شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

إخلاف موعد مع القطار

 

 

يونس جنوحي

 

كم مضى حتى الآن على إطلاق برامج محو الأمية في المغرب؟

أولى الحملات بدأت مع استقلال المغرب مباشرة، بالتزامن مع تشييد المدارس. أي أن حملات محاربة الأمية بدأت مع تأسيس وزارة التعليم. ورغم ذلك فإن الأرقام الصادرة أخيرا تكشف أن عدد الأميين في المغرب يتعدى حتى الآن عشرة ملايين مواطن.

وهذا دون احتساب المنقطعين عن الدراسة في المدن والقرى، والأرقام التي سبق لوزارة التعليم أن كشفت عنها، والتي تبقى مُحرجة جدا. هذه الأرقام تقول إن نسبا مهمة من المنقطعين عن الدراسة في المستوى الابتدائي، يعانون من صعوبات كبيرة في القراءة والكتابة، وهذا يعني أنهم يدخلون أيضا في نطاق الأمية.

لكن بالمقابل، هناك قصص تبعث على الأمل، لنساء مغربيات في مناطق قروية لا يتوفر فيها حتى الماء الصالح للشرب، لكن نساءها خُضن حربا ضروسا ضد الأمية، واستطعن في مدة قصيرة إحراز الشهادة الابتدائية في برنامج محو الأمية، ومنهن من واصلن التعليم وأسسن الجمعيات.

أغلب المترددات على برنامج محو الأمية، تجاوزن الخمسين، واستطعن، رغم تقدمهن في السن والمسؤوليات الأسرية الملقاة على عاتقهن في العالم القروي، الالتزام بحضور الحصص إلى أن اجتزن الامتحانات النهائية بنجاح.

عندما تم الإعلان لأول مرة سنة 1955 عن إطلاق برنامج محو الأمية بإشراف مباشر من الملك الراحل محمد الخامس، تضايق المحافظون كثيرا واعتبروا أن تردد النساء، ومنهن أمهات وجدات، على حصص محو الأمية، من شأنه أن يؤثر على واجباتهن المنزلية. وهؤلاء كانوا أيضا ضد تمدرس الفتيات واعتبروا أن مكان البنات محصور في المطبخ، والاستعداد للزواج.

وأغلب الرافضين وقتها لتعليم البنات، كانوا من الأئمة وبينهم علماء كانوا يحظون بمكانة كبيرة. حتى أن الملك الراحل محمد الخامس واجههم بنفسه، وأعلن أنه أول من يدعم استفادة البنات من التعليم لإيقاف نزيف الأمية الذي ازدادت حدته مع الانفجار الديموغرافي الذي عرفه المغرب خلال الخمسينيات.

لولا برنامج محو الأمية الحالي في المساجد، والذي يقام بانتظام منذ سنوات، لكانت نسبة الأمية في المغرب أشد وطأة. خصوصا وأن البرنامج الذي يحظى برعاية ملكية وتشرف عليه وزارة الأوقاف، ساهم فعلا في تقليص نسب الأمية في المدن والقرى. وتكفي جولة واحدة في مساجد المملكة للوقوف على أعداد المستفيدات، وأغلبهن نساء متقدمات في السن أنهين مهمة تربية الأبناء، وكل واحدة منهن تحمل معها قصة كفاح في الحياة، جعلتها تؤجل التعليم إلى أن تُنهي مهامها الأسرية. منهن الآن من تحفظن أجزاء من القرآن، وتكتبن الرسائل وتقرأن الإعلانات، بعد أن كن غارقات تماما في ظلام الأمية.

في نهاية ستينيات القرن الماضي، كان البنك الدولي قد أطلق برنامجا مهما لمحاربة الأمية، قبل عصر الأنترنت وثورة الاتصالات. وكان هذا البرنامج يقوم على بث برامج لمحو الأمية، على شاشة التلفزيون وأمواج الراديو. وهكذا سوف يستفيد كل سكان المغرب من برنامج لمحو الأمية، سواء في المدن أو القرى المعزولة. إذ أن برنامج البنك الدولي كان يقوم على توزيع أجهزة التلفزيون والراديو بطريقة مدروسة لضمان أوسع انتشار للبث، اعتمادا على اللاقطات الهوائية التي كان مُبرمجا أن تُثبت في قمم الجبال للوصول إلى المناطق المعزولة.

تطوع عندنا في المغرب مسؤول في التلفزيون اسمه حرازم غالي، وهو أحد أوائل مهندسي التلفزة في المغرب، وأنجز ملفا متكاملا لكي يستفيد المغرب من مبادرة البنك الدولي، لكن المشروع كله أقبر في الرباط، شأنه شأن مشاريع كثيرة كان من شأنها أن تختصر سنوات طويلة على المغرب، لكن بعض المسؤولين غالبا ما يكون لهم رأي آخر. وهكذا أخلفنا الموعد مع القطار، ببساطة.

تخيلوا فقط لو أن هذا البرنامج رأى النور قبل أزيد من خمسين عاما. ربما كانت نسبة الأمية أقل بكثير مما هي عليه الآن، وربما كان انتشار قنوات «اليوتوب» التي يصور فيها الناس حياتهم اليومية، أقل انتشارا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى