شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرحوار

إدريس الكراوي يشخص واقع التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية

رغم ارتفاع أعداد الطلبة المسجلين في العلوم الاقتصادية قليل منهم يصل سلك الدكتوراه

قبل أيام جرى تقديم كتاب جديد يحمل عنوان «التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية» لإدريس الكراوي، الأكاديمي والخبير الاقتصادي المغربي ورئيس الجامعة المفتوحة للداخلة، صادر بشكل مشترك عن دار النشر الفرنسية «L’HARMATTAN» والجامعة المفتوحة للداخلة ضمن سلسلة «إفريقيات الغد»، وهو الكتاب الذي تم تقديم خلاصاته خلال ندوة ضمن فعاليات الدورة التاسعة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.

عبر صفحات الكتاب، التي ناهزت المائة وسبعين، رصد المؤلف مجموعة من الحقائق المتعلقة بوضعية التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالمغرب؛ أبرزها «انعدام مقاربة مشتركة ومنسَّقة بين أعضاء هيئة التدريس بشأن الأسس التي يقوم عليها تكوين النخب العلمية الاقتصادية». وفسر الكاتب هذا الأمر بـ«غياب بنية للتتبع المؤسساتي والموحد للتفكير الجماعي المشترك للاقتصاديين المغاربة بشأن هذه الإشكالية على الصعيد الوطني».

في هذا الحوار مع الدكتور والأستاذ إدريس الكراوي، تقف «الأخبار» عند أهم خلاصات الدراسة العلمية العميقة التي أنجزها والتي ضمنها بين دفتي كتابه، وتقف مع الكاتب عند أهم الحلول للرقي بالتعليم العالي في مجال العلوم الاقتصادية.

 

حاورهالنعمان اليعلاوي

 

  • ما السمات الرئيسية لوضعية التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالمغرب؟

يمكن إجمال هذه السمات في عدة حقائق بارزة، أولاها تتمثل في أزمة إنتاج الجامعة المغربية وإعادة إنتاجها لكتلة حاسمة من المتخصصين في العلوم الاقتصادية مشهود لهم بمستوى من التميز والكفاءة، وتستوفي متطلبات التكوين والبحث في العلوم الاقتصادية بالمغرب في القرن الواحد والعشرين. في هذا الصدد، تبرز حتمية تسليط الضوء على معضلة جدية تتعلق بتكوين أجيال جديدة من الأساتذة الباحثين في الاقتصاد، بقطع النظر عن مساهمة مغاربة العالم.

 

الحقيقة الثانية تكمن في الطبيعة المفككة لواقع تدريس العلوم الاقتصادية، الذي يعطي انطباعا بربط تكوين طلبة الاقتصاد بمزاج كل أستاذ وكل كلية وكل مشرف على سلك الماستر وكل مسؤول عن المختبر، وحسب التكوين الأولي الذي تلقاه الأساتذة ورؤيتهم لهذا الحقل المعرفي ورؤى «أسلافهم».

وترتبط الحقيقة الثالثة بانعدام مقاربة مشتركة ومنسَّقة بين أعضاء هيئة التدريس بشأن الأسس التي يقوم عليها تكوين النخب العلمية الاقتصادية. ويعزى ذلك إلى غياب بنية للتتبع المؤسساتي والموحد للتفكير الجماعي المشترك للاقتصاديين المغاربة بشأن هذه الإشكالية على الصعيد الوطني.

فيما تتجلى الحقيقة الرابعة في غياب آلية لتتبع وتقييم ومراقبة المناهج المتعلقة بالعلوم الاقتصادية وتدريسها بالكليات المغربية. ومن ثم، يُدرس كل أستاذ ما يراه مناسبا له وفي حدود استطاعته بعيدا عن أية مراقبة بمفهومها السليم ودون الاستئناس بإطار مرجعي مشترك على الصعيد الوطني، ويحظى بقبول مكونات منظومة تكوين النخب العلمية الاقتصادية قاطبة. ويستحيل إحراز تقدم في هذا الجانب الحساس وبالغ الأهمية لتقييم وضعية التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعة المغربية الحالية، في ظل الواقع النقابي وتشبث أساتذة التعليم العالي باستقلاليتهم المشروعة في هذا الباب.

وتتجسد الحقيقة الخامسة، التي يتطرق إليها هذا المؤلف والمدعمة بالأرقام، في تسجيل الإنتاج العلمي في الاقتصاد لركود أو حتى نكسة في عدد من التخصصات، باستثناء المساهمة الفعلية التي يمكن أن يقدمها الاقتصاديون المغاربة المقيمون بالخارج. ويرتبط السبب البنيوي العميق لهذا الركود باستفحال أزمة إنتاج النخب العلمية الاقتصادية المرموقة من قبل الجامعة المغربية، وبانغماس العدد المتبقي من الباحثين الاقتصاديين، المنتمين للجيل القديم، في أعمال الاستشارة والخبرة لدى الهيئات العمومية والخاصة وطنيا ودوليا، بدلا من تكريس جهودهم للإنتاج العلمي والأكاديمي السليم وإنجاز الأبحاث الأساسية والتطبيقية في العلوم الاقتصادية.

في هذا الصدد، يجب أن ننوه ونشيد بجمعيات الاقتصاديين المغاربة التي وفرت إطارا للتفكير والتأمل، وأرضية لنشر الأعمال النادرة للباحثين في العلوم الاقتصادية، والتي التقطت بدورها «عدوى فيروس» البحث.

 

  • انطلاقا من هذه الاعتبارات والحقائق والإشكاليات الأولية، ما الوضعية الراهنة للتدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية؟

يمكن الوقوف على الوضعية الراهنة للتدريس في العلوم الاقتصادية من خلال عدة عناصر، أولها تطور عدد الطلبة في شعبة العلوم الاقتصادية، حيث يُستفاد من تطور العدد الإجمالي للطلبة المسجلين في الجامعات العمومية المغربية أن إجمالي العدد المسجل في 2020 يتجاوز نظيره المسجل في 2000 بأربعة أضعاف، و26,3 ضعفا العدد المسجل في 1976، ما يشير إلى تقدم كبير ومتواصل في أعداد الطلبة.

ويظهر توزيع الطلبة حسب النوع أن التطور بدا أكثر وضوحا لدى الإناث، اللواتي تضاعف عددهن بأكثر من 68 مرة في الفترة الممتدة من 1976 إلى 2020، عوض 16 مرة فقط لدى الذكور. وينعكس هذا التطور حسب النوع على نسبة التأنيث في قطاع التعليم العالي العمومي، التي ازدادت من 19,2 في المائة في 1976 إلى 50,5 في المائة في 2020، وبعبارة أخرى، سجلت 2020 تجاوزا طفيفا للمناصفة التي كانت في صالح الطالبات، بعد أن بلغ عددهن 16 طالبة فقط و100 طالب في 1976.

وبدا التطور أكثر بروزا لدى الطلبة المسجلين في شعبة العلوم الاقتصادية، إذ ارتفع العدد المسجل في 2020 بأزيد من 39 ضعفا العدد المرصود في 1976. بمعنى آخر، ازدادت جاذبية مسلك العلوم الاقتصادية مع مرور السنوات. وتتأكد هذه الحقيقة من خلال نسبة الطلبة المسجلين في الشعبة المأخوذة من العدد الإجمالي، حيث ارتفعت من 14,3 في المائة في 1976 إلى 19,3 في المائة في 2000 وإلى 21,3 في المائة في 2020. ويكشف التوزيع حسب النوع أن مسالك العلوم الاقتصادية تستهوي أكثر الطالبات، اللواتي تضاعف عددهن بـ138,6 مرة في الفترة المشار إليها أعلاه، منتقلا من 792 طالبة إلى 109.857. بالمقابل، ارتفع عدد الطلبة الذكور بـ20,4 مرة فقط خلال الفترة نفسها، منتقلا من 4219 طالبا إلى 86.155. وأثر هذا التطور على بنية أعداد الطلبة المسجلين في شعبة الاقتصاد حسب النوع، حيث ارتفع مؤشر المناصفة من 15,8 إلى 56 في المائة. فضلا عن ذلك، أظهرت 2020 هيمنة الطالبات المسجلات في الشعبة بنسبة تبلغ 56 في المائة، مقارنة بنسبة 15,5 في المائة فقط المسجلة في 1976 و39,9 في المائة الملاحظة في 2000.

ويُستشف من توزيع طلبة الاقتصاد حسب الجهات، برسم 2020، تمركز أزيد من نصف عددهم الإجمالي في أربع جامعات، تتمثل في الدار البيضاء (19,7 في المائة) وأكادير (15,2 في المائة) وتطوان (12,9 في المائة) والرباط (8,9 في المائة). بالمقابل، سُجلت أدنى النسب بجامعتي الجديدة (2,3 في المائة) وبني ملال (3,3 في المائة) خلال السنة نفسها. وخلافا لسنة 2000، تشير المعطيات إلى تمركز ما يفوق نصف أعداد الطلبة المسجلين في هذه الشعبة بجامعتي الدار البيضاء (26 في المائة) والرباط (24,5 في المائة).

 

  • ماذا بخصوص تطور عدد الطلبة الخريجين في شعبة العلوم الاقتصادية؟

لقد تأثر تطور عدد الطلبة الخريجين في شعبة العلوم الاقتصادية بتطور عدد المسجلين فيها، إذ بلغ عدد الخريجين 25.574 طالبا برسم 2020. وبلغت نسبة الإناث منهم 58,6 في المائة عوض 39,7 فقط في 2000. ويكشف توزيع العدد حسب نوع الدبلوم أن 83 في المائة من الخريجين نالوا شهادة الإجازة، متبوعين بالمتوجين بشهادتي الماستر والدكتوراه بنسبتي 16,5 و0,5 في المائة على التوالي. ويشير ذلك إلى أن 5 فقط من أصل 100 طالب مسجلين في الشعبة بلغوا سلك الدكتوراه، ما ينطوي على ارتفاع حاد في نسب الهدر الجامعي.

وعلاقة بتوزيع الخريجين حسب النوع، بلغت نسبة التأنيث 58,6 في المائة من عددهم الإجمالي. ومن ثم، بلغ عدد الطالبات الخريجات في الشعبة نحو 59 من أصل 100 طالب، في الوقت الذي وصلت نسبتهن 39,7 في المائة في 2000. ويتصدر الطلبة الذكور سلك الدكتوراه بحصة بلغت 53,7 في المائة في 2020، مسجلة انخفاضا مقارنة بسنة 2000 حيث وصلت 83,3 في المائة.

ويتبين من دراسة مردودية شعبة العلوم الاقتصادية، انطلاقا من مداخل النظام ومخارجه واستنادا إلى العلاقة التي تربط أعدد الطلبة المسجلين بأعداد الخريجين، تسجيل تطور نسبي في سلكي الإجازة والماستر بالخصوص، إذ بلغ عدد الطلبة المتوجين بالشهادة 13 من أصل 100 طالب مسجلين في الشعبة برسم 2020، مقارنة بسنة 2000 التي شهدت تخرج 8,4 طالب فقط. وحسب النوع، ارتفعت هذه النسبة من 8,4 إلى 13,6 لدى الإناث، ومن 8,4 إلى 12,3 لدى الذكور.

وبلغ عدد خريجي الشعبة في الجامعات العمومية 2,8 من أصل 100 من إجمالي الطلبة المسجلين في 2020، عوض 1,6 طالب في 2000، كما بدا هذا التطور أكثر وضوحا لدى الإناث حيث تضاعف عددهن خلال الفترة نفسها، منتقلا من 1,5 طالبة إلى 3,2، مقارنة بالذكور الذي انتقل عددهم من 1,7 طالب إلى 2,3.

 

 

 

 

 

هامش : الجدول 4: تطور أعداد الطلبة الخريجين لكل 100 طالب مسجلين في شعبة العلوم الاقتصادية

من 2000 إلى 2020

 

السنوات

الذكور

الإناث

المجموع

2000

8,4

8,4

8,4

2020

12,3

13,6

13,0

المصدر: نسب محتسبة استنادا إلى معطيات وفرتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار

 

 

 

الجدول 5: تطور عدد خريجي شعبة العلوم الاقتصادية لكل 100 طالب مسجلين في الجامعات العمومية

من 2000 إلى 2020

 

السنوات

الذكور

الإناث

المجموع

2000

1,7

1,5

1,6

2020

2,6

3,2

2,8

المصدر: نسب محتسبة استنادا إلى معطيات وفرتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار

 

 

  • هل الأمر ينسحب أيضا على تطور عدد الأساتذة الباحثين في شعبة العلوم الاقتصادية الذين وظفتهم الجامعات العمومية المغربية؟

لقد ناهز عدد الأساتذة الباحثين في شعبة العلوم الاقتصادية بقطاع التعليم العالي العمومي 1295 أستاذا في 2020، وبلغت نسبة الإناث منهم 32,1 في المائة. وتضاعف عددهم طيلة العقدين الماضيين، إذ لم يتعد 533 أستاذا في 2000 بنسبة تأنيث بلغت 19,5 في المائة. في هذا الصدد، تضاعف عدد الأستاذات الباحثات أكثر من أربع مرات في الفترة الممتدة من 2000 إلى 2020، منتقلا من 104 أستاذات إلى 416 مقارنة بالذكور الذي ارتفع عددهم من 429 أستاذا إلى 879.

وفي 2020، بلغت نسبة أساتذة مسلكي «التجارة والتسيير» و«العلوم الاقتصادية والاجتماعية والتدبير» 30,1 و69,9 في المائة على التوالي من العدد الإجمالي للأساتذة، مقارنة بسنة 2000 التي وصلت فيها النسبة إلى 13,5 و86,5 في المائة على التوالي.

ويتبين من دراسة البنية العمرية لهيئة التدريس في شعبة العلوم الاقتصادية، برسم 2020، أن نسبة 89,7 في المائة من الأساتذة تتجاوز أعمارهم 35 سنة. وتتوزع أعدادهم، حسب النوع، بين 93,6 في المائة لدى الذكور و81,3 في المائة لدى الإناث. وتكشف هذه الحقيقة تنامي تدفق الخريجات الشابات المولعات بمهنة تدريس العلوم الاقتصادية، حيث تمثل نسبة الأستاذات البالغات أقل من 35 سنة 19,7 في المائة من أعضاء هيئة التدريس، عوض 6,4 في المائة فقط لدى الذكور.

ويفيد توزيع هيئة التدريس حسب الشعبة بأن 65,7 في المائة من الأساتذة البالغين أقل من 35 سنة يزاولون التدريس في شعبة «العلوم الاقتصادية والاجتماعية والتدبير»، مقابل 34,3 في المائة يمارسون المهنة في شعبة «التجارة والتسيير». وبخصوص الفئات العمرية البالغة 35 سنة أو أكثر، تصل هذه النسبة إلى 70,4 و29,6 في المائة على التوالي.

وبصرف النظر عن مختلف التداعيات التي أفرزتها عملية المغادرة الطوعية، وتقاعد أعداد هائلة من أساتذة الاقتصاد المنتمين لجيل الثمانينات والتسعينات، دون أن يوازي ذلك تجديد هيئة التدريس بنسبة متكافئة من جهة، وفي ظل تصاعد أعداد الطلبة المسجلين في مسالك العلوم الاقتصادية من جهة ثانية، يُلاحظ أن أزمة التأطير بلغت فعليا درجة من الخطورة تبرز انعكاساتها على جودة التدريس والبحث في الاقتصاد سنة بعد أخرى. ويظل دعم الدولة الطوعي، المتمثل في تخصيص مناصب مالية إضافية، غير كاف لتلبية احتياجات الجامعات المتزايدة والهامة من الأساتذة الباحثين والأطر الإدارية.

 

  • وماذا عن الدعم الموجه للأبحاث في العلوم الاقتصادية؟

يوفر المركز الوطني للبحث العلمي والتقني أساسا الدعم للأبحاث في العلوم الاقتصادية التي ينجزها طلبة الدكتوراه والأساتذة الباحثون في الجامعات العمومية. ويرتكز هذا الدعم على دعامتين: منحة التميز الممنوحة للطلبة المستحقين وتمويل مشاريع البحث.

وعلى سبيل التوضيح، تفيد معطيات المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، برسم 2020، بأن 460 من أصل 651 ملف طلب منحة التميز، جرى قبوله في الانتقاء الأولي، يهم الإصلاح البيداغوجي لنظام إجازة – ماستر – دكتوراه. وتتوزع الملفات الأكثر قبولا، حسب التخصص، حول علم الأحياء (71 ملفا) والاقتصاد والتسيير (65 ملفا) والآداب (60) والفيزياء (58) وعلوم المهندس (54). وتهم التخصصات الأخرى، غير المندرجة ضمن النظام سالف الذكر والبالغ عددها 191 طلبا حظيت بالقبول، أساسا علم الأحياء (35 ملفا) والاقتصاد والتسيير (32 ملفا) والفيزياء (29 ملفا) وعلوم المهندس (27 ملفا). ومن أصل 651 طلبا، جرى قبول 300 منها وما زال العدد المتبقي (351 طلبا) قيد الانتظار.

وعلاقة بالمسالك المندرجة ضمن النظام المشار إليه أعلاه، حظي 210 من أصل 460 طلبا بالقبول في الانتقاء الأولي. وما زال العدد المتبقي قيد الانتظار، أي أن 45,7 في المائة من الطلبات جرى قبولها. أما في ما يخص التخصصات غير المندرجة ضمن هذا النظام، والمتمثلة في الهندسة والطب والطب البيطري وطب الأسنان والهندسة الزراعية، حظي 90 من أصل 191 طلبا، أودعها المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات والمدارس الوطنية للتجارة والتسيير، بالقبول وما زال العدد المتبقي، أي 101 طلب، قيد الانتظار، بنسبة قبول بلغت 47,1 في المائة من الطلبات المقدمة.

وبلغ عدد مشاريع الأبحاث في العلوم الاقتصادية، المندرجة ضمن مختلف البرامج التي يمولها المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، 49 مشروعا في الفترة الممتدة من 2015 إلى 2020. وتتمحور حول المجالات ذات الصلة بالخصوص بالاقتصاد والتنمية وتحليل الاستهلاك ودراسة سوق الشغل والموارد البشرية، إضافة إلى دينامية المقاولات والسياسات الاقتصادية. وخلال الفترة نفسها، بلغ العدد الإجمالي للمشاريع التي مولها المركز 667، 49 منها فقط همت العلوم الاقتصادية، ما يجعل هذا التخصص يدخل في خانة المجالات التي لا تحظى بدعم أبحاثها كما يتضح من المعطيات الواردة في الجدول أسفله.

على ضوء ما سبق، ليس من المستغرب أن يتأثر سلبا إنتاج الأبحاث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية، بالرغم من الجهود التي تبذلها هيئات الدعم الوطنية. ويتأثر كذلك وبالضرورة إنتاج المؤلفات في التخصص نفسه.

 

  • ما انعكاسات هذا الوضع على إنتاج المؤلفات في الاقتصاد؟

بخصوص هذا الشق الهام من تقييم وضعية البحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية، يجب أن نقف فيه عند ثلاث نقاط أساسية:

أولاها تتعلق بتطور إنتاج المؤلفات في الاقتصاد، منذ نيل المغرب لاستقلاله سنة 1956، بلغ عدد المؤلفات المصنفة في العلوم الاقتصادية 872 في الفترة الممتدة من 1957 إلى 2020، بمقدار 14 مؤلفا في السنة. وإلى حدود 2005، سجل الإنتاج تطورا إيجابيا، حيث ارتفع عدد المؤلفات الاقتصادية من 18 بين سنتي 1957 و1975 إلى 239 بين عامي 1995 و2005.

وفي الفترة الممتدة من 1995 إلى 2005، ارتفع هذا المقدار إلى 24 مؤلفا في السنة، في الوقت الذي تراجعت وتيرة الإنتاج السنوي طيلة الفترة الممتدة من 2005 إلى 2015 مقارنة بالعقد السابق، إذ استقرت في 22 مؤلفا سنويا لتزداد بمعدل 27 خلال الفترة من 2015 إلى 2020. ويُستشف من مقارنة السنوات الثلاث، أي 1976 و2000 و2020، أن إنتاج المؤلفات في العلوم الاقتصادية شهد انخفاضا كبيرا بين سنتي 2000 و2020، منتقلا من 32 مؤلفا إلى 25 سنويا.

ومقارنة بالفترة من 2015 إلى 2020، ما زال عدد المؤلفات المصنفة في 2020 يقل عن المتوسط برسم خمس سنوات، ما يؤشر على منحى تنازلي لإنتاج المؤلفات في العلوم الاقتصادية.

 

  • ماذا عن مساهمة الأساتذة الباحثين في إنتاج مؤلفات الاقتصاد؟

هذا هو العنصر الثاني، حيث يتبين من مقارنة إنتاج مؤلفات العلوم الاقتصادية بتطور عدد الأساتذة الباحثين المتخصصين في الشعبة بالجامعات العمومية، تراجع منحى الإنتاج لكل أستاذ باحث. ففي 2020، ساهم عدد مكون من 100 أستاذ في إنتاج ثلاثة مؤلفات فقط، في الوقت الذي وصل العدد إلى سبعة مؤلفات بين سنتي 1976 و2020. غير أن عدد الأساتذة في هذه الفترة تضاعف بمقدار عشرة تقريبا، فيما ارتفع عدد المؤلفات المنتجة إلى أربعة فقط.

وتعكس هذه الوضعية الإشكالية التي تعترض الجامعة العمومية المغربية، والمتمثلة في توظيف وتكوين أساتذة باحثين في العلوم الاقتصادية وقادرين على المساهمة في إغناء وإثراء الأبحاث في هذا المجال الحاسم للارتقاء ببلادنا.

 

 

 

عدد مؤلفات العلوم الاقتصادية المصنفة من قبل المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ومكتبة الملك عبد العزيز آل سعود وعدد الأساتذة المتخصصين في العلوم الاقتصادية والتدبير برسم سنوات 1976 و2000 و2020

 

 

1976

2000

2020

عدد الأستاذة المتخصصين في العلوم الاقتصادية والتدبير

91

461

905

عدد المؤلفات المنشورة والمصنفة

6

32

25

عدد المؤلفات لكل أستاذ باحث

0,07

0,07

0,03

 

 

فيما يبقى العنصر الثالث هو مجالات إنتاج مؤلفات الاقتصاد، فقد أبان تقييم مضمون الإصدارات في العلوم الاقتصادية أن المحاور التي تطرق إليها منتجو المؤلفات المصنفة بين سنتي 1957 و2020 ترتبط أساسا بأربعة مجالات، تتصدرها «القطع النقدية والمالية والبنوك»، بنسبة 21,7 في المائة من إجمالي المؤلفات المصنفة، متبوعة بـ«السياسات الاقتصادية» بنسبة 14,6 في المائة، و «النظريات الاقتصادية» بنسبة 12,9 في المائة، ثم «الاقتصاد والتنمية» بنسبة 11,2 في المائة.

في هذا الصدد، يُلاحظ تنامي الاهتمام بالمواضيع ذات الصلة بـ«القطع النقدية والمالية والبنوك» مع مرور الزمن، إذ ازدادت حصتها من 5,6 في المائة بين 1957 و1975 إلى 23,3 بين 2000 و2020 من العدد الإجمالي للمؤلفات الاقتصادية المصنفة.

وتشمل المجالات التي تراجعت مكانتها ضمن المؤلفات المصنفة، منذ استقلال المغرب، بالخصوص المحاور المتعلقة بـ«اقتصاد الموارد البشرية»، التي انخفضت حصتها من 11,3 في المائة في الفترة من 1957 إلى 1975 إلى 1,6 في الفترة من 2000 إلى 2020، و«تحليل الاستهلاك» التي تهاوت حصته من 5,6 إلى 0 في المائة خلال الفترة ذاتها.

وتهيمن اللغة الفرنسية على الإنتاج بنسبة تفوق 70 في المائة من المؤلفات المصنفة، تليها اللغة العربية بنسبة 23,8 في المائة. غير أن استقراء تطور لغات إصدار المؤلفات حسب الفترة يكشف عن تراجع نسبي لحصة اللغة الفرنسية في الفترتين الممتدتين من 1957 إلى 1975 ومن 2000 إلى 2020، منتقلة من 77,8 في المائة إلى 71,1. واستفادت لغات أخرى من هذا التراجع، سيما الإنجليزية والإسبانية اللتان ارتفعت حصتهما من الإنتاج من 0 إلى 3,4 في المائة ومن 0 إلى 0,4 في المائة على التوالي.

وبقطع النظر عن أهميتها البيداغوجية التي لا جدال فيها، تعزى الزيادة في حصة نشر الدروس والأعمال التوجيهية والإصدار الذاتي للمؤلفات، ضمن العدد الإجمالي للمؤلفات التي ينشرها الأساتذة الباحثون في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية الوطنية والمصنفة للفترة الممتدة من 2000 إلى 2020، (تعزى) بدرجة كبيرة إلى وجود سوق مدرة للربح، ولا تمت بصلة لاهتمامات الأبحاث الأساسية أو التطبيقية في كل الأحوال.

ويظهر أن هذه الممارسة في نشر المؤلفات تستمد شرعيتها دون الحاجة إلى تعليلها، بالنظر إلى تدهور الأوضاع المعيشية لشريحة مهمة من أساتذة التعليم العالي الباحثين، إذ لم تسجل أجورهم أية زيادة لأزيد من عشر سنوات. وتظل متدنية بالرغم من الزيادة المتواضعة للغاية والتي تقرر صرفها عبر دفعات في 2023.

وتتأكد جميع هذه المعطيات والخلاصات من خلال النتائج المنورة للغاية والمنبثقة عن البحث الاستقصائي المنجز، لأغراض التوضيح، على عينة مكونة من 150 طالبا من خريجي الجامعات العمومية المغربية والحاصلين على شهادات الإجازة والماستر والدكتوراه في العلوم الاقتصادية.

 

  • ما تقييم خريجي الاقتصاد بشأن وضعية التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية؟

استهدف البحث الاستقصائي عينة مكونة من 150 طالبا تخرجوا من الجامعات العمومية في شعبة العلوم الاقتصادية، ضمنهم 80 طالبة.

وضمت العينية تمثيليات من كافة الجهات، وتتراوح أعمار الخريجين بين 20 و67 سنة.

ومُنحت الشهادات الخمس المعنية بين سنتي 1984 و2021، وتضم دبلوم الدراسات الجامعية العامة والإجازة والماستر ودبلوم الدارسات العليا المعمقة والدكتوراه. وتتوزع متغيرات الاستبيان على فئتين.

وكشف استقراء الإجابات المتعلقة بالاقتصاديين المغاربة الذين تركوا بصمتهم على تكوين الخريجين عن تنوع ردود الفعل التي تتطابق مع أربع فئات، تهم الأولى الخريجين الذين صرحوا بغياب أي اقتصادي مغربي ترك صدى على تكوينهم، ولجأوا أساسا إلى إصدارات المؤلفين الأجانب لإنجاز أبحاثهم الجامعية والرفع من مستوى إلمامهم في مجال الاقتصاد، وتأثرت الفئة الثانية أكثر بخبرات الاقتصاديين العاملين في الإدارات العمومية على الصعيد الوطني، على غرار بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، وبمراكز التفكير المغربية مثل مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد التابع للمكتب الشريف للفوسفاط، وبإصدارات الجامعة المفتوحة للداخلة.

ولم تفرق الفئة الثالثة بين الاقتصاديين المغاربة، معتبرة أن جميع الأساتذة مشهود لهم بالكفاءة وساهموا في تأطيرهم وفي النهوض بالأبحاث في الاقتصاد وتعميق المعارف الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية، فيما اختارت الفئة الرابعة عددا من الاقتصاديين الذين يجسدون قاسما مشتركا بين جميع الخريجين كيفما كان نوع الشهادة (إجازة أو ماستر أو دكتوراه).

في هذا الصدد، يتضح أن آراء الإناث والذكور تتشابه من حيث اختيار الخبراء الذين تركوا صدى واسعا على مسارهم الجامعي. ويُلاحظ كذلك تدني حضور العنصر النسوي في قائمة الاقتصاديين الذين خلفوا تأثير عميقا على تكوين الخريجين المستطلعة آراؤهم.

فضلا عن ذلك، سجل البحث الاستقصائي عجز الأجيال الجديدة من الخريجين عن ذكر أسماء عشرة اقتصاديين قدموا قيمة إضافية لمسارهم الأكاديمي، ونسبة كبيرة منهم ذكروا خمسة في أفضل الحالات. ويتعلق الأمر بأساتذتهم في أغلب الأحيان، حتى لو كانوا من طلبة الدكتوراه المتقاضين لتعويضات عن الدروس المقدمة، ولم ينشروا أية أعمال بحثية في الاقتصاد. كما يعتبرون غرباء عن مجتمع الاقتصاديين المزاولين للمهنة في الجامعات العمومية المغربية.

وبصورة أدق، وحسب نوع الدبلوم، تشمل قائمة أسماء الاقتصاديين الأكثر ذكرا على ألسن خريجي سلك الإجازة الذكور، نجيب أقصبي وإدريس بن علي ونور الدين العوفي وإدريس الكراوي والعربي الجعيدي والحبيب المالكي وفتح الله ولعلو وعبد السلام الصديقي، فيما تضم الأسماء التي بصمت على مسار الإناث، نجيب أقصبي ونور الدين العوفي وإدريس الكراوي والعربي الجعيدي.

وبالنسبة لخريجي سلك الماستر، ضمت القائمة الأكثر ذكرا في صفوف الذكور أسماء نجيب أقصبي وعزيز بلال وعبد القادر برادة ومحمد برادة ونور الدين العوفي وإدريس الكراوي والعربي الجعيدي والحبيب المالكي وعمر القباج وسمية القباج وسمية الحسوني وعمر الكتاني، بينما أشارت الإناث إلى أسماء نجيب أقصبي وعزيز بلال والعربي الجعيدي وإدريس الكراوي وعمر الكتاني وفتح الله ولعلو.

وعلاقة بالجامعات التي ينتسب إليها الخريجون، شملت قائمة الاقتصاديين الأكثر ذكرا على ألسن طلبة جامعة محمد الخامس بالرباط، محمد العبدلاوي ونجيب أقصبي ومحمد رجاء عمراني وعزيز بلال وإدريس الكراوي والعربي الجعيدي وعمر الكتاني ورشيد مرابط وفتح الله ولعلو.

 

  • ماذا كانت آراء المستطلعين حول أفضل الإنتاجات الوطنية في العلوم الاقتصادية المنشورة من قبل الاقتصاديين المغاربة؟

لقد كشفت نتائج الأبحاث المتعلقة بتقييم أفضل المؤلفات التي أنتجها الاقتصاديون المغاربة على الصعيد الوطني عن خمس فئات من الخريجين.

تتشكل الفئة الأولى، وهي الغالبية العظمى، من الخريجين الذين وجدوا صعوبة حقيقية في اقتراح أسماء عشرة إنتاجات مع ذكر مؤلفيها، ما يشير إلى جهل الأغلبية الساحقة بإنتاج مؤلفات الاقتصاد في سوق الكتاب الوطنية، بينما عجزت الفئة الثانية عن ذكر مؤلف واحد على الأقل نشره الاقتصاديون المغاربة.

وتتكون الفئة الثالثة من الخريجين من كلا الجنسين وبجميع الأعمار والحاصلين على جميع أنواع الشهادات والمنحدرين من جميع الجهات، الذين أقروا بوجود عدد من الإصدارات دون ذكر أسماء مؤلفيها بالتحديد.

واكتفت الفئة الرابعة بذكر إصدارات المؤلفين المسؤولين المشرفين على مشاريعهم الخاصة بنهاية الدراسة أو أطروحاتهم فقط.

 

ويتبين من مقارنة اقتراحات خريجي الجامعات العمومية المغربية الأصغر والأكبر سنا، بصرف النظر عن نوع الشهادة (إجازة أو ماستر أو دكتوراه)، أنهم يجهلون جهلا حقيقيا المؤلفات المنشورة من قبل الاقتصاديين ببلدهم.

 

  • هل عبر المستجوبون عن مواد دراسية يرغبون في تلقينها خلال مسار التكوين في العلوم الاقتصادية؟

يستفاد من مقارنة تقييمات الخريجين حسب العمر أن الحاصلين على شهادة الإجازة الأصغر سنا يرغبون في إدراج وحدات ذات صلة بتدبير المشاريع وتحليل البيانات وتدبيرها، فيما يقترح الأكبر سنا تدريس التخطيط الاستراتيجي والدراسات الاستشرافية والتحليل الإحصائي وتحليل المعلومة الاقتصادية والمجمعات الاقتصادية، علاقة بالآراء حسب الشهادة، يرى الحاصلون على شهادة الماستر الأصغر سنا ضرورة منح الأولوية للتحكم في البرمجيات المعلوماتية، فيما يركز الأكبر سنا على النمذجة في المجال النقدي والعلوم الاكتوارية والسياسة النقدية، كما يشدد الحاصلون على شهادة الدكتوراه الأصغر سنا على أهمية إدراج وحدات متعلقة بتطوير المهارات السلوكية، بينما يرغب الأكبر سنا في تلقين طلبة العلوم الاقتصادية نمذجة الاقتصاد القياسي المعمقة.

 

ماذا عن المشكلات الرئيسية التي اعترضت التدريس والبحث طيلة مسار التكوين؟

أبانت دراسة نتائج البحث الاستقصائي عن ثمانية أنواع من المشكلات في هذا السياق، تطرق إليها الخريجون المستطلعة آراؤهم.

تهم المشكلة الأولى جودة التكوين وتأطير مشاريع نهاية الدراسة والأطروحات، إذ أشار عدد كبير من الخريجين إلى عدم كفاية كفاءات الأساتذة الذين أشرفوا على تكوينهم وتأطيرهم. وذكرت الأغلبية الساحقة منهم أن الأساتذة لا يستوفون الشروط الضرورية لتكوين الطلبة بشكل أفضل ومواكبتهم في جميع مراحل التكوين، باستثناء حالات نادرة. وتتفاقم هذه الوضعية بالخصوص عند إعداد مشاريع نهاية الدراسة والأطروحات في جميع أسلاك الإجازة والماستر والدكتوراه.

وترتبط المشكلة الثانية بغياب دروس تطبيقية، حيث صرحت الغالبية العظمى من الخريجين أن الدروس تتناول في الغالب الجانب النظري دون الإشارة إلى أمثلة ملموسة مستمدة من البيئة الوطنية أو الإقليمية أو الدولية ومتصلة بالمواد الملقنة والمواضيع المدرسة.

وتعنى المشكلة الثالثة بعدم ملاءمة التكوين مع احتياجات سوق الشغل، والتي تتسبب في تفاقم البطالة في صفوف الخريجين وتنعكس سلبا على ولوجهم للوظائف، فيما تتصل المشكلة الرابعة بإتقان اللغات، إذ أقر عدد كبير من الخريجين باستمرار أوجه القصور ذات الصلة بهذا الموضوع في الجامعات العمومية المغربية.

وتقترن المشكلة الخامسة بالأنشطة الجامعية الموازية، التي تعد عاملا أساسيا للتنمية الشخصية للطلبة وتعزيز انفتاحهم وتعلم قيم المواطنة والعيش المشترك، وفي بعض الحالات الارتقاء الاجتماعي، وتتجلى المشكلة السادسة في غياب الشراكات مع الجامعات الأجنبية والفاعلين في الميدان الاقتصادي والاجتماعي على الصعيد الوطني، وتتمثل المشكلة السابعة في العدد المحدود للمقاعد المخصصة لسلك الماستر بالنظر إلى العدد الكبير من المجازين المرشحين لاجتياز الاختبارات، وتتعلق المشكلة الثامنة باكتظاظ القاعات الدراسية والمدرجات، الذي ينعكس سلبا على تجربة التعلم، وما يترتب عليه من تداعيات على الأداء العام للمنظومة الوطنية للتدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية برمتها.

 

  • انطلاقا من كل هذا، ما التغييرات الرئيسية الواجب إدراجها في تدريس العلوم الاقتصادية؟

قدم الخريجون المستطلعة آراؤهم عدة مقترحات تروم تثمين تدريس العلوم الاقتصادية في الجامعات العمومية المغربية. وتقوم على توفير الشروط الكفيلة بإرساء دعائم منظومة شاملة ومنسجمة للتعليم العالي، وتستند إلى التدبير القبلي للمشكلات المتراكمة لقطاع التعليم في الأسلاك الابتدائية والإعدادية والثانوية، خاصة تعلم اللغات. وارتكزت الأجوبة على ستة محاور هامة.

يهم المحور الأول تثمين مكانة الجامعة كقطب للتنمية وطنيا وقاريا ودوليا.

ويتعلق المحور الثاني بنظام التوجيه، حيث يُنتظر منه إمداد الطلبة بكافة المعلومات لتمكينهم من الإلمام بمسارات التكوين القائمة وأهدافها وخصوصياتها، والتنبؤ بتطور المهن ومواكبة متطلبات سوق الشغل. ويقتضي توضيح جميع هذه العناصر الخاصة بكل مجال من مجالات التكوين تحديد غايات البرنامج الدراسي وروافده المحتملة والفرص المرتبطة بالتكوين، بغية ملاءمة المواد الملقنة مع تطلعات الطلبة ومتطلبات اندماجهم المهني.

ويتصل المحور الثالث بتأطير الطلبة لتقوية القدرات المهنية والبيداغوجية للأساتذة وضمان هندسة مثلى للتكوين واعتماد مقاربة بيداغوجية، معززة بالتطورات الجديدة للأدوات الرقمية.

ويعنى المحور الرابع بمنح الأولوية للجانب التطبيقي في الدروس المقدمة. في هذا الصدد، يتعين على الجامعات إعادة التفكير في منهجية التدريس، وتوسيع شبكة الشراكة مع الباحثين في الاقتصاد والمجالات الترابية قصد مضاعفة فرص استفادة الطلبة من الزيارات الميدانية والتداريب العملية وعروض الشغل.

ويقترن المحور الخامس بتكييف الجامعة المتواصل لسياقها الاقتصادي والاجتماعي عبر إضافة وحدات تكوينية تتقاطع مع احتياجات الاقتصاد الوطني والعالمي. في هذا الصدد، يقترح الخريجون تشكيل لجنة علمية تتولى إرساء الوسائط البيداغوجية الواجب احترامها على الصعيد الوطني. ويجب أن تكون مطابقة للمعايير الدولية. ومن المهم كذلك تشجيع تبادل الطلبة على المستوى العالمي وإيلاء أهمية أكبر لاقتصاد المجالات الترابية.

ويرتبط المحور السادس بتعزيز تدريس اللغات الأجنبية، وتقوية التعلمات باللغة الإنجليزية في المواد الملقنة، والرقي بالمهارات السلوكية والتحكم في الأدوات المعلوماتية، خاصة البرمجيات.

ويُستشف من تحليل مقترحات الخريجين حسب العمر ونوع الشهادة أن المجازين الأصغر سنا يشددون على التكوين الضامن للتوازن بين الجانب النظري والتطبيقي، والنهوض بالمهارات السلوكية للطلبة. بالمقابل، يوصي الأكبر سنا بفتح باب التخصص في وجه الطلبة عند الانتقال إلى السنة الثانية، قصد إمدادهم برؤية بشأن مسارهم الجامعي وتسهيل بالتالي اندماجهم المهني.

 

  • ماذا عن التغييرات الرئيسية الواجب إدراجها في مجال الأبحاث في العلوم الاقتصادية؟

من أجل إغناء وإثراء الأبحاث في العلوم الاقتصادية في الجامعات العمومية المغربية، يمكن الاستناد على أربعة محاور، يتعلق أولها ببلورة استراتيجية بحثية وطنية حقيقية ومحكمة بإتقان، من خلال ترسيخ ثقافة البحث العلمي والابتكار وروحه في ذهن الطلبة في مرحلة مبكرة، وتوطيد استعمال اللغة الإنجليزية كأداة بحثية، وأيضا تطوير التخصص الجامعي حسب المجالات البحثية، ثم تعزيز فعالية تأطير الأبحاث الجامعية، وتوجيه سلك الدكتوراه اعتمادا على سياسة للبحث العلمي، تستجيب لاحتياجات الاقتصاد والمجتمع المغربيين، مع إعادة تنظيم سلك الدكتوراه لضمان فعالية البرامج البحثية وتقوية جاذبيتها على نحو أمثل، وإعادة تأطير التكوينات الإلزامية في سلك الدكتوراه لتحسين الأداء، وتعبئة التأطير والموارد لتأصيل جودة الأبحاث في سلك الدكتوراه، وإحداث مراكز أبحاث ومختبرات ونواد وجمعيات للباحثين، مع التقييم المستمر للمشرفين على الأطروحات في مجال تأطير طلبة الدكتوراه.

بالإضافة إلى عنصر مهم يتمثل في تقوية الأبحاث من خلال وضع قواعد معطيات رقمية والمعلومات الضرورية تحت تصرف الطلبة والباحثين لمساعدتهم على إنجاز أبحاثهم، وتشجيع طلبة الدكتوراه والأساتذة على نشر مزيد من المقالات العلمية في المجلات المفهرسة، وتتويج أعمال البحث والابتكار ومنح جوائز لأصحابها، ومضاعفة المنح المخصصة للأبحاث في جميع الأسلاك (الإجازة والماستر والدكتوراه وما بعد الدكتوراه)، وتوسيع نطاق الولوج إلى مصادر المعطيات والمراجع، وإحداث فضاءات ثقافية مشتركة لفائدة الطلبة (مكتبات وأرضية للعمل الجماعي)، زيادة على تكييف مراكز الأبحاث والمختبرات مع التكنولوجيات الجديدة واستراتيجيات التسويق والتواصل.

 

  • وماذا بخصوص تمويل مشاريع البحث العلمي؟

لقد تضمنت الاقتراحات توفير الدعم المالي للطلبة الباحثين، ومضاعفة التمويل الموجه للبحث العلمي، بالإضافة إلى تنويع مصادر التمويل عبر إحداث شراكات مع المقاولات والمنظمات غير الحكومية والجامعات الخاصة، ورصد وزارة التعليم العالي ميزانية كبيرة للجامعات ومختبرات الأبحاث تُوجه للمؤطرين والطلبة قصد تمكينهم من الاضطلاع الأمثل بمهامهم البحثية في أفضل الظروف، ثم إرساء إطار ملائم يشجع تمويل الأبحاث من لدن الجهات المانحة في القطاعين العام والخاص، زيادة على عدد من المقترحات بخصوص دمقرطة الولوج إلى المعلومات العلمية والاقتصادية والمالية.

وعموما، وعلى ضوء ما سبق، يتضح أن الأطراف الفاعلة المباشرة في المنظومة الوطنية للتدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية تتقاسم رؤية واضحة ووثيقة الصلة واستشرافية للجوانب الظاهرة والخفية لهذه الإشكالية الحاسمة، من أجل إنتاج وإعادة إنتاج أجيال جديدة من الباحثين الاقتصاديين المشهود لهم بالتميز.

ويوفر تقييم المعطيات ذات الصلة بجميع مكونات هذه المنظومة وإبراز تطوراتها على المدى البعيد، فضلا عن استقراء نتائج البحث، تشخيصا راسخا يساعد على كشف جذور الأعطاب الرئيسية والعميقة، وتوفير سبل التجويد والابتكار قصد رفع التحديات الرئيسية التي تواجهها منظومة التدريس والبحث بسائر أرجاء التراب الوطني.

 

  • ما الأعطاب العميقة وتحدياتها الرئيسية التي تمنع الجامعات العمومية المغربية من الاضطلاع بمهامها في إنتاج نخب علمية وتكوين الكفاءات وتحفيز دينامية الابتكار؟

يمكن إجمالها في أعطاب المنظومة الوطنية للتدريس والبحث برمتها، والتي تتجسد في موارد بشرية غير مؤهلة تأهيلا كافيا، ثم حكامة غير ملائمة، وسيادة عقلانية الحاجة عوض حب المهنة، وأزمة القيم بالمدرسة والجامعة.

أما التحديات الرئيسية فتتمثل في أزمة عميقة في إنتاج وإعادة إنتاج باحثين اقتصاديين مميزين، زيادة على الطبيعة المفككة للتدريس والبحث في العلوم الاقتصادية، ووجود باحثين «معزولين» وأبحاث غير ملتصقة بالواقع الاقتصادي والمجتمعي والترابي، والضعف الشديد للتمويل الموجه للبحث العلمي وتمويل هام مخصص للتعليم دون أن ينتج مردودية، وغياب منظومة وطنية شاملة ومندمجة للإعلام ومعززة بقيادة مؤسساتية موحدة.

 

  • ما سبل الارتقاء بالمنظومة؟

هذه السبل تتمثل إيجازا في ضرورة بلورة برامج قارة لتأهيل وإعادة تأهيل الأساتذة مع تعبئتهم وتحفيزهم، وإعادة التفكير في المهام المسندة للمدرسة والجامعة المغربية، تماشيا مع واقع وأوراش وتحديات مغرب القرن الواحد والعشرين، وإعادة النظر في المقاربة المعتمدة لتشجيع البحث العلمي، وتعزيز إشراك الباحثين الاقتصاديين في إعداد السياسات والبرامج، وترسيخ ثقافة توطين التدريس والبحث في المجالات الترابية، ومنح الطلبة دورا أكبر، مع تحسين ظروف اشتغالهم وعيشهم، وتغيير نمط الحكامة تغييرا جذريا.

 

 

الكراوي في أسطر

– تخرج إدريس الكراوي من جامعة لوميير ليون 2 بفرنسا، حيث حصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية سنة 1982.

– وعمل الكراوي، المزداد في 12 دجنبر 1952 بالقنيطرة، أستاذا للتعليم العالي، خاصة بجامعة محمد الخامس بالرباط وأستاذا ضيفا لدى العديد من الجامعات الأجنبية.
– يرأس حاليا الجامعة المفتوحة بالداخلة.

– شغل منصب رئيس مجلس المنافسة.

–  شغل، أيضا، منصب الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي منذ أن عينه الملك في هذا المنصب سنة 2011.
– وشغل قبل ذلك منصب مستشار للوزير الأول بين سنتي 1998 و2011.
– ويعد عضوا نشيطا في عدد من الهيئات الجمعوية الأكاديمية وراكم رصيدا هاما من الإصدارات في المجال الاقتصادي والاجتماعي. وتم انتخابه سنة 2017 عضوا في أكاديمية العلوم بالبرتغال.

انتخب، كذلك، رئيسا لمنتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى