شوف تشوف

الرئيسيةتعليمسياسية

أي شروط من أجل مدرسة مغربية جديدة؟

ترشيد النفقات وتحديد الأولويات يساعدان على الحد من الصعوبات المالية للقطاع

اطلعت في جريدة l’opinion  ليوم فاتح غشت 2023 على حوار لأحد أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين، تضمن بضعة أسئلة  تمحورت حول سياق الإصلاح الحالي وخصوصياته وحظوظ نجاحه وحول شروط  نجاح المدرسة الجديدة. استهله  بتقديم أبرز فيه أهمية القانون الإطار 51/17  كإطار  ملزم من أجل الإصلاح  وفق الرؤية الاستراتيجية 2015/2030، معرجا على أهمية خارطة الطريق 2022/2026 والآمال المعقودة عليها لتحقيق قفزة كمية في إصلاح المدرسة المغربية.

 

محمد طويل/ مفتش ممتاز وباحث في التربية والتكوين

تناول هذا العضو، ضمن عناصر الحوار، معطيات عامة حول الميزانية المرتفعة المخصصة لقطاع التربية الوطنية، والتي تشكل نسبة عالية من الناتج الداخلي الخام للبلاد تصل 08 بالمائة وتمتص ربع الميزانية العامة  للدولة، مقابل تسجيل أرقام هدر سنوية مرتفعة تتجاوز 300 ألف، ومسألة التأخر في تشكيل اللجنة الدائمة للمناهج  التي تم التنصيص عليها بمرسوم منذ 2019، مشيرا إلى وجود إطار قانوني للإصلاح وإلى إرادة سياسية من أجل إخراج المدرسة مما هي فيه، قبل أن يتطرق لبعض شروط الخروج بها من وضعها الحالي نحو المدرسة الجديدة المأمولة. وهي شروط حددها عضو المجلس في أربعة؛ أولها الشرط الثقافي الذي أشار فيه إلى ضرورة توفر الموارد الفكرية والكثير من الإبداع لدى كل الفاعلين المعنيين بالإصلاح، بمن فيهم أسرة التربية والتكوين، من أجل تجسيد هذا الأخير، واضعا الموارد البشرية والحاجة لتغيير ثقافي في قلب الإصلاح المنشود. وفي هذا الصدد تساءل عضو المجلس الأعلى عن ما إذا كان للآلة التي تدير القطاع القدرات الفكرية لقيادة الإصلاح؟ كما دعا، في الشرط الثاني، إلى إعادة بناء كل الأدوات التي لها علاقة بالتربية، بما في ذلك منح مزيد من الاستقلالية للمؤسسات التعليمية وللبنيات التنظيمية القائمة،  ليختم بشرطي النمو الاقتصادي والتعبئة المجتمعية حول المدرسة.

لن أختلف مع السيد عضو المجلس الأعلى في ما ذهب إليه بخصوص الشرط الاقتصادي، ولو أن ترشيد النفقات وتحديد الأولويات قد يساعدان على الحد من الصعوبات المالية التي تواجه القطاع في تنزيل مجموعة من المشاريع. فقد يتعلق الأمر، مثلا، بيوم تكويني واحد أو نصف يوم حول التعريف بمشروع أو تدبير معين، لكن صعوبة التنزيل من جهة ومحدودية الموارد المالية والبشرية المناسبة للتنزيل قد يقوضا أثر اليوم التكويني ويجعلا أهدافه محصورة في نسبة جد ضعيفة من الفاعلين ولفترة جد محدودة قد تنتهي بانتقال المستفيدين أو تقاعدهم أو حتى بضعف استفادتهم بسبب ضعف التكوين أو ضعف الاهتمام أو غيرهما من العوامل الكثيرة التي لا يسع المجال هنا لتعدادها، هذا دون الحديث عن كيفية التنزيل ومستوى الانخراط ودرجة التملك قبل الأجرأة الفعلية للأهداف المرسومة. وهو ما يتطلب، بالإضافة إلى استحضار مجموعة من المتطلبات وتقدير المخاطر المحتملة التي قد تحد من أثر المشاريع، ضبط مجموعة من المتغيرات القبلية بالنسبة لكل مشروع قبل الشروع في تنزيله .

لن أختلف أيضا مع السيد عضو المجلس الأعلى بخصوص الشرط الثقافي الوارد  في الحوار، لكون مشكلة المنظومة، في ظل كل الخيارات السياسية المحددة والمحدودة أيضا، مرتبطة بحكامة القطاع وذات صبغة تدبيرية، وهي مشتركة بين كل الفاعلين وتتناسب وحجم مسؤولياتهم في سلم الهيئات التدبيرية وحدود اختصاصاتهم لسبب بسيط يتمثل في صعوبة الفصل بين خيارات المدبر وإجراءات التنفيذ الملقاة على عاتق الفاعل الميداني الذي هو جزء من الجهاز التدبيري.

فعندما يتساءل عضو المجلس الأعلى عن ما إن كانت الوزارة تتوفر على الموارد الفكرية اللازمة للإصلاح، فهذا يعني، حسب فهمي الخاص، أن المدبر، كيفما كان مستوى اشتغاله، مدعو لتملك آليات التدبير وقادر على أجرأة مخططات العمل وعلى الدفاع عن ما يقوم به وإقناع الناس به، وهو أمر يحق التساؤل عن ما إن كان متوفرا لدى الكثيرين كما توحي بذلك صيغة التساؤل!  فهل يمكن، مثلا، لمدبر غير قادر على الربط بين ما يقوم به وبين تجويد التعلمات وتأمين الاستفادة منها، أن يسهر على التنزيل السليم للمخططات الإصلاحية ومشاريعها؟ وهل يمكن التغلب على ما قد تثيره محاولات مختلف الفاعلين والمعنيين بالمدرسة من تباين في المقاربات واختلاف في الفهم والتقدير وهم يسعون نحو تحقيق أهداف الإصلاح حسب فهم كل واحد منهم؟

وبغض النظر عن مثل هذه التساؤلات، فقد تعوز أعداد مهمة من المسؤولين عن بعض المشاريع القدرة على تملك  الأدوات البيداغوجية الضرورية المتصلة بهذه المشاريع بحكم طبيعة تكوينهم ونوعية المشاريع الموكولة إليهم، وقد يعوزهم الوقت نظرا لما يقومون به من مهام مكتبية يومية، وقد تكون للأمر علاقة بمستوى التأطير الذي استفادوا منه كموظفين أو حتى كمسؤولين في تقنيات ومقاربات تدبير المشاريع، وهو ما عبر عنه، في اعتقادي، عضو المجلس بتساؤله عن مدى توفر الثقافة التدبيرية اللازمة لتنزيل المخططات والمشاريع التي تقتضي وجوبا التركيز على درجة الالتزام ومستوى الانخراط الضروريين للتملك والتنزيل فضلا عن مستوى التكوين الملائم الذي يتوفر عليه كل فاعل.

إن الفرضية المحتفظ بها، غالبا في أذهان مهندسي المشاريع، مفادها أن المدبر مسؤولا أو موظفا، كيفما كان موقعه في هرم المنظومة، متمكن من كل الأدوات المتصلة بمشاريع الإصلاح وله ثقافة تدبيرية تمكنه من القيام بدوره كاملا فيها، تبقى مجرد فرضية ما لم يتم التحقق منها. إن الأمر يستوجب القيام بمجموعة من الإجراءات القبلية الضرورية قبل إسناد أي مهام أو مشاريع أو تدابير وأيضا قبل تشكيل أي لجان قيادة مهما كان مستواها! مع العلم أن مفهوم لجن القيادة جديد على الميدان ويتم التأسيس له انطلاقا من البنيات الإدارية القائمة ومسؤوليها تراتبيا دون، ربما، أدنى تساؤل عن حضور المؤهلات المتصلة بالمشاريع أو غيابها لدى العديد من أعضاء هذه اللجن.

التأكيد، ضمن الشرط الثاني، على أهمية استقلالية المؤسسات وهيكلة البنيات التنظيمية الحالية بما يجعل نظام التدبير في خدمة المدرسة وليس حاجزا أمامها يحتاج لكثير من التوضيح، سيما وأن الهيكلة الحالية ليست قديمة وجاءت في سياق تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015 . 2030  ولا زالت لم تكتمل، ليبقى تقويم هذه الهيكلة محل تساؤل، ومعه التصور الخاص باستقلالية المؤسسة التعليمية وحدود هذا التصور، في ظل  إدراج آلية مشروع المؤسسة الذي صار مندمجا أخيرا لكن دون أن يتعدى كونه  آلية موازية لتدبير بعض الجوانب المتصلة بصيانة المؤسسات ودعم بعض المشاريع البيداغوجية المحلية في حدود اعتمادات مالية محدودة، مع العلم أن الاستقلالية المالية ينبغي أن تكون مسبوقة بتوفر الشرط السابق المتعلق بالموارد الثقافية الضرورية.

شرط التعبئة المجتمعية هو الشرط الحاضر الغائب في مختلف محطات الإصلاح منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين. إن التعبئة، تقتضي، في تقديري المتواضع، الدفع بالفاعلين لتملك الإصلاح بما يجعل مشاريعه مشاريع شخصية لهؤلاء، قادرين على تملك تفاصيلها والانخراط في أجرأتها وتقدير مخاطر عدم التفوق في تنزيلها وقادرين على إقناع المعنيين بالمدرسة وروادها بالخدمات التي يقدمونها. وهو أمر يتطلب وضوح الرؤية وتملك الأهداف وما يكفي من الإجماع حول هذه الأهداف بما يجعلها أهدافا للجميع فاعلين ومرتفقين ومعنيين بالمدرسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى