوبر يعتبر في حد ذاته فشلا سياسيا ناتجا عن انعدام التقدير السليم للتداعيات التي ستحدث نتيجة ممارستها لعنصرية شرسة ضد الفلسطينيين، وهو ما دفع منظمات دولية، ومنها جماعات يهودية كثيرة، إلى اتهام حكومة إسرائيل بأنها حكومة عنصرية.
ولم تكن تقديرات قيادات عسكرية إسرائيلية تختلف عن ذلك في تقييمها لأداء الحكومة، مثل قول الجنرال بالجيش الإسرائيلي إسحق بريك إن إسرائيل تبتعد أكثر فأكثر، وبمرور الوقت، عن تحقيق هدفها من هذه الحرب، وإنها تغوص تدريجيا في وحل غزة، وإن ذلك يعني عدم تحقيق الهدف الذي تسعى إليه، وهذا يعنى أيضا فشلها في تحقيق المهمة الأساسية التي حددناها لدخول هذه الحرب.
ويستطرد الجنرال إسحق بريط في شرح رؤيته، ويقول إننا نعاني الآن التفكك داخل تركيبة الحكومة التي يقودها نتنياهو. وإن من مظاهر ذلك استبعاد بعض الوزراء من حضور اجتماعات مهمة، لدرجة أن رئيس أركان الجيش هاليفي، امتنع عن حضور جلسات للحكومة الإسرائيلية، وهو ما أذاعته «القناة – 12» المؤيدة لنتنياهو.
كما أن آفي جيل، السكرتير العسكري لنتنياهو، قال إنه دعا رئيس الأركان إلى حضور اجتماعات للمشاركة في مناقشة خطط سير الحرب، لكنه لم يحضر. وتعليقا على ذلك استخدمت «القناة – 12» تعبيرا عن قلق غير مألوف، مما وصفته بالعلاقات السوداوية بين قادة النظام السياسي وبين القادة العسكريين.
وقال الخبير الاستراتيجي الأمريكي البارز جون ميرشيمر: في واقع الأمر، وبصرف النظر عما يجري الآن في ميادين القتال، فإن إسرائيل لا يمكنها أن تكسب حربها في غزة. ثم إنها تطبق استراتيجية تعرض مستقبلها على المدى البعيد للخطر.
واتضح أن وسائل الإعلام الأساسية في الولايات المتحدة تشترك في النظرة نفسها لتصرفات إسرائيل السياسية والعسكرية الآن، وهو ما عبرت عنه مجلة «فورين أفيرز» من تنبيه إلى ما سمته إنقاذ إسرائيل من نفسها، بقولها إن غزو غزة سوف يكون كارثة على إسرائيل، بعد أن أصبح خيار الغزو الذي أقدمت عليه، هو خيارها الأسود.