حسن مدن
ليس جديدا الحديث عن انعطافة أوروبا نحو اليمين المتطرف تحديدا، خاصة وأن ما كانت تعد حدودا بين اليمين واليسار في دنيا السياسة الغربية آخذة في التلاشي، فلا تكاد نميز في السياسات، سواء الداخلية أو الخارجية، للحكومات مختلفة الأهواء هناك بين اختلافات ملموسة، بل إن ما يوصف باليمين يجنح أحيانا نحو سياسات أكثر اعتدالا، على الأقل في بعض الجوانب، ومكن النفس الشعبوي الذي يطبع خطاب اليمين، خاصة المتطرف منه، من اكتساح قاعدة شعبية واسعة كانت تعد رصيدا لأحزاب اليسار.
أخيرا تمكن حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي من الفوز، ولأول مرة، بموقع عمدة مدينة، بوصول مرشحه إلى المنصب في انتخابات بإحدى مدن ولاية سكسونيا، وقبل أسبوع فاز مرشح الحزب اليميني الشعبوي بأول منصب قيادي، في انتخابات الإعادة على منصب رئيس دائرة في إحدى ولايات شرقي ألمانيا.
وفي فرنسا أظهرت الاضطرابات التي شهدتها أخيرا، وانطلقت شرارتها من الضواحي الفقيرة والمهمشة، على خلفية قتل رجل شرطة لشاب ينتمي إلى عائلة فرنسية من أصول جزائرية، تنامي الرفض الشعبي لسياسات الرئيس ماكرون، وهي اضطرابات لم تشهد فرنسا مثيلا لها منذ صيف 2005، حسب محلل «بي. بي سي»، ما أضعف مكانة ماكرون، ومنح رصيدا إضافيا لأبرز خصومه السياسيين من اليمين المتطرف، مارين لوبان، التي تقدم رسالة متشددة أمنيا ومناهضة للهجرة.
في إيطاليا، التي تعد ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، باتت جورجيا ميلوني، رئيسة حزب له جذور فاشية جديدة رئيسة للحكومة، وفي فنلندا انضم القوميون اليمينيون المتطرفون إلى الحكومة الائتلافية، ويعد الحزب الديمقراطي السويدي المناهض للهجرة والتعددية الثقافية، ثاني أكبر حزب في البرلمان السويدي، فيما تتنامى في المجتمع مشاعر الكراهية للمهاجرين، وتتفشى «الإسلاموفوبيا» التي يسرت لمهاجر عراقي حرق القرآن أخيرا في حركة استعراضية، حظت بغطاء قانوني.
كل هذا ليس سوى غيض من فيض، فالحال نفسها موجودة في بلدان أوروبية أخرى، وعودة إلى ألمانيا فإن رئيس «المركز الاتحادي للتكوين السياسي» حذر من النظر باستخفاف لمعدلات التأييد العالية لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني، وأظهرت نتائج استبيان جديد أن ثلث الألمان لا يرون خطرا على الديمقراطية من جانب هذا الحزب.
تتكون العدة الإيديولوجية لليمين المتطرف من منطلقات التعطش لأمجاد الماضي، وبعض قوى هذا اليمين القومية والشعبوية، أو ذات الجذور الفاشية الجديدة، نجحت في إثارة قضايا مرتبطة بتآكل الهوية الوطنية والقيم التقليدية، بسبب موجات الهجرة، ولا تتردد في المجاهرة برفض العولمة، بل والتوظيف الماهر لشعار العدالة الاجتماعية الذي كان حكرا على اليسار.