أيام في الكاميرون
حسن البصري
حطت الطائرة العسكرية في مطار غاروة، وهي مدينة صغيرة شمال الكاميرون، بعد رحلة دامت حوالي عشر ساعات، ولفظت ما في جوفها من كل مكونات بعثة فريق الرجاء البيضاوي من لاعبين ومؤطرين ومسيرين وثلة من الصحافيين، في أقل من ربع ساعة.
كان رمضان عام 2003 يستعد للمغادرة. الجو حار ونسبة الرطوبة عالية. انتظرنا أزيد من ساعة في بهو فسيح كي يأتي المسؤول عن ختم الجوازات ويسمح لضيوف المدينة بمغادرة المكان، فيما بقي الربان رفقة مساعديه في المطار يبحثون عن مكان لركن الطائرة.
لا تزيد المسافة الزمنية الرابطة بين المطار وفندق سانت هيبير عن عشرين دقيقة، لكنها كانت كافية لتحويل الحافلة الصغيرة إلى ما يشبه الغرفة الثانية من حمام شعبي.
شاءت الأقدار أن تحتفل بعثة الرجاء البيضاوي بليلة القدر في مدينة غاروة الكاميرونية. وضعت إدارة الفندق رهن إشارة المغاربة غرفة فسيحة تحولت إلى مسجد لأداء الشعائر الدينية، فيما انشغل محمد رحيمي الشهير بيوعري، بإعداد لوازم الأمسية حيث كانت رائحة البخور تملأ المكان وأطباق التمر واللوز وكؤوس الحليب تزين الموائد وقنينات المياه تلطف من رطوبة الفضاء.
تناوب اللاعبان رضوان الحيمر وعبد اللطيف جريندو على منصة الخطابة، وناقش الحاضرون إشكالية «إفطار اللاعب»، وتم ربط الاتصال بداعية إسلامي، معتمد من الفيفا، منح اللاعبين تأشيرة شرب الماء في عز يوم تكالبت فيه الحرارة والرطوبة على الفريق.
كان المدرب الفرنسي يراقب الوضع عن بعد وهو ينفث دخان سيجارته الأمريكية، وكانت وصيته الوحيدة للاعبين: «أكثروا من شرب الماء».
حين توجه اللاعبون إلى غرفهم في فندق يضم عشرات «الشاليهات»، وقفت سيارة فارهة أمام البوابة، نزل منها عيسى حياتو الذي جاء لزيارة بعثة الرجاء. في طريقه إلى البهو كان يوعري منشغلا بنفخ الكرات، حاول عيسى مداعبة كرة خارج السرب فاختلت موازينه وكاد أن يسقط، قبل أن يكشف لنا حقيقة لطالما غابت عنا. فالرجل الذي يتربع على عرش الكرة الإفريقية لم يكن لاعبا لكرة القدم، ولم يحمل قميص فريق مسقط رأسه «القطن الكاميروني»، وعندما أمسك الكرة بيده توقف لينهي حيرتنا وينتشلنا من دوامة الشك، ويكشف عن تألقه ضمن منتخب كرة السلة الكاميروني.
قال مازحا: «يبدو أنني في حالة تسلل للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم».
ليس حياتو هو الشخص الوحيد الذي ترأس اتحادا للكرة دون أن تداعب قدماه المستديرة، فكثير من الرؤساء لم يرتدوا «الشورط» إلا في الحمام. ولأن لعيسى شقيقا في «عرس» الحكومة، فإن الطريق أصبحت سالكة نحو مناصب الزعامة الكروية.
حين يتحدث عيسى حياتو عن عبد اللطيف السملالي وعن الجنرال حسني بن سليمان وعن سعيد بلخياط وامحمد أوزال، تعتقد أن الرجل جزء من تاريخ الكرة المغربية، وحين يسافر بك نحو مصر والسودان تخاله مبعوثا أمميا لحفظ السلام.
دعانا عيسى لزيارة حديقة الحيوانات، لكن هاجس الزملاء هو العثور على «فاكس» لإرسال المواد الإخبارية، وقبل أن يغادر الفندق ذكرنا بموعد الاجتماع التقني، وتمنى لنا مقاما طيبا في عاصمة القطن.
بدت مدينة «غاروة» وكأنها غير معنية بالمباراة النهائية لكأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم. الدراجات النارية تملأ بصخبها المكان، حتى تخال نفسك في مدار لسباق الدراجات. ولأن المدينة تقتات من زراعة القطن، فإن الشاحنات المحملة بالعاملين والعاملات تعطي الانطباع بأننا في مدينة مسافرة.
كلما دخل اللاعبون إلى غرفهم، يحلو السمر في بهو الفندق مع «يوعري» المكلف بالأمتعة. يحفظ أدق تفاصيل رحلات الرجاء الرياضي، يعيد تمثيل وقائع طريفة، يستطيع وحده أن يحمل صفة «مؤرخ للرجاء»، بلا منازع.
سأل موظف الاستقبال «يوعري» عن توقعاته لنتيجة المباراة، فرد مازحا:
“قطعة من القطن تكفي لوقف نزيف دمكم”.