إدلب ومغامرات روسية جديدة
فاطمة ياسين
تدرك روسيا أن فتح جبهة مواجهة مرة أخرى في إدلب أمر صعب في المدى المنظور، وذلك بعدما خاضت الأطراف عدة مواجهات قصيرة ومحدودة، حققت قوات النظام فيها بعض التقدم، وصولا إلى لحظة الاتفاق حول طريقي دمشق حلب وحلب اللاذقية، الذي قاد إلى عدة تفاهمات بشأن المنطقة، رسخت وضعية مستقرة إلى حد ما، ثم ظهرت متغيرات في ملفات ليبيا وشرق المتوسط، تتداخل فيها كل من روسيا وتركيا بأكثر من شكل، ما يجعل لخرق الاتفاقيات المبرمة بخصوص إدلب تأثيرا على ملفات أخرى. ويزيد من صعوبة التقدم الروسي التصريح الأمريكي الذي قال إنه سيقف إلى جانب تركيا في أي مواجهة مقبلة. تترك هذه الوضعية السياسية العسكرية المعقدة ملف إدلب في حالة مراوحة، وقد تكرس هذا مع عدم الحاجة الفعلية إلى طريقي M4 وM5 اللذين جرى، في السابق، التنازع حولهما، لعدم وجود سلع يمكن أن تنتقل عبرهما، فسكَنَ الإسفلتُ مع خواء الأسواق الذي تعكسه الطوابير الطويلة عند منافذ بيع أي سلعة. كانت ظروف التجمد هذه مثالية لتستنزف الأطراف بعضها بعضا، من دون أن تقوم بشكل فعلي بنقض ما تم التفاهم حوله، مع طموح روسي لمعاودة التقدم ظهرت بوادره قبل فترة، بتكرار قصف النظام مناطق ريف إدلب، وأيضا مع أخبار زرع عبوات ناسفة على الطرق التي تعتمدها القوات التركية، فقبل أيام انفجرت إحدى هذه العبوات في سيارة تحمل مترجما لصالح القوات الجوية التركية، وتم تفكيك أخرى، قبل أن تنفجر في نقطة تفتيش للجيش التركي في حي الأشرفية في حلب، وفُجرت شاحنة مفخخة قرب مسجد فاطمة الزهراء، وانفجرت واحدة في إحدى نقاط التفتيش التي يعتمدها الجيش التركي للمراقبة والسيطرة، ومن الصعب استبعاد الأصابع الروسية عن هذه العمليات، إن لم يكن بشكل مباشر فعن طريق عملاء رسميين.
استعاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نغمة تخليص إدلب من الإرهابيين، في تصريح بدا جزءا من سلسلة التفجيرات ذاتها التي استهدفت القوات التركية، فحتى مع احتمال أنه ليس ثمة يد لروسيا في تلك التفجيرات، وإنما يتم استثمارها واختيار توقيت متزامن معها، لبدء حملة سياسية توجها لافروف بالدعوة إلى تنفيذ اتفاقيات عُقدت سابقا مع تركيا، لوضع حد للإرهابيين في إدلب، ودعمت تصريحات لافروف مواكبة عسكرية بقصف جوي نفذه طيران النظام على أطراف الريف الجنوبي لإدلب، على الرغم من أن البند الرئيسي في اتفاق مارس بين تركيا وروسيا يصر على وقف التصعيد العسكري. يرغب النظام، وروسيا بالطبع، أن تزيل تركيا نقاط التفتيش المنتشرة حول إدلب، وقد جعلت التطورات العسكرية أخيرا هذه النقاط مواقع متقدمة للجيش التركي، يمكن أن تشكل عوائق تزعج تحركات النظام والروس، وتركيا ترفض تحريك هذه النقاط التي وُجدت بعد تفاهمات ضمن اتفاق وقف العنف.
تشعر روسيا بأنها تمسك بأكثر أوراق الملف السوري، ولديها الكلمة العليا، لتقرر ما يمكن أن يستقر عليه الحال، وهي تعتقد، في الوقت نفسه، أن تركيا أصبحت في موقف أضعف سياسيا، بعد إتمام اتفاقيات التطبيع العربية مع إسرائيل التي عارضتها وحذرت منها تركيا، إلى جانب موقف تركيا شرق المتوسط الذي بدأ يستنفر قوى إقليمية ضدها، كمصر واليونان وفرنسا، وتريد روسيا أن تستثمر في هذه الملفات، لتربح مزيدا من الأراضي في سوريا، وهي تعتقد أن الوقت ملائم جدا لذلك، ولكن طريقها لا يبدو مفروشا بالورود، بعد أن فشل الاجتماع الذي عقد بين عسكريين روس وأتراك، وألمح بعده وزير الخارجية التركي بوجوب تثبيت وقف إطلاق النار، تحت مخاطر إنهاء الاتفاقيات الأمنية، وتم إدخال تعزيزات تركية إلى سوريا، في سياق تسجيل اعتراض في وجه الروس على استمرار الوضع القلق، وإذا لم تفهم روسيا هذه الإشارات، فإنها تعيد إدخال المنطقة في مغامراتها.