شوف تشوف

الرأي

أَزْمَتـُ«لُوجْيا»

لا شيء سيمنع الدولة من تنظيم امتحانات الباكلوريا في موعدها، وخصوصا تلك الخاصة بالسنة الثانية. هنا تصبح تهديدات العديد من الفئات التعليمية بمقاطعتها مجرد «صرخات في واد». فالامتحانات ستُنظم بكل شروط تكافؤ الفرص، ولو تطلب الأمر الاستعانة بالجيش. ولن تكون سابقة في تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال أن تستعين الدولة بالجيش لتأمين سير مرفق عمومي.

حددت الوزارة المسؤولة عن قطاعات التربية والتكوين مواعد كل الامتحانات الإشهادية للتعليم المدرسي. عمليا، لا مشكلة في تعديل صيغة الامتحانات في المستويين الابتدائي والإعدادي في اتجاه تعويض الامتحانات الموحدة بالمراقبة المستمرة، لكون هذا الإجراء يتم التفكير فيه جديا في إطار المراجعة المرتقبة لنظام التقويم والامتحانات، كما ينص على ذلك القانون الإطار، لكن تبقى «أم المعضلات» هي امتحانات الباكلوريا.
الوجه الأول لمعضلة الباكلوريا يتمثل في كون هذه الامتحانات هي أكبر من مجرد إجراء يُنهي مسارات دراسية، بقدر ما هي شأن «سيادي» بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وبالتالي فلا شيء سيمنع الدولة من تنظيم امتحانات الباكلوريا في موعدها، وخصوصا تلك الخاصة بالسنة الثانية. هنا تصبح تهديدات العديد من الفئات التعليمية مجرد صرخات في واد سحيق.
الوجه الثاني لهذه المعضلة يتمثل في عدم وجود أية إشارة عن عزم الحكومة، ومن خلالها الوزارة الوصية، على استئناف الحوار مع النقابات، ومن خلالها مع الفئات التعليمية المُحتجة لامتصاص التوتر، وبالتالي ضمان انخراط هذه الفئات التي لا غنى عنها إطلاقا في إنجاح هذه المحطة. فالحكومة من جهة آثرت التعامل مع الملفات المطلبية لموظفي التعليم بالحزبوية الضيقة، وكذلك تفعل النقابات. والدولة تعي جيدا بأن حل هذه الملفات، وللأسباب السابقة، سيكون بمثابة هدية ثمينة لتيارات مختلفة، بعضها اتخذ من ابتزاز الدولة هدفا في حد ذاته. وبالتالي لا أحد في الحكومة ولا في النقابات يرى جدوى في انتهاء التوتر. الأولى من أجل الانتخابات التشريعية والثانية من أجل الانتخابات المهنية، وكلاهما ستُنظمان بعد أشهر قليلة.
هذا يعني بوضوح أن أي حل في ملفات مطلبية، من قبيل ملف أطر الأكاديميات، وكذا حاملي الشهادات والمتصرفين التربويين، قبل الانتخابات التشريعية والمهنية المقبلة أمر شبه مستحيل. فالمؤكد أن الدولة تملك حلولا لهذه الملفات، لكن لا أحد في الدولة وفي فئات عريضة من الشعب يرغب في أن يحتل العثماني وإخوانه المنابر لينسبوا الفضل لأنفسهم زورا، كما تعودوا على ذلك مرارا، عندما لم يمنعهم «الحياء» من نسبة مشاريع ملكية لأنفسهم.
والسؤال الذي نسيه الجميع هو: أين التلاميذ من كل هذا؟
فالمعطيات على الأرض غير مطمئنة إطلاقا، خصوصا في وتيرة إنجاز البرامج الدراسية. إذ في الوقت الذي تحاول العديد من الفئات التعليمية اعتبار احتجاجاتها «دفاعا عن المدرسة العمومية»، نجد أن تلامذة القطاع الخاص، والذين لا تتجاوز نسبتهم 17 في المائة، اقتربوا من إنهاء البرامج الدراسية في حين أن أغلبية تلاميذ المؤسسات العمومية أنهوا دروس الدورة الأولى للتو. مع الإشارة إلى أن تلامذة المدارس العمومية الذين سيجتازون امتحانات الباكلوريا بداية يونيو القادم هم أنفسهم الذين منعتهم ظروفهم من استكمال دروسهم السنة الماضية في السنة الأولى. فأي امتحانات سيجتاز هؤلاء؟
المؤكد هو أن تدخل الجهات السيادية في الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أضحى أمرا وجوديا، لأن الذي يجري الآن عبث حقيقي، ومسرحية سمجة «تلعب» بأقنعة، عنوانها «الدفاع عن المدرسة العمومية» بينما حقيقتها أنانية مُقرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى