شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

أول حكم مغربي يوقف مباراة بسبب غياب روح المنافسة ويسجل أول طرد في مسار الحارس الهزاز

حكايات قضاة الملاعب:إبراهيم مبروك (حكم جامعي)

حسن البصري:

 

حكم ومدرس وجمعوي

رأى إبراهيم مبروك النور في المدينة القديمة للدار البيضاء، مارس كرة القدم في الفضاءات المجاورة للمعرض الدولي، كما كان يتردد على ملعب فيليب لمتابعة المباريات التي تقام فيه، ولأنه كان من الرعيل الأول لرجال التعليم فقد ساهم في تأسيس فريق المعلمين بالدار البيضاء سنة 1960 وقضى في أحضانه ثمان سنوات، لكن الصفارة مارست جاذبيتها عليه، حيث ولج أول مدرسة لتأهيل الحكام وهو حينها يمارس ضد فريق هيئة التعليم، وقدر له أن يكون أيضا من الجيل الأول للحكام المغاربة، في زمن كان التحكيم حكرا على الأجانب كالحكام الإسبان فرانكو وكيلادو وكوكوليس وأصابان المغربي اليهودي ثم الفرنسي لوكي، قبل أن تتم مغربة قطاع التحكيم مع المكي والرايس والبوكيلي والزياني ورحال واللائحة طويلة.

على الرغم من مساره الوطني والقاري إلا أن إبراهيم ظل يخفي في داخله شخصية المربي والمدرس، فقد كان يميل إلى تكوين أجيال من الحكام وكان يعتبر المباريات التي يقودها مجرد دروس نموذجية، لاسيما وأن تاريخ كرة القدم المغربية يسجل الكثير من المواقف التي كادت أن تكلفه الكثير، في سنوات الرصاص الذي كانت تكتب فيه أسماء أصحاب المواقف بقلم الرصاص.

كانت لجنة الحكام تحرص على تعيين إبراهيم في مباريات حارقة، كانت تعلم أن حسه التربوي يجعله يحاور اللاعبين ويناقشهم قبل وأثناء المباراة، كان يفسر بعض قراراته حتى يزيل اللبس عنها، لكنه ظل يرفض الانخراط في مساومات تسيء لصورة الحكم/ المربي.

انخرط إبراهيم مبكرا في تكوين الأجيال فعمل مكونا جهوياً بالعصبة منذ سنة 1970، وبعدها أصبح مكونا وطنيا لدى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم منذ سنة 1978، وكان يلقي عروضا لفائدة المنتخب المغربي بمعهد مولاي رشيد، كما شارك في عديد من اللجان المركزية والجهوية منذ سنة 1978، سنة اعتزاله الصفارة ميدانيا، دون أن يعتزل التحكيم إذ شغل مهمة نائب رئيس اللجنة الجهوية للشباب والألعاب المدرسية بعصبة الشاوية، كما تولى مهمة مراقب باللجنة المركزية للتحكيم، وسهر على تأليف أول كتاب لقانون التحكيم باللغة العربية، ناهيك عن اهتماماته الجمعوية  كمؤسس لودادية الحكام المغاربة ومن بين مؤسسي جمعية حكام عصبة الدار البيضاء الكبرى، بل إن أغلب حكام الجيل الماضي تتلمذوا على يده خاصة حكام عصبة الدار البيضاء.

من المهام الرياضية التي تولاها وشغلها إبراهيم، رئاسته للجنة الرياضية لنيابة أنفا واللجنة الرياضية لنيابة عين السبع الحي المحمدي، كما شغل منصب مدير تقني لفريق المعلمين لكرة القدم، وهو أول من سهر على تكوين رجال التعليم كحكام في مختلف النيابات والعمالات، فضلا عن تكوين فريق للحكام كان يخوض مباريات استعراضية.

 

أول حكم يوقف مباراة بسبب تراخي اللاعبين

لازال ملعب المسيرة بآسفي شاهدا على موقف تاريخي لهذا الحكم، ترجع الحكاية إلى سنة 1977 وتحديدا في بداية شهر يونيو، حين عينته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لقيادة مباراة قوية بين اتحاد آسفي والكوكب المراكشي، برسم آخر مباريات بطولة دوري الدرجة الثانية، كان الفريق المراكشي يصارع غريمه مولودية مراكش من أجل الصعود للدرجة الأولى، ولا خيار للكوكب سوى الفوز في آسفي على الفريق العبدي الذي لم تكن نهاية المباراة تشكل له هاجسا، بل كان يسعى فقط لاستكمال الموسم الرياضي.

حين نضع المباراة في سياقها التاريخي، سنتوقف عند ظرفية المواجهة والشخصيات التي كانت تمسك خيوط مباراة تهم المراكشيين، كان محمد المديوري رئيسا شرفيا للكوكب وكان أبو بكر اجضاهيم رئيسا للأمن الإقليمي لآسفي، ما يعني إصرار الجهات الأمنية على إرضاء رئيس الكوكب. قبل المواجهة تم إقناع بعض لاعبي الفريق المسفيوي بتفويت نتيجة المباراة للكوكب مادام التعادل أو الفوز لا يغير من ترتيب الفريق العبدي في وسط الترتيب.

رغم ما أحيط بالمواجهة من جدل، إلا أن الحكم مبروك لاحظ تراخي الفريق المحلي وغياب روح التنافس بين فريقين، وفي ما بين الشوطين دخل إبراهيم مستود ملابس المحليين وحذر اللاعبين من مغبة التهاون في أداء الواجب.

في الدقيقة 65 من المباراة لاحظ الحكم تمادي لاعبي اتحاد آسفي في التراخي وإصراهم على تفويت نتيجة المباراة للمراكشيين، نادى على مندوب المباراة وبحضور عميدي الفريقين أعلن عن نهاية المواجهة قبل انتهاء وقتها القانون وحرر تقريرا كشف فيه عن دواعي القرار مبرزا الغياب التام لروح التنافس.

أثار القرار زوبعة في المشهد الرياضي المغربي، خاصة في مدينة مراكش التي كانت معنية بنتيجة مباراة آسفي، وفي اليوم الموالي دعي مبروك للحضور على عجل لمقر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التي كان يرأسها في تلك الفترة عثمان السليماني، حيث عقد اجتماع طارئ بحضور محمد دومو تم خلاله استنطاق الحكم ومساءلته عن دواعي توقيف المباراة وما إذا كانت لديه قرائن تثبت وجود حالة تفويت المباراة.

ظل الحكم متمسكا بما جاء في تقريره، بل إنه رفض تغيير بعض فقرات التقرير الذي وصفته المنابر الصحافية بـ «الناري»، وبعد أيام من الترقب والانتظار أصدرت الجامعة حكما يقضي ببقاء الكوكب في القسم الثاني مقابل صعود المولودية المراكشية، كان القرار صادما للمديوري لكنه استند على تقرير مفصل للحكم.

يقول الحكم الدولي السابق منير مبروك، أن والده إبراهيم قد عاش أياما في الجحيم بعد تلك المباراة، حيث تعرض للكثير من المضايقات، بل إنه اضطر للسفر عند شقيقيه والاختفاء إلى حين مرور العاصفة لاسيما وأنه رفض إغراءات عديدة فقط من أجل تغيير قناعاته، حتى وصلت حد التهديد.

بعد أيام عن هذه الواقعة، وتحديدا في 27 يونيو 1977 ستحتضن تونس نهائيات أول كأس للعالم خاصة بفئة الشبان، شارك المنتخب المغربي في هذه التظاهرة وتم تعيين الحكم مبروك كممثل للتحكيم المغربي في هذه الدورة، هناك تم تدارس «توقيف مباراة لفائدة الشك»، وفي مناظرة خاصة بالحكام وقف قضاء الملاعب على مضاعفات قرار توقيف أطوار مباراة خالية من التنافس الشريف، وبحضور جو هافيلانج رئيس الاتحاد الدولي للعبة، صدر قرار يمنع الحكام من توقيف المباريات المثيرة للشك، خوفا على سلامة الحكام، كما دعيت الاتحادات المحلية لتشديد الرقابة على مباريات الدورات الأخيرة من الدوريات وتعيين مراقبين بل والتصنت على الهواتف الثابتة للمسؤولين عن الأندية بعد ترخيص قضائي.

في السنة الموالية سيتم تغيير اسم اتحاد آسفي بوداد آسفي، ولقد لعب الودادي اجضاهيم دورا كبيرا في هذا القرار.

 

لغز طرد الحارس الدولي الهزاز

في سيرته الذاتية «فقيه في عرين الأسود» التي نسج خيوطها زميلنا محمد التويجر، يسلط الحارس الدولي الراحل حميد الهزاز الضوء على الحكم إبراهيم مبروك في الصفحة رقم مئة من الكتاب، ويتحدث عن واقعة طرده من الملعب في مباراة جمعت المغرب الفاسي بالدفاع الحسني الجديدي على أرضية ملعب الحسن الثاني بفاس برسم الرياضي 1975/ 1975.

يروي حارس المنتخب الوطني تفاصيل هذا الحدث بكثير من الحزن: «لاسم مبروك وقع خاص في ذاكرتي، كيف لا وهو الوحيد الذي أشهر في وجهي البطاقة الحمراء التي لا أستحقها وهي الوحيدة في مساري الرياضي الممتد لإثني وعشرين سنة».

تعود تفاصيل الواقعة إلى مباراة جمعت الفاسيين بالدكاليين، كان المغرب الفاسي يهاجم وضد مجرى اللعب سيتمكن اللاعب الجديدي الشريف من تسجيل هدف في مرمى الهزاز الذي كان رفيقه في المنتخب الوطني، توقفت المباراة بسبب احتجاجات الفاسيين سواء كرسي البدلاء أو للاعبين وحتى الجمهور الحاضر في ملعب الحسن الثاني، لكن الحكم تمسك بقرار مشروعية هدف الفريق الزائر.

«بسبب حملي شارة عميد المغرب الفاسي حاولت فك الخناق المضروب على حكم كان يحيط به لاعبو «الماص» وبعض المسيرين والمؤطرين، كنت أدعو اللاعبين لصرف النظر عن قرار الحكم واستئناف المباراة والبحث عن التعادل ولم لا الفوز، لكن الحكم أساء فهم كلامي فوجه لي بطاقة صفراء، حاولت أن أشرح له حقيقة تدخلي لكنه طلب مني الصمت والانصراف، بل وهدد بتحويل البطاقة الصفراء إلى حمراء، إذا استكملت النقاش، من الطبيعي أن يستفزني كلامه وأنا الحارس البريء لأن لومي كان على اللاعبين وليس الحكم، وحين قلت له غاضبا ما دمت تصر على طردي فافعل، جاء رده سريعا وأشهر في وجهي بطاقة حمراء، غادرت على إثرها الملعب بسرعة نحو غرفة الملابس».

اعتقد الجمهور الحاضر أن الحارس الهزاز غادر الملعب احتجاجا على الهدف، لكن حين تبين أن المغادرة ناتجة عن طرد من الحكم مبروك ارتفع مؤشر الغضب الجماهيري، «اتضح أن الحكم اتخذ قرارا لا يقل خطورة عن هدف الشريف»، يضيف حميد الهزاز.

قرر الحكم مبروك اعتزال الصفارة، سنة 1978، مباشرة بعد قيادة مباراة حارقة جمعت النهضة السطاتية باتحاد سيدي قاسم، قيمة الفريقين والمظلة المخزنية لكل منها يكفيان لتقييم اللقاء الملتهب. ففي هذه المباراة لم تكن بحوزة إداري الفريق السطاتي خمس رخص للاعبين، لم تنفع الهواتف في إقناع الحكم مبروك ودعوته لإطلاق صافرة البداية، لكنه أصر على عدم إعطاء الانطلاقة إلا بعد حل مشكل الرخص، وتوفر كل لاعب على بطاقته، لكن الجامعة كان لها رأي آخر ما دفع مبروك لإعلان استقالته من التحكيم كحكم دولي والتفرغ للتكوين.

ومن غرائب الصدف أن يتحول ابنه منير من مرافق لوالده في اللقاءات التكوينية، إلى حكم دولي، رغم أن الأب رفض دخول ابنه عالم التحكيم، قبل أن يقبل على مضض، إلى جانب أخيه الأصغر الحكم الوطني رضا مبروك هذا الأخير الذي يبصم على مشوار متألق سيرا على نهج والده إبراهيم مبروك.

 

نبذة عن الحكم إبراهيم مبروك

من مواليد الدار البيضاء سنة 1935

لاعب بفريق نادي المعلمين سنة 1960

انخرط في سلك التحكيم سنة 1968

حكم متجول بين العصب منذ 1970

حكم جامعي ابتداء من سنة 1972

التحق بالتحكيم الدولي سنة 1977

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى