إدغار موران: «يجب توقيف المجازر بسوريا والحرب ضد «داعش» عبثية»
وهو في الـ 94 من عمره، لا يزال إدغار موران في يناعة فكرية خصيبة. ويبقى بذلك أقرب إلى شعراء ومفكرين من أمثال الشاعر إيف بونفوا (92 عاما) ومن قبلهما ستيفان هيسيل (الذي توفي عن 96 عاما). مبدعون ومفكرون نهلوا وتغذوا باستمرار من السؤال ومن الكتابة.
عايش موران عن كثب أحداث ومآسي القرنين العشرين والواحد والعشرين. من الحرب الكونية الثانية إلى تفتت المعسكر الاشتراكي، مرورا بانبثاق النزعات القومية والعنصرية واللاهوتية. وجاءت كتبه، مثل «الثقافة والبربرية الأوروبية» (منشورات بايار)، أو مؤلفه «أين يسير العالم» (منشورات ليرن) وغيرهما،مرآة صقيلة لهذه الخضات والقطائع. جعل موران من هذا التاريخ المعقد مادة لسؤال فلسفي وسوسيولوجي مستدام وغير قابل للاختزال أو الاستنفاد. من هنا لقبه بـ«فيلسوف ما هو معقد». ولهذا الغرض ابتكر منهجية بنائية، لا بنيوية.. وقد ورد مفهوم «المعقد» عام 1982 واستعمل لأول مرة في كتاب «العلم مع الوعي». ويترجم المفهوم أشكال الفكر القابلة بتداخل وتمازج مختلف مجالات البحث والمناهج. ولا يمكن لتعريف واحد أن يختزل الحضور الكثيف للفيلسوف، عالم الاجتماع، المفكر الاجتماعي، الشاهد والناقد لرموز وعلامات زمانه الحائر، الملتزم بالقضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي كان ولا يزال أحد مناصريها. وقاده مقال وقعه بجريدة «لوموند» يندد فيه بالسياسة الإسرائيلية،(قاده) إلى المحكمة عام 2004.
نتاج إدغار موران ذو تشعبات منهجية عديدة تتجدد باستمرار. وضمن التناقض والمعقد تألف فكره بشكل متناسق، لكنه فكر يتبرم من الانغلاق اليقيني للتشديد على الحس النقدي وعلى البعد التركيبي. وانصبت مساءلاته على جميع القضايا التي تشغل حداثتنا المعقدة: الموت، الحب، الأساطير، وسائل الإعلام، أوروبا، العنف، التكنولوجيا، الحرب إلخ.. يبقى إدغار موران آخر أعلام «الغرب النقدي» الذين فتحوا للباحثين والمثقفين العرب في الثمانينات والتسعينات نوافذ فكرية ومنهجية على غرب نقدي جديد، من أمثال جيل دولوز، فيليكس غاتاري، رولان بارث، كاستورياديس، لويس ألتوسير، جاك لاكان إلخ.. تتأتى نكهة هذا الغرب النقدي من كونه خاليا وخالصا من أي تمركز ذاتي ومن أية أساطير إمبراطورية أو استبدادية، وفي هذا السياق يندرج إدغار موران.
بدءا، أود أن أستهل هذا اللقاء بالعودة، إن سمحت، لذكر شخصية سياسية وفكرية كان لحضورها في حياتك وفي معاشك اليومي وزن قوي. باختفائها تركت فراغا مهولا لا بالنسبة لك بل بالنسبة لجيل. ذاك هو ستيفان هيسيل رفيق دربك في الكثير من المعارك. بماذا تشعر اليوم بعد سنتين على غيابه؟
في أحايين كثيرة٬ وخلال مناسبات عشتها بعد غيابه٬ كنت أقول في قرارتي: أه لو كان ستيفان حاضرا بيننا! ولشد ما رغبت أن يكون إلى جنبي. أشعر وبشكل لا يعوض بغيابه لأن المشاكل التي طرحناها وواجهناها بشكل ثنائي وجماعي تكاثرت وتكاثفت. كان رفيق درب ومانحا للثقة. كان ذا شخصية نورانية ومتنورة. كما أن طبعه الوديع لم يفقده شدة في الحزم. هذا ما افتقدناه وما ينقصنا مع غياب ستيفان هيسيل. كان أيضا صاحب قضايا عادلة. وقد افتقدت فيه القضية الفلسطينية مناصرا وسندا. لما نرى ما آلت له القضية الفلسطينية اليوم٬ نلمس ونقف عند حجم التزامه وقوة صوته. اليوم ثمة لامبالاة دولية تجاه الشعب الفلسطيني، بل وحتى داخل إسرائيل. لم يعد أحد يشعر ويفكر بأن هناك شعبا يعيش وراء الجدران. شعبا يعيش في قفص. يعيش وضعية «أبارتايد» أو ميز عنصري. كان ستيفان هيسيل شاهدا ومناضلا منخرطا هو وزوجته إلى جانب الفلسطينيين. من موقعه كرئيس للجنة «برتراند راسل»، إلى جانب ليلى شهيد وأعضاء آخرين، كانت تدخلاته لدى الأوروبيين حاسمة. اليوم القضية الفلسطينية في مأزق، ومن واجبنا اليوم عدم التخلي عن الفلسطينيين. صحيح أن المظاهرات لم تعد بالحجم والكثافة التي كانت عليه من قبل. وشخصيا، وفي كل المناسبات، بانخراطي مثلا في لجنة المراقبة وكتابتي لمقالات في الصحف تسبب لي ذلك في شتائم دسمة وفي محاكمة عام 2004.. وقيل في حقي في بعض المنابر الصهيونية بأنني «أدعم الإرهابيين».
على أي أصبحت مقاومة هذا التيار وهذه التوجهات جد صعبة. وكنا سنكون أكثر قوة وعزما لو كان ستيفان هيسيل إلى جانبنا اليوم، خصوصا وأن الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أعادت نتانياهو إلى السلطة قد تعزز من إيديولوجيته الحاقدة.
الرهان مع نيتانياهو هو تسييره لحكومة يمينية متطرفة٬ سعيها ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية. وسيزداد الوضع تأزما إذن. ما يمكن قوله هو أن اعتراف بعض الدول الأوروبية أو غيرها بالقضية الفلسطينية، والمجهودات التي تقوم بها الحكومة الفلسطينية يجب أن لا تدفعنا إلى اليأس.
- أصبح الشرق الأوسط إجمالا مسرحا لعنف مستدام، بماذا تفسر هذا العنف المصبوغ بلاهوتية ظلامية تحاول إعادة إنتاج نماذج أولية؟
تجب العودة إلى المرجعية التاريخية. فأثناء حرب أفغانستان٬ حاول الأمريكيون تشجيع لا الجماعات الأفغانية العلمانية بقيادة الزعيم مسعود، بل شجعوا وساندوا الجماعات المتطرفة التي كانت تحركها أفكار دينية متزمتة. النتيجة هي انبثاق بن لادن وتنظيمه المتطرف. كما أن سياسة الكيل بمكيالين هذه التي كانت ولا تزال ضحيتها الدول العربية ذاتها، شجعت على نمو الحركات الإسلامية والجهادية. كما أن فشل الأنموذج الاشتراكي بما فيه النظام البعثي والديمقراطي في البلدان العربية، فاقم من حدة الأزمة، علاوة على أن هذه الدول كانت مسرحا للكثير من الرهانات من طرف حكام استبداديين. لذا- في اعتقادي- قادت سلوكات الاحتقار والنبذ العديد من المواطنين إلى الانتفاض وإلى حراك راديكالي لا شخصي وإنما شمولي. عاينا إذن ما يشبه فك عقدة الخوف كشكل من أشكال التحرر٬ الشيء الذي دفع البعض إن لم تكن الأغلبية إلى البحث عن الذات لدى الأسلاف وفي الأصول الأولية للإسلام، وهو ما اعتبره الغرب إحياء لعقلية الحقبة الصليبية. وصلت تداعيات هذه الردة حتى إلى شباب ضواحي المدن الأوروبية التي وجدت في أقوال وفتاوي بعض الفقهاء أو المرشدين الدينيين، مفاتيح لخوض الجهاد وارتداء عباءة الصحابة. نحن أمام إعادة إنتاج لزمن ورسالة هما بحاجة إلى إبداعية وابتكارية جديدة. لأن التكرار والإعادة- كما يقول فرويد- هما أحد نظائر الموت. نحن إذن أمام لا وحسب شباب تائه، بل أمام مثقفين تائهين أيضا. ذلك أن التطرف لا يقتصر فقط على التطرف الديني، بل يتعداه أيضا إلى التطرف الثقافي. بحيث إن أكبر المتطرفين كانوا دائما ضمن المثقفين. وقد نعاين انبثاق «دكاترة للتطرف» وذلك في ظرفية قاتمة تعتبر الحرب السورية إحدى مراحلها القصوى. هذه الحرب هي حرب أهلية بعدة فاعلين وحرب دولية بعدة زبناء ووكلاء. إن أضفنا لها الحرب في اليمن٬ الحرب في العراق الذي تم تفتيته إثر الغزو الأمريكي، مع التكملة التي أضافها تنظيم «داعش» بحربه المقدسة التي انخرط فيها المئات من الشباب المسلم والشباب الغربي المؤسلم. وسبق لأندريه مالرو أن قال إن «الشجاعة مسألة تنظيم»، ويمكنني القول أيضا إن التطرف مسألة تنظيم ونظام. لذلك فإنه انغلاق هلوسي داخل تنظيم إرهابي. تعرفت شخصيا على بعض عناصر الألوية الحمراء الإيطالية التي كانت تعرف بنفسها كتنظيم إرهابي. كان عالمها ومجالها مغلقا٬ لم يكن لهذا التنظيم إحساس بمادية العالم الخارجي٬ كان غير مكترث بإنسانية الآخر٬ يملكون إحساسا واحدا هو إحساس الرفاق. من الصعب التخلص من أسر هذا العالم، لكن تمكنت بعض العناصر من الخروج ومغادرة هذا العالم.. جوانية التطرف لا نجدها فحسب لدى الإرهابيين، لما كنت مناضلا في الحزب الشيوعي الفرنسي صادفت شيوعيا متطرفا في شخص صديقي الفيلسوف جان توسان دوسانتي ٬ الشيوعي التوتاليتاري بامتياز٬ الذي قال لي ذات مرة وببرودة أعصاب: «إن تطلب الأمر قتل مئات الآلاف من الأشخاص بواسطة القنبلة الذرية السوفياتية فيجب القيام بذلك». في كلتا الحالتين: في حالة التطرف الديني والتطرف الشيوعي٬ نحن بصدد تصور قروسطي، بصدد انتكاص بدائي للفكر. وسبق لي في مؤلف بعنوان «في طبيعة الاتحاد السوفياتي»، أن أوضحت بأن الشيوعية هي عبارة عن قناع يحجب الحقيقة التي تدعي تسميتها والتعريف بها. ذلك أن الاتحاد السوفياتي٬ ذلك المفهوم السحري والغامض٬ يعتبر أكبر تجربة وأخطر سؤالا عشته في حياتي. لو تذكرنا أنه في القرن الخامس عشر٬ كانت أوروبا الغربية مسيحية وتحت سيادة مسيحية دموية، حيث كانت السيادة للحروب الصليبية٬ لمحاكم التفتيش٬ ولإعدام اليهود في محارق جماعية٬ فلا نجد أية صعوبة للقول إن العنف٬ البربرية٬ هي القاسم المشترك للإنسانية. وعليه يندرج تنظيم «داعش» ضمن هذه المنظومة. المفارقة هي أن الغرب يبدي امتعاضه وتقززه من بشاعة «داعش»٬ لكنه تناسى أو يتناسى أنها صنو ورديف لما اقترفه في السابق. ثم أليست حروب بوش الأب والابن حروبا بدائية وبعقلية صليبية؟ على أي «داعش» هي قوس دام آيل إلى الزوال. وفي نظري فرهان التربية٬ وبالأخص تربية الشباب٬ مسألة أساسية وحيوية. في فرنسا هذه الشروط لم تجتمع بعد للقيام بهذا العمل.
- هل لا يزال مفهوم «علم الأزمات-crisologie » الذي أطلقته عام 1976 صالحا للاستعمال، خصوصا وأن أزمات اليوم ليست هي أزمات الأمس؟
زاوجت بين عدة تخصصات، بين مجال العلوم الإنسانية والعلوم البيولوجية والسيكولوجية. لكن رافق هذا التزاوج أو المزاوجة المنهجية تأمل فكري ونظري انصب على هذه المناهج نفسها. هنا يرافق المفكر عالم الابستمولوجيا. وكانت مناسبة إشرافي على أحد أعداد مجلة «communications » التي ساهم فيها مؤرخون٬ علماء اقتصاد٬ علماء بيولوجيا٬ لأجرب نجاعة هذا المفهوم. إذ لاحظت أن الأزمة انتشرت واستشرت في القرن العشرين إلى مختلف مناطق الوعي المعاصر. لا يوجد ميدان لا تشغله فكرة الأزمة ولا حديث سوى عن «أزمة الرأسمالية» «أزمة المجتمع» «أزمة الأزواج»٬ أزمة العائلة»، «أزمة القيم»، «أزمة الشباب»٬ «أزمة البشرية» إلخ.. لكن اتساع رقعة الأزمات تم على حساب فهمها واستيعابها. وأفرغ مفهوم «أزمة» من معناه ودلالته ليعني ما لا نقدر على فهمه وإدراكه. ولإلقاء الضوء على مفهوم الأزمة، كان من الضروري ابتكار نظرية لمجتمع له القدرة على استيعاب الأزمات. لا يزال هذا المفهوم في قرننا المثخن بالأزمات والعنف، ناجعا وعمليا. وبفضله وقفت عند البربرية الجديدة٬ عند الأشكال الجديدة للموت والحياة٬ وفسرت العنف المتعدد الذي استبد بعالمنا وبمعاشنا اليومي. ما لم نفكر في البربرية فإننا لن نرقى إلى طور الثقافة. علينا إذن الوقوف عند العلاقة المعقدة٬ القائمة بين البربرية والثقافة، وذلك لمقاومة البربرية بشكل جيد وناجع.
- يهيمن على النقاش العام اليوم في فرنسا وفي مجموع أوروبا، أشباه مثقفين وأشباه مبدعين، من أمثال إيريك زمور وميشال ويلبيك. هل يمكن أن نستعمل في حقهم تعبير مثقفين أصوليين؟
لا ينتمي ميشال ويلبيك إلى أشباه المثقفين٬ بل هو كاتب وروائي حقيقي. كما يمكنني القول إن إيريك زمور ليس بمثقف بل هو صحافي. حكاية ويلبيك مختلفة نسبيا. روايته «استسلام»٬ التي نشرت وطرحت في الإطار الدرامي لهجمات السابع من يناير على «شارلي إيبدو» والتشنجات التي رافقتها٬ لو كانت قد ظهرت في ظرفية أخرى٬ في إطار تاريخي آخر٬ لكانت مجرد حكاية فولتيرية (نسبة إلى فولتير). وبالتالي، فإن الإطار والظرفية الدرامية هما اللذان فاقما من حدة السجال من حول الرواية. غير أن هناك مثقفين من أمثال ألن فينكلكروت والعديد من الصحفيين الذين يقوم مشغولهم اليومي على التزييف وعلى أحادية الرأي والنظر. كل ذلك من منطلق ومن منطق متزمت. يبين لنا هذا الوضع المستوى الذي آل له انتكاصنا وردتنا. إن أضفنا إلى ذلك صعود اليمين المتطرف الذي خلق جاذبية إعلامية٬ نحصل على صورة منحطة لغرب قلق على مستقبله٬ غرب بلا بوصلة ومن دون اتجاه ولا توجه. غرب مرعوب من الحاضر والمستقبل. الشيء الذي يدفعه إلى الانزواء والانطواء على نفسه داخل خوف مرعب. هكذا وجد في الآخر أنموذجا لكبش الفداء الذي يجب الخبط عليه باستمرار. الآخر العربي٬ المسلم٬ الزنجي٬ الأجنبي.. فالحملات العنصرية التي تتعرض لها وزيرة العدل الفرنسية٬ كريستيان توبيرا٬ أفضل مثال على هذا «الانسعار» العنصري. إنها إحدى علامات فقدان العقلانية الإنسانية. نسعى إلى مقاومة هذه التيارات الحاقدة٬ لكن تسحقنا أحيانا عجلة التاريخ. الرهان اليوم هو على مستوى تفكيك آليات هذا الخطاب. أعتقد أن للتربية دورا أساسيا في توعية المجتمعات. لكنها اليوم- وللأسف- ليست قادرة على القيام به وأدائه.
- صدر لك٬ بتوقيع مشترك٬ مع طارق رمضان، كتاب بعنوان: «مخاطرة بالأفكار» (منشورات الشاتليه)، هو عبارة عن حوار في مواضيع تتموقع فيها مواقفك على طرف نقيض من مواقفه.. لمَ طارق رمضان؟ وما الهدف من هذه المقابلة؟
في فرنسا٬ طارق رمضان عرضة لحملات سياسية وإعلامية غير مبررة في نظري. فالرجل صاحب أفكار قد نتفق أو لا نتفق معها. لكن وزنه الفكري يؤهله لأخذ موقعه في النقاش العام حول القضايا الساخنة التي تتعلق بالإسلام والمسلمين في فرنسا. بعض الأوساط تفضل وجوها باهتة فكريا وهي إحدى طرق تبخيس الإسلام.
محاورة طارق رمضان، الذي يحظى بشعبية كبيرة في فرنسا، وبالأخص في أوساط الشباب، هي من منطلق الفيلسوف الذي يؤمن بـ«البوليموس»٬ أي السجال.
- ثمة سؤال يشغل كتاباتك ومداخلاتك هو الذي يخص المتوسط. أصبح هذا الأخير اليوم عبارة عن مقبرة بحرية لآلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الالتحاق بالضفة الشمالية، وبجنة عدن وهمية. إنه مسرح لأوديسا تراجيدية يومية. ما هو شعورك إزاء هذا الوضع المأساوي؟ وهل أصبح للمتوسط معنى ودلالة أخرى؟ وكيف نفكر في المتوسط اليوم بطريقة جديدة؟ وهل هناك رغبة سياسية لفتح أقفال الحدود؟
صحيح أن الوضع بالمتوسط مرعب. من قبل عاينا موجات للهجرة الإفريقية التي كانت تنطلق على متن قوارب مهترئة، يقودها سماسرة ومهربون يتركونها في ما بعد في عرض المتوسط فريسة للأمواج. نشهد اليوم انبثاقا لهجرات وافدة من بوابات جغرافية أخرى: من أفغانستان٬ باكستان٬ العراق٬ سوريا.. والمهاجرون في غالبيتهم هاربون من ويلات الحرب. صحيح أن المتوسط أصبح اليوم مجالا تراجيديا بامتياز. ولسنا على مقربة من الحل. لا توجد أي إرادة أو رغبة سياسية لدى الدول الأوروبية المتوسطية لاقتراح حلول ناجعة لهذا المشكل. بل على العكس٬ تتحصن هذه الدول وتضرب من حولها سياجا سميكا الشيء الذي يفاقم من الهجرة السرية ومن مافيات التهريب السري. الحل يكمن أيضا في إيقاف المجازر بسوريا. فالحرب ضد «داعش» حرب عبثية. فالضربات الجوية للحلفاء تستهدف بالأساس المدنيين ما يجعلهم يرتمون في أحضان الدولة الإسلامية. وعليه فالضربات تقوي عود وشوكة «داعش» أكثر مما تكسرهما. لا زالت إذن الأوهام نفسها والأخطاء ذاتها على حالها. ولا زالت التدخلات الاعتباطية مستمرة أيضا.
والمطلوب نقاش شمولي على مستوى مجموع دول الشرق الأوسط وأيضا وضع سياسية جديدة كفيلة بتحسين أوضاع هؤلاء المهاجرين المعيشية والعزوف عن الهجرة. لكننا أبعد من أن نحل هذه المعضلات والمشاكل. إننا وبصراحة في وضع جد سيء.