إدريس أوعويشة، الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، شخصية عمومية جاءت من فضاء البحث العلمي الأكاديمي والتدريس الجامعي، لتشغل منصب مسؤولية حكومية بالغة الأهمية، نظرا للأزمة التي تعاني منها الجامعة المغربية، وفي ظل الجدل الذي رافق إخراج القانون الإطار المتعلق بإصلاح التعليم، وتدريس اللغات الأجنبية، وكان قدر أوعويشة أن يعين في هذا المنصب بعد مسار مهني أكاديمي حافل وإدارته لجامعة مرموقة ذات صيت عالمي، وهي جامعة الأخوين بإفران، فهو خريج مدرسة الأدب الإنجليزي واللسانيات في علاقاتها بالمجتمع، لذلك فهو يشتغل كثيرا بصمت وهدوء، ربما لكونه لا ينتمي لأي حزب سياسي لكنه ليس تقنوقراطيا بالمعنى القدحي للكلمة أو مجرد وزير تقني، بل من خلال اللقاء معه يتبين أن الرجل يملك كاريزما سياسية وفهما حقيقيا للواقع المغربي، لأنه في نهاية المطاف السياسة ليست بالضرورة هي الحزبية وإنما هي فن وعلم إدارة الدولة والتجاذبات وفق قواعد وميزان قوى محدد.
في هذا الحوار الذي أجرته معه «الأخبار»، يكشف الوزير أسباب أزمة الجامعة المغربية والحلول المقترحة لتجاوزها، وكذلك العديد من المستجدات المرتبطة بتنزيل نظام الباكالوريوس وتدريس اللغات الأجنبية، وتحسين الوضعية المادية والمعنوية للأساتذة الباحثين.
حاوره: محمد اليوبي
● أولا، السيد الوزير، منذ تعيينك وزيرا مكلفا بالتعليم العالي والبحث العلمي، وأنت القادم من تسيير جامعة مرموقة ذات صيت عالمي، نريد أن نعرف بصمتك الخاصة بهذا القطاع..
في واقع الأمر، وبعد تعييني من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على رأس قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وجدت نفسي محاطاً بأطقم إدارية كفأة ومجندة لرفع تحديات إصلاح منظومة التربية والتكوين وبتوجيه وتأطير من السيد الوزير الأستاذ سعيد أمزازي، الذي هو متشبع بفكر إصلاحي غير بعيد عن النموذج الأنكلوسكسوني الذي عهدته بجامعة الأخوين.
إن إصلاح منظومة الأسلاك الأولى ينبني على هندسة بيداغوجية متجددة أساسها تطوير الكفايات الحياتية للطالب وتعزيز قدراته الشخصية، وذلك من أجل مده بالآليات والأدوات الكفيلة بتيسير إدماجه في الحياة المهنية.
وبالموازاة مع ورش الإصلاح البيداغوجي، تبنت الوزارة مقاربة جديدة مبنية على الشراكة المؤسساتية على المستوى الوطني والدولي لتعزيز البحث العلمي في الميادين ذات الأولوية، وأخذا بعين الاعتبار الظرفية الراهنة. وفي هذا الصدد، على سبيل المثال لا للحصر، تم إطلاق طلب عروض لتمويل البحث حول وباء كورونا قيمته الإجمالية 20 مليون درهم، مكنت من تمويل 141 مشروعاً من أصل 401 مقترح توصلت به لجان التقييم العلمية. كما تم، لنفس الغرض، رصد 170 مليون درهم بشراكة مع مؤسسات المكتب الشريف للفوسفاطـ، إضافة إلى المساهمة ب 3 ملايين أورو في مبادرة الاستجابة العالمية لفيروس كورونا عقب دعوة الاشتراكات التي أطلقتها المفوضية الأوروبية.
ومواكبة للتدابير التي تم تبنيها، تعمل الوزارة على إرساء ثقافة التقييم على المستوى الأكاديمي والعلمي عبر ترسيخ أسس وضوابط الحكامة الجيدة.
● تحدثت عن التقييم والتقويم، كانت عدة مشاريع إصلاحية سابقة، لكن دائما هناك حديث عن الأزمة، الآن لدينا القانون الإطار، كيف تنزلون هذا القانون؟
إن الدولة انخرطت خلال العقدين الأخيرين في مسلسل مستمر لإصلاح منظومة التربية والتكوين، منها ما أخذ طابعا هيكليا على شكل مواثيق وقوانين، ومنها ما أخذ طابعا عمليا حتى يتسنى للجامعة المغربية مسايرة التغيرات الكبرى والمتسارعة التي يعرفها العالم من حولنا.
اليوم، لدينا القانون 51.17 الذي يعتبر الإطار المرجعي الملزم الذي سيعتد به خلال السنوات المقبلة، والذي انبثقت مفاهيمه وتدابيره من الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، بناءً على توجه متبصر لصاحب الجلالة للرفع من مردودية وجودة التعليم، مدركاً وواعياً بالدور المحوري للتعليم في نهضة الشعوب وتنميتها.
كل المتدخلين داخل القطاع مجندون حاليا للتنزيل الأنجع لمضامين القانون الإطار، حيث نصبو إلى البدء بإخراج القوانين والمراسيم ذات الصلة اعتباراً من شهر يناير المقبل، وفق مقاربة مبنية على ملاءمة القانون 01.00 المنظم للتعليم العالي ومقتضيات القانون الإطار 51.17.
● في القانون الإطار كان هناك جدل حول اعتماد اللغات الأجنبية في التدريس، كيف سيتم تنزيل هذا المقتضى في ظل معارضة بعض القوى؟
ما يميز المغرب عن سواه هو التعدد في إطار هوية مشتركة تنصهر فيها كل مكوناته المجتمعية. اعتماد اللغات الأجنبية في تدريس المواد العلمية على وجه الخصوص لا يعني قطعا التخلي عن هويتنا وإنما الانفتاح على ثقافات وتجارب أخرى ستساهم حتماً في تكوين شخصية الطالب وتعزيز تنافسية منظومتنا جهوياً وإقليمياً.
نعيش اليوم في عالم أكاديمي وعلمي معولم يقيم ويرتب ويفهرس الجامعات حسب الأبحاث والإصدارات والمخرجات التي جاء بها الأساتذة والباحثون وبنياتها البحثية وبلغة مقروءة ومفهومة كونياً. كل هذه المفاهيم تأتينا بنسبة تكاد تصل إلى المطلق باللغة الإنجليزية، لذا، صار لزاما علينا أن ننخرط في إطار هذه العولمة والدينامية من أجل تعزيز إشعاع بلدنا وجامعاتنا وباحثينا.
● هل تفكرون في تعميم تعلم الإنجليزية على الأساتذة والطلبة؟
كما تعرفون، فإن المادة الثانية من القانون الإطار تنص على أن التناوب اللغوي يعتبر مقاربة بيداغوجية وخيارا بيداغوجيا متدرجا يستثمر في التعليم متعدد اللغات بهدف تنويع لغات التدريس إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة وذلك بتدريس بعض المواد ولاسيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين والمجزوءات في بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية.
وعلى هذا الأساس، فإن الطالب ستكون له الحرية في اختيار لغة تدريس تلك المواد. وفي أفق بلوغ هذا الهدف، نعمل على عقد شراكات مع عدد من الدول والمؤسسات من أجل تكوين طلبتنا في اللغة الإنجليزية كنموذج، والتي عملنا على إذاعة دروس للتقوية فيها عبر أثير الراديو وعلى شاشة التلفزيون.
● في ما يخص البحث العلمي، هناك دائما ترتيب متأخر للجامعات المغربية، رغم المجهودات المبذولة، أين يكمن الخلل؟
في الواقع، لا أظن أن هذا الترتيب يعتبر خللاً بل وجب وضعه في سياق أوسع. جامعة هارفارد الأمريكية التي تأتي على رأس مختلف التصنيفات على المستوى العالمي، هي جامعة عمرها يقارب 400 سنة، جامعة أوكسفورد عمرها حوالي 800 سنة… باستثناء جامعة القرويين، فالجامعة المغربية العصرية جامعة فتية يعود تاريخ إحداثها إلى خمسينيات القرن الماضي.
هناك إذن التراكم التاريخي الذي يعد أحد المحددات المؤطرة لذلك، أضف إلى هذا، وبشكل خاص، تثمين مخرجات البحث العلمي حيث هناك، وفي غالب الأحيان، في الجامعات الدولية أساتذة متفرغون للبحث فقط ولا يمزجون ذلك مع مهمة التدريس، عكس ما هو مألوف في جامعاتنا.
وعليه، نعمل الآن على إخراج إطار «الباحث» بالنسبة للأساتذة الذين يميلون أكثر إلى البحث.
يعتبر تمويل البحث أحد المحددات الأساسية للرفع من الإشعاع العلمي للجامعة. لذا، وبالنظر إلى النسبة المخصصة لذلك في الناتج الداخلي العام الوطني والتي لا تتعدى بالمغرب 0,8 في المائة، فهو يقارب أو ما يفوق غالبا 2 في المائة في عدد من الدول المعروفة بإنتاجها العلمي. وعليه، فإننا نطمح لبلوغ نسبة 1 في المائة في المستقبل القريب، لنستمر في تعزيز الدعم على المدى المتوسط.
أحد المحددات الأساسية كذلك هو عدد الطلبة الباحثين، حيث لدينا الآن 35000 طالب مسجل بسلك الدكتوراه على ما مجموعه أزيد من مليون طالب جامعي، يعني بالكاد 3 في المائة، زد على ذلك نسبة مناقشة الأطروحات التي، كما هو معروف، تبقى ضعيفة نسبيا إذ لا تتعدى 2500 في السنة. وحتى يتسنى لنا الرفع من جاذبية الدكتوراه والبحث العلمي، تبنت الوزارة عددا من المبادرات من قبيل تخصيص 300 منحة عليا سنويا، في أفق الرفع من عدد المستفيدين منها ومن القيمة المادية المخصصة لذلك. ورغم كل ما يقال أو يشاع بخصوص الإنتاج العلمي بالمغرب، فإنه وجبت الإشارة إلى أن هذا الأخير عرف انتعاشا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، إذ تم تسجيل زيادة قدرها 30 في المائة مابين 2017 و2019 في ما يخص عدد المنشورات العلمية المفهرسة في قاعدة البيانات Scopus على سبيل المثال، والذي ساهم في تحسين تصنيف الجامعة المغربية في مؤشرTimes Higher Education، حيث كانت في سنة 2016 جامعة مغربية واحدة ضمن ال1000 جامعة الأولى في العالم، إلى أن وصل عددها اليوم إلى 5.
● لماذا لا تفكرون في عقد شراكات دولية في البحث العلمي؟
لقد تم إبرام اتفاقيات علمية مع عدد من الشركاء، سواء في إطار التعاون الثنائي مع دول كفرنسا وألمانيا وتونس أو متعدد الأطراف مع الاتحاد الأوروبي مثلا، من أجل إنجاز برامج ومشاريع في الميادين العلمية ذات الاهتمام المشترك.
وفي نفس السياق، نعمل على تشجيع حركية الأساتذة الباحثين المغاربة من أجل تبادل الخبرات مع نظرائهم في الدول الشريكة وعلى تشجيع حركية الطلبة والأطر الإدارية والتقنية في إطار تكوينات وتدريبات قصيرة الأمد، وفقا لمبدأ رابح-رابح.
● في إطار حركيّة الباحثين، ألا تفكرون في استقطاب كفاءات مغربية تشتغل في جامعات دولية، في إطار تعاقد مثلا؟
عدد مهم من الكفاءات العلمية المغربية تسطع على المستوى العالمي وتؤثث أهم مراكز البحوث والمختبرات على الصعيد الدولي وهذا يعد حقا مفخرة لنا جميعاً كمغاربة. ففي عديد من الدول النامية يعتبر نموذج الاستفادة من هذه الكفاءات عن طريق تنظيم زيارات ودورات تكوينية قصيرة المدى أنجع وسيلة ممكنة، وذلك بفضل الدور المتميز والريادي الذي تلعبه هذه الكفاءات في بلدان الإقامة وبحكم شبكة علاقاتها بالداخل والخارج. نحن الآن، وبتعاون مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بصدد إعداد مشروع يروم إرساء آلية دائمة لتعبئة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج خدمة للتنمية الوطنية.
● على ذكر الأساتذة، ألا تفكرون في تحسين وضعية الأساتذة من الناحية المادية والمعنوية؟
نحن بصدد الحوار مع ممثلي الأساتذة، وهناك صيغة لإعادة النظر في النظام الأساسي للتوافق حول صيغة. ننطلق من مبدأ أن للأستاذ دورا حيويا وأساسيا في عمل الجامعة، سواء في التكوين والتدريس أو في البحث العلمي. واليوم هناك التدريس عن بعد باستعمال التكنولوجيا كمكمل للتعليم الحضوري، إذ لا أحد يستطيع أن يعوض دور الأستاذ، لأن هذا الأخير يمكنه بنصيحة واحدة أن يؤثر على الطالب ويغير مساره، لذلك لدينا اهتمام كبير بالأساتذة ودورهم في العملية الجامعية، ونفكر دائما في تحسين ظروف عملهم لأننا واعون بأهمية الأستاذ في الوسط الجامعي وفي تحقيق رسالة الجامعة.
● لأول مرة تم تخفيض معدل القبول بكليات الطب، لماذا؟
توصلنا بالعديد من الطلبات والشكايات حول ضرب حظوظ بعض التلاميذ الذين يأتون بسبب اختلافات في مستويات التنقيط بين المدارس. هذه السنة تم منح فرصة لجميع من حصل على ميزة لاجتياز المباراة، في إطار تكافؤ الفرص. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 60 طالبا حاصلين على معدلات تتراوح ما بين 12 و14 فازوا في المباراة من أصل 2290 طالبا تم قبولهم بكليات الطب.
● هل تفكرون في تعميم هذه التجربة على باقي المؤسسات والمعاهد العليا ذات الاستقطاب المحدود؟
إننا نقوم بتقييم عام لهذه التجربة لنستخلص منها دروسا للمستقبل. أما بالنسبة لمؤسسات التعليم العالي الأخرى ذات الاستقطاب المحدود، كمدارس المهندسين مثلا، فقد تم تقديم طلب ترشيحات للطلبة المقبلين عليها وبناء على معدلاتهم في الامتحانين الوطني والجهوي، تم ترتيبهم قبل انتقاء ذوي المراتب الأولى عبر منصة «توجيهي». وتمت مراسلة كل المترشحين بإخبارهم بترتيبهم في لوائح الانتظار لكي يتمكنوا من تتبع تحيين لوائح الناجحين وانعكاس ذلك على مسار ترشيحهم.
● هناك مشكل الرقمنة بالجامعات، حيث إنها تتطلب ثورة حقيقية، هل تشتغلون على هذا المشروع؟
نعم، نحن نتقدم بإرادة قوية للوصول إلى الهدف المحدد، لقد خصص غلاف مالي للجامعات بمبلغ 10 ملايين درهم لدعم مشاريع الرقمنة، فالعديد من الخدمات أصبحت مرقمنة كالتعليم عن بعد ومعادلة الشهادات الجامعية ومنح الدراسة بالخارج ونحن بصدد إطلاق مشاريع أخرى.
فمستقبل التدريس بالجامعة هو الجمع بين الحضوري والتعليم عن بعد، لقد أصبح من الضروري الانخراط في الرقمنة، فهي جزء من مستقبل التعليم والبحث العلمي.
من التحديات المتعلقة بالرقمنة تكافؤ الفرص عبر مد الطلبة والأساتذة بخدمة الأنترنيت، وذلك بتعاون مع الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لتوفير الأنترنيت للجميع ولتوفير تغطية الأنترنيت لكل الجامعات لولوج المنصات الرقمية والمكتبات الرقمية. وكذلك نحن بصدد دراسة مختلف الوسائل لتسهيل تتبع الدروس عن بعد.
كما كانت هناك مبادرات تضامنية من طرف بعض الأشخاص، كالسيد هشام رحيل، طالب سابق بجامعة مولاي اسماعيل، الذي ساهم بعدد من اللوحات الإلكترونية بجامعة مكناس، وتم توزيعها على الطلبة بالمؤسسات التابعة لها، شجعت هذه المبادرة مسؤولين وأشخاصا آخرين على التبرع بلوحات إلكترونية لفائدة الطلبة وهي مبادرات محمودة تخدم قيم البحث وترسخ ثقافة التضامن والاعتراف بما تقدمه الجامعة من تكوين لطلبتها.
● تعاني الجامعة المغربية من الاكتظاظ، فهناك جامعات يتابع الدراسة بها أزيد من 60 ألف طالب، هل ستساهم الرقمنة في حل مشكل الاكتظاظ؟
في بعض الجامعات هناك أزيد من 120 ألف طالب كجامعة ابن زهر بأكادير وجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، مما يؤدي إلى الهدر الجامعي، حيث إنه تقريبا نصف عدد الطلبة يسجلون في الجامعة ويحصلون على الإجازة، خاصة في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح. حوالي 17 في المائة منهم يغادرون الدراسة في السنة الأولى، و13 في المائة فقط يحصلون على الإجازة في ظرف ثلاث سنوات و48 في المائة يحصلون على الإجازة في ظرف خمس أو ست سنوات. من المؤسف أن نجد مجهودات الدولة والأساتذة والطلبة لا تحقق النتائج المتوخاة؛ وقد تساهم الرقمنة في تقليص هذا الهدر والرفع من مردودية التعليم والتعلم بالجامعة.
● لماذا هناك إقبال على الجامعة المغربية رغم ما يقال من كونها تعيش أزمة؟
الشهادة الجامعية لها قيمتها الاعتبارية، فبعد التخرج يشعر الطالب بحصوله على قيمة اجتماعية وبمشروعية المطالبة بحقه في الشغل. ولهذا، فالإقبال على الجامعة يكون برغبة الحصول على الشهادة أولا ثم العمل ثانيا.
نحن نشتغل على تنويع العرض الجامعي، بما في ذلك فتح تكوينات مهننة بالشراكة مع المقاولة والمؤسسات الراغبة في أطر جامعية لبناء مستقبلها.
كما أن التوجيه سيساعد الطلبة في اختياراتهم قصد إدماج أفضل بسوق الشغل، وهذا يتطلب مجهودا لخلق عملية توجيهية فيها حوار مع المعني بالأمر والمؤسسة.
● كم عدد الطلبة الذين يتابعون دراساتهم بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود؟
حاليا، عدد الطلبة بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود هو حوالي 13 في المائة من إجمالي الطلبة. ونحن الآن بصدد رفع نسبة استيعابها مستقبلا للاستجابة إلى حاجيات المجتمع المتزايدة.
● أخيرا، تم إطلاق تجربة المراكز الجامعية المتخصصة ببعض الأقاليم، ما تقييمكم لهذه التجربة، ومدى تأثيرها على جودة التكوين؟
تمت مناقشة إحداث مؤسسات جامعية ببعض الأقاليم للضغط الكبير الذي تشهده الجامعات في بداية كل عام دراسي لصعوبة استقبال الطلبة الجدد القادمين من مختلف أنحاء المغرب، كطلبة تارودانت الذين يسجلون بجامعة ابن زهر، وهؤلاء الطلبة لا يلتحقون بالجامعة إلا بعد حصولهم على المنحة والحي الجامعي ؛ مع العلم أن هذه الأحياء لا تتسع سوى ل 53 ألف طالب من أصل مليون طالب مما يصعب تلبية حاجيات هؤلاء الطلبة الشيء الذي يؤدي للهدر الجامعي.
لهذا قمنا بخلق مؤسسات جامعية ببعض الأقاليم تابعة للجامعات الأم ونحن بصدد الاشتغال على موضوع توفير نواة جامعية بكل إقليم ونريد كذلك خلق جامعة بكل جهة، بما فيها كلية الطب.
● قلت ستفتحون جامعة بكل جهة، هل تبشرون سكان الأقاليم الجنوبية بفتح جامعات بالجهات الثلاث؟
نحن بصدد مناقشة خلق جامعة بالأقاليم الجنوبية عندما تكتمل الشروط، فهناك مؤسسات جامعية بأقاليم العيون والداخلة والسمارة.
ويبقى التحدي الكبير هو ضمان الجودة وتوفير التكوين الأساسي في نظام البكالوريوس بتقريبه للطالب، ثم استكمال التخصص بالجامعة الأم لضمان تكافؤ الفرص وتقليص نسبة الهدر الجامعي.
● على ذكر نظام الباكالوريوس، كان من المقرر الشروع في تنزيله في هذه السنة، وكانت هناك انتقادات من طرف الأساتذة، فمتى سيتم تنزيل هذا الإصلاح؟
مشروع نظام البكالوريوس مازال قائما، فجائحة كورونا فرضت علينا تعليق الدروس الحضورية وتقليص اللقاءات والتركيز على ضمان الاستمرارية البيداغوجية. ولضمان نجاحه نحن بصدد تحضير شروطه. جل المواقف لا تعارض روح هذا النظام، بل تبحث عن شروط إنجاحه. هدفنا من تطبيقه هو تحسين المردودية وتقليص نسبة الهدر وذلك بتنسيق مع الأساتذة والمسؤولين الجامعيين لنجاح هذا الإصلاح.
نريد أن نمنح لخريجي الجامعة كل الإمكانيات الممكنة لمواجهة تحديات ما بعد الجامعة، وكيفية التعامل مع الأوضاع، وجعلها لصالحهم من خلال تطوير المهارات المهنية والكفاءات الذاتية للطالب كتنمية قدراته على التواصل والعمل الجماعي والتفكير النقدي والتعامل مع المشغل أو مع الزملاء.
كثير من التساؤلات تمحورت حول نقطتين رئيسيتين : النقطة الأولى، وهي التحضير لضمان نجاح هذا النظام، وهو ما تشتغل عليه الوزارة حاليا، والنقطة الثانية، أن هذا النظام سيغير طريقة عمل الأساتذة مما سيتطلب مجهودا كبيرا إضافيا، فكيف ستعترف الوزارة بهذا المجهود؟ نحن في صدد دراسة هذه النقطة كذلك.
● متى سيتم تنزيل هذا النظام تقريبا؟
في ظرف هذه الجائحة، نحن في انتظار النتائج التي ستسفر عنها حملة التلقيح، التي ستنطلق قريبا، فبمجرد استقرار الوضعية الوبائية بالبلاد سنستأنف التحضير والنقاش حول أفضل السبل لاستكمال الشروط والتنزيل.
● بعد تجربة الإجازة في ثلاث سنوات بعدما كانت في أربع سنوات في النظام القديم، الآن هناك التحضير للعودة للدراسة في أربع سنوات، ما هي أهم مستجدات نظام الباكالوريوس؟
سنعتمد الآن مقاربة مختلفة في النظام الجديد، من أهم مزاياه السنة الأساسية التي تهدف إلى تعميق مهارات وكفاءات الطالب وانفتاحه على العالم الخارجي بتنمية قدراته اللغوية والثقافية وكذا تشجيع الحركية داخل وخارج أرض الوطن لترسيخ مهاراته الاجتماعية ومساهمته في تطوير البحث العلمي. فهذه العملية محورها هو الطالب، وهذه المهارات ستساعده على النجاح بمساره الدراسي والحياتي.
● أخيرا، أصدرت قرارات للاعتراف بالمؤسسات الجامعية الخاصة، وهذا الموضوع أثار الكثير من النقاشات في الحكومة السابقة، فهناك من يعتبرها تشجيعا على خوصصة التعليم العالي؟
الوزارة تشرف على هذه المؤسسات وعلى تسجيل الطلبة فيها. هناك حوالي 55 ألف طالب يتابعون دراستهم بالمؤسسات الجامعية الخاصة أي حوالي 5 في المائة من مجموع الطلبة الجامعيين، التعليم العالي الخاص هو شريك للمنظومة وليس منافسا لها. وفي نفس الوقت تجدر الإشارة إلى أنه يدرس بالجامعات الأجنبية خارج الوطن؛ هذه السنة، أزيد من 70 ألف طالب مغربي.
فهم يؤدون مبالغ تفوق بكثير ما يؤديه الطلبة المسجلون بالمغرب بالعملة الصعبة. إضافة إلى ذلك فإن عددا كبيرا منهم بعد أن يستفيدوا من الدراسة مجانا بالمغرب، يستكملون دراساتهم العليا بالخارج ولا يعودون إلى أرض الوطن، وهي خسارة للطاقات الشابة، لهذا نريد تشجيع الطلبة للدراسة في المغرب مع ضمان جودة التكوين وتشجيع التبادل الطلابي مع الجامعات الأجنبية. فنحن نشجع التعليم الخاص كشريك، بشرط ضمان الجودة.
كما أن هناك طلبات من جامعات أجنبية لتفتتح فروعها في المغرب بمقاييس محددة. ضمان جودة التكوين والمساهمة في المسؤولية الاجتماعية كتقديم المنح وتوفير السكن الجامعي وتوفير بعض المقاعد المجانية للطلبة.
● تحدثت عن هجرة الكفاءات، لكن هناك فئات من الطلبة يحصلون على شواهد عليا بالخارج، ويرغبون بالعودة إلى المغرب فيصطدمون بعراقيل داخل الوزارة للحصول على معادلة الشواهد، وهناك من ينتظر أربع سنوات أو أكثر..
نحن في طور تحسين وتيرة معادلة الشواهد، باستخدام التكنولوجيا الحديثة وتغيير طريقة التعامل معها لتشجيع الكفاءات المغربية للعودة إلى المغرب وذلك في احترام تام لمنظومتنا التعليمية والمعايير المعمول بها.
فالملفات تدرس من طرف لجنة متخصصة تضم أساتذة جامعيين متخصصين في الميدان، وفي حالة اختلاف ترفع الملفات إلى اللجنة العليا.
أما بالنسبة للحالات التي تستغرق مدة أربع سنوات فهي حالات جد نادرة تتطلب مسطرة شبيهة بالمساطر القضائية تستوجب المرور من الابتدائية والاستئناف والنقض فيها، وكثيرا ما تتطلب دراسة ورأيا من هيئات أخرى غير تابعة للوزارة. وسوف نعمل على تقليص هذه الحالات الاستثنائية إلى أبعد حد.
في السابق كان يتم رفض معادلة بعض من الشهادات الأجنبية على أساس عمق اختلاف مساراتها عن منظوماتنا. وفي السنين الأخيرة تغيرت المقاربة ويتم اقتراح ما ينقص للوصول إلى معادلة شهادة من شواهدنا. وعلى سبيل المثال تتم اليوم التوصية بتداريب ميدانية في الطب حتى تتم الاستجابة لشروط الشهادة المغربية. ويساهم أساتذة الكليات في عملية التأطير قصد تحقيق هذا الهدف وبالتالي تحسين نسبة التأطير الطبي ببلادنا.