أوباما ينضم إلى تحالف بوتين ـ خامنئي الموسع لمحاربة «داعش»
شهدت الأمم المتحدة مساء الاثنين حركة سياسية دبلوماسية نشطة، تتمحور حول منطقة الشرق الأوسط، حاضرا ومستقبلا، ويتزعمها الرئيسان الأمريكي باراك أوباما، والروسي فلاديمير بوتين، في ظل غياب، أو تغييب كامل، للقيادات العربية المعتدلة، أو غير المعتدلة على حد سواء.
لاعبان رئيسيان في منطقتنا كانا حاضرين بقوة على طاولة جميع اللقاءات والمشاورات وفي ثنايا الكلمات التي ألقيت من على منبر الجمعية العامة، النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، و«الدولة الاسلامية» بقيادة أبو بكر البغدادي، ولم يتم ذكر القضية الفلسطينية إلا في إطار إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، وإزالة العقبة الاسرائيلية من طريق هذه المهمة، مثلما جاء في خطاب الرئيس الايراني حسن روحاني، فقد تراجعت هذه القضية، وستتراجع أكثر في ظل إعادة ترتيب سلم الأولويات في المنطقة.
الرئيس الروسي بوتين كان نجم دورة الجمعية العامة هذه دون منازع، فقد استطاع أن يفرض رؤيته للشرق الأوسط الجديد، وكيفية التعاطي مع الأزمة السورية، وكسر عزلته، وبلاده، من خلال بوابتها.
الرئيس بوتين استخدم تهديد «الدولة الاسلامية» وخطرها كجسر للعودة بقوة إلى المنطقة والمجتمع الدولي معا، وإيجاد دور للرئيس السوري في التحالف الجديد الذي اقترحه لمحاربتها، ويضم الولايات المتحدة وتركيا وإيران ومصر والمملكة العربية السعودية، إلى جانب بلاده روسيا، ودون أي ذكر لدولة قطر.
من الواضح أن الرئيس أوباما «أذعن» لوجهة النظر الروسية هذه، وبات مستعدا للتعاون مع روسيا، والانخراط في تحالف معها على غرار التحالف الذي تأسس لمحاربة الخطر النازي في الحرب العالمية الثانية، ولعل فشل التحالف الستيني الذي قادته أمريكا في القضاء على «الدولة الاسلامية»، أو حتى إضعافها من خلال أكثر من سبعة آلاف غارة جوية، هو الذي فرض مثل هذا الإذعان، مضافا إلى ذلك أن الرئيس الأمريكي لا يريد التورط في حرب باردة جديدة مع موسكو، أو خوض مواجهات عسكرية، وأكد على ذلك صراحة في كلمته أمام الجمعية العمومية التي اتسمت بالارتباك والكثير من التناقضات، عندما قال «الرئيس الأسد طاغية ويلقي البراميل المتفجرة ويقتل الأطفال، ولكن هناك من يدافع ويقول أن البديل أسوأ».
ما يمكن استنتاجه من خلال قراءة سريعة لما بين سطور كلمات كل من الرئيس بوتين والرئيس أوباما، أن بقاء الرئيس السوري الأسد في السلطة لم يعد من المحظورات، وأن خطاب الرئيس الروسي، واقتراحه تشكيل لجنة اتصال موسعة من الدولتين العظميين، ودول إقليمية، قد جبّ كل ما قبله من مبادرات سياسية وحلول عسكرية، ابتداء من تدريب المعارضة «المعتدلة» وتسليحها، وانتهاء بمؤتمري جنيف بنسختيه الأولى والثانية، وحتى مبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا الأخيرة، فلا صوت يعلو فوق صوت بوتين.
نحن أمام تحالف دولي إقليمي يعطي الأولوية لمحاربة الإرهاب بزعامة روسيا وأمريكا، ومشاركة فاعلة من قبل النظام السوري الذي ربما سيكون جيشه بمثابة رأس الحربة في كل الخطط العسكرية الموضوعة والتي سيتم تنفيذها في الأشهر المقبلة.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن فرص نجاح هذا التحالف الجديد الذي تتزعمه قوتان عظميان، وليس قوة واحدة، أي قيادة «برأسين» في القضاء على الجماعات الجهادية المتشددة وتنظيمي «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة»، على وجه الخصوص، ثم ماذا سيحدث بعد ذلك، وكيف سيكون شكل المنطقة وطبيعة الحكم في سورية؟
لا شك أن «سابقة» التحالف الروسي الأمريكي لم تحدث إلا قبل 75 عاما، وبالتحديد لمواجهة النازية الألمانية، وقد نجح في مواجهة هذا الخطر النازي، ولكن بعد دفع ثمن باهظ تمثل في مقتل أكثر من ستين مليونا وتدمير أوروبا.
الفارق بين الظروف التي كانت سائدة قبل 75 عاما والوقت الراهن كبير جدا، وكذلك بين الحركة النازية و«الدولة الاسلامية»، فالأولى كانت قوية مسلحة تسليحا جيدا، وتملك جيشا قويا سيطر على معظم أوروبا، لكن الثانية تظل «ميليشيا» متواضعة التسليح بالمقارنة مع قدرات التحالف الدولي الجديد الذي يتشكل لتصفيتها.
انضمام تركيا السريع للتحالف الجديد الذي عبر عنه السيد داوود أوغلو رئيس الوزراء أثناء تصريحات للصحافيين في أروقة الأمم المتحدة بقوله «إن بلاده مستعدة للعمل مع جميع الدول، بما فيها روسيا من أجل انتقال سياسي في سورية وإلحاق الهزيمة بـ«الدولة الاسلامية»، هذا الانضمام المشوب بالحماس يوحي بأن فصلا جديدا في الشرق الأوسط على وشك أن يبدأ، وأن تركيا لم تملك خيارا آخر غيره، تماما مثلما جرى إجبارها على تأييد غارات حلف الناتو في ليبيا.
نظريا يمكن القول أن أيام «الدولة الاسلامية»، وباقي الجماعات الاسلامية المتشددة تبدو معدودة، ولكن ألم يكن الحال كذلك في بداية الأزمة السورية بالنسبة إلى الرئيس الأسد ونظامه؟
هناك مخاوف في أوساط المتحمسين لهذا التحالف بدأت تطل برأسها، وتتمثل في احتمال اندماج قوى إسلامية في تحالف مضاد برئاسة «الدولة الاسلامية»، وتمتع هذا التحالف بحاضنة سورية على غرار الحاضنة العراقية.
هذه المخاوف مشروعة، ولها أساس على الأرض، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بمفاجآت المستقبل، خاصة إذا صمدت هذه «الدولة الاسلامية» مثلما أدى صمود النظام السوري في وجه من يريدون الإطاحة به إلى تغيير كل المعادلات، والوصول إلى النتيجة الحالية التي نرصد أبعادها.
هناك فارق أساسي، وهو أن جميع القوى العظمى والإقليمية ستكون في خندق واحد في مواجهة الإسلاميين المتشددين في سورية والعراق، ولن يجدوا من يدعمهم على غرار ما حدث أيام الجهاد الأفغاني، فقد توحد الشرق والغرب ضدهم، مضافا إلى ذلك أن الجيش السوري الذي اكتسب خبرة طويلة في خوض حرب عصابات على مدى السنوات الخمس الماضية، ربما يشكل نقطة تحول رئيسية في هذه الحرب، وهذه هي النقطة الأقوى في مشروع الرئيس بوتين الجديد.
لا نستبعد حدوث «تفاهم ما» أمريكي روسي على «تقاسم» المنطقة، على غرار مؤتمر يالطا، ورسم حدودها الجغرافية، وهويتها السياسية في مرحلة ما بعد الانتصار «المفترضة» على «الدولة الاسلامية»، ولكن إبقاء هذا التفاهم سرا في علبة سوداء محكمة الإغلاق قد يعطي نتائج سلبية على صعيد حشد الرأي العام، أو جزء كبير منه، لمساندة الحملة العسكرية المتوقعة.
قواعد اللعبة تتغير في منطقة «الشرق الأوسط»، وبشكل متسارع، منذ أن نجح الرئيس بوتين في فرض رؤيته وكسر عزلته، ونجاحه ليس في تجنب المواجهة مع واشنطن، وإنما جرها خلفه، ونحن نحكم هنا على الظواهر، أما البواطن فلا يعلم بها إلا الخالق جل وعلا، وكل الاحتمالات غير مستبعدة.
عشرات المليارات العربية أهدرت في سورية طوال السنوات الخمس الماضية لإسقاط نظام الرئيس الأسد، ومئات المليارات الأخرى جرى إهدارها، بإيعاز أمريكي، لحرب مع إيران، وعشرات المليارات الأخرى ستهدر في حرب ضد «الدولة الاسلامية» والجماعات المتشددة الأخرى، ولكن تحت مظلة تحالف تلعب فيه إيران وروسيا زعيمتا «الممانعة» دورا رئيسيا.
ألم نقل أن المنطقة تتغير بسرعة، وأن العرب، هم «الكومبارس» في الحالتين؟!