شوف تشوف

الرأيالرئيسية

إذا ظهر السبب بطل العجب

نُشر، قبل أسبوع، تقرير لمنظمة الضرائب الإيطالية يكشف تورط سياسيين صينيين في عملية غسل أموال لصالح المافيا الإيطالية و«كارتيلات» المخدرات في كولومبيا، بالإضافة إلى «الأوليغارشيين» الروس.

التقرير تحدث عن ملايير الدولارات، وعن عملية تعود إلى شتنبر 2022. حيث زارت فرقة من الشرطة الإيطالية، زوجين في منطقة «بريشيا»، للتحقيق في واقعة مثيرة للشك. وكانت هذه الواقعة هي الجزئية التي فضحت الشبكة.

إذ إن الشرطة الإيطالية وجدت أن الزوجين أرسلا أربعة ملايين ونصف المليون أورو، على دفعات إلى كل من سلوفينيا ودول في أوروبا الشرقية، باعتبار هذه الأموال دفوعات مقابل الحصول على مواد صناعية.

هذه المواد لم تصل إلى إيطاليا أبدا، وهو ما أثار شكوك المصالح الأمنية الإيطالية المعنية، لكي يتم فتح الملف.

وصولات التحويلات المالية لم تعثر عليها الشرطة الإيطالية بسهولة، بل إن الأمر كلفها، حسب ما نشرته الصحافة، الحفر في حديقة منزل الزوجين، بعد أن فشلت في الحصول على دليل من خلال تفتيش المنزل على يد متخصصين إيطاليين.

وفي تربة الحديقة، وجد أفراد الأمن براميل معدنية بداخلها مبلغ مالي إجمالي يصل إلى ثمانية ملايين أورو.

بالإضافة إلى ثلاثة ملايين أورو أخرى وُجدت في قبو المنزل.

التحقيق مع الزوجين، خلص إلى اعترافهما بأن الأموال التي بحوزتهما جاءت من الصين. وسرعان ما أطلق المحققون على هذا التحقيق الطويل، الذي قادهم في النهاية إلى اكتشاف العلاقة بين سياسيين من الحزب الشيوعي الصيني الحاكم والمتغلغل في دواليب الاقتصاد والإدارات الرسمية في الصين، عنوانا ببعد تاريخي يوحي بالكثير من الإشارات: «عملية طريق الحرير».

إذ إن الحضارات القديمة كلها تعرف أن طريق وصول الحرير إلى أوروبا كان يعبر الصين.

صحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية الشهيرة، ذكرت قبل أسبوعين، أن ما وجدته الشرطة الإيطالية من أدلة عن تورط الصين في عمليات غسيل أموال لصالح المافيا، سوف يؤثر بدون شك على العلاقة بين البلدين.

المثير أن التحقيق أشار إلى وجود يد لبنك الصين في الموضوع، بصفته مشرفا على فروع أبناك شملها التحقيق ومرت منها عمليات تحويل لتلك الأموال قبل أن تصادرها الشرطة الإيطالية. نتحدث هنا عن مبلغ قدره الخبراء الإيطاليون في 15 مليار أورو، جرى غسله ونقله خلال السنوات القليلة الماضية لصالح المافيا وكارتيلات أمريكا اللاتينية وعصابات الأسلحة في روسيا.

علق أحد الظرفاء على الموضوع قائلا إن هؤلاء المتورطين لم يتركوا لمخرجي الأفلام السينمائية ما يُبهرون به مشاهديهم في المستقبل، مضيفا أن كل ما قد يتصوره عقل، وما قد لا يخطر على بال أحد، جرى توظيفه في هذه العملية.

فقد نبه اقتصاديون إيطاليون إلى أن بعض عمليات تحويل الأموال في إيطاليا من الصين، قد تكون وراءها أبناك صينية لا وجود لها على أرض الواقع، أي أنها مجرد بنوك وهمية على الورق.

وحتى قبل أن يفتح هذا التحقيق، تقول بعض التقارير إن مصالح الضرائب في إيطاليا عبرت عن قلقها سابقا سنة 2021، بسبب انخفاض تحويلات الأموال بين الصين وإيطاليا والتي كان يقوم بها مواطنون صينيون في إطار عمليات عادية، كإرسال الإمدادات إلى أسرهم، أو تلقي الأموال من الصين لسد مصاريف دراسة الأبناء مثلا. هذا الانخفاض الكبير اعتبره المتخصصون الإيطاليون أكبر من أن يكون مجرد واحد من مظاهر التأثر بتداعيات انتشار فيروس كورونا الذي أثر على كل مناحي الاقتصاد، وشكوا في أن تكون أمور أخرى وراء انخفاض معدل تلك التحويلات المالية.

وفي الأخير عندما ظهر أن السبب وراءه أنشطة لغسل أموال المافيا الإيطالية بالدرجة الأولى، لا بد أن مستقبل التحويلات المالية، حول العالم وليس في إيطاليا وحدها أو الصين، سوف يزداد تعقيدا.

إذ إن الأسر المغربية هذه الأيام مطالبة بتقديم وثائق لا تنتهي، مقابل الاستمرار في إرسال مبالغ مالية لأبنائها في أوروبا والصين إلى حين استكمالهم سنوات الدراسة. ولم يعد ممكنا الآن لأي كان أن يرسل مبلغا ماليا لطالب مغربي في أوروبا، إذ يشترط الإدلاء بما يفيد علاقة البنوة أو الأخوة بين الطرفين، قبل تحويل الأموال عن طريق مكتب الصرف. بل إن بعض وكالات تحويل الأموال العادية، والمنتشرة في كل مكان، تطلب أحيانا من المواطنين الإدلاء بـ«كُناش الحالة المدنية» لإتمام العملية. والكثيرون استهجنوا هذا الإجراء،

لكن إذا ظهر السبب، بطل العجب.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى