المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدق ناقوس الخطر ويوصي بإصلاح استعجالي
محمد اليوبي
بعد صدور التقرير الأخير للهيئة الوطنية لمراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، الذي دق ناقوس الخطر، وحذر من إفلاس أنظمة التقاعد بالمغرب، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أول أمس الأربعاء، باستعجالية تفعيل الإصلاح الهيكلي والشمولي لقطاع التقاعد بالمغرب.
وأكد المجلس، في نقطة اليقظة الأخيرة الصادرة عنه، أن إرساء منظومة وطنية للتقاعد، تضامنية وناجعة ومستدامة وقادرة على الاستجابة لانتظارات الأجيال الحالية والقادمة من النشيطين والمتقاعدين وضمان حقوقهم، يقتضي العمل على تسريع تفعيل مسلسل تعزيز توازنات أنظمة التقاعد الموجودة وإرساء الانتقائية بين مصادر تمويلها، وخدماتها، والإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بها ونمط حكامتها.
وأوضح المصدر ذاته أن الهدف الاستراتيجي من هذا التوجه يكمن في العمل، وفقا للتوجيهات الملكية السامية المتعلقة بإحداث منظومة حماية اجتماعية شاملة، على الانتقال نحو منظومة تقاعد قائمة على قطبين؛ قطب خاص وقطب عمومي، وذلك في أفق إحداث نظام وطني موحد للتقاعد يساهم في الوقت ذاته في تأمين دخل للأشخاص المسنين، وكذا في النهوض بمنظومة ادخار وطنية ذات تأثير إيجابي ومستدام على النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
وسجل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنه بحلول سنة 2022، يدخل ورش إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية عامه الثاني بإعطاء الأسبقية في التفعيل للعمليات المتعلقة بتعميم الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض لتشمل كافة الشرائح الاجتماعية التي لا تتوفر عليه لحد الآن (22 مليون مواطن)، وعلاوة على ذلك، يضيف المجلس، يوجد توسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد في صلب العرض المتكامل الذي يتضمنه القانون-الإطار رقم 21-09 المتعلق بالحماية الاجتماعية الذي أدرج كذلك الحماية من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة من خلال العمل على إدماج حوالي 5 ملايين شخص من الساكنة النشيطة الذين يمارسون عملا ولا يتوفرون على أي معاش، وذلك في أفق سنة 2025.
ولتحقيق هذا الهدف الطموح، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي اتخاذ عدد من التدابير التمهيدية والتحضيرية التي تظل ضرورية لإنجاح الإصلاح الشمولي المرتقب لأنظمة التقاعد بالمغرب، التي يمكن الشروع في تنفيذها منذ الآن، والتي سبق أن اقترحها المجلس، سواء بمناسبة تقديم رأيه حول الإصلاح المقياسي للمعاشات المدنية، أو في معرض تقريره الذي تناول الحماية الاجتماعية بالمملكة عموما، بما فيها الشق المتعلق بإصلاح قطاع التقاعد من أجل إرساء منظومة عادلة تتسم بالتوازن والديمومة والقدرة على الصمود أمام التقلبات الاقتصادية والاجتماعية، وترصد المكتسبات، وتحافظ على حقوق ومصالح الأجيال القادمة.
وأوصى المجلس بالتعجيل بتحديد جدول زمني دقيق وملزم لجميع الأطراف لتنفيذ المراحل الكبرى للإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد، بالتشاور مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين وباقي الفاعلين المعنيين، كما يتعلق الأمر بالإسراع في تحيين واستكمال الدراسات الإكتوارية والإصلاحات المقياسية ذات الصلة باستدامة أنظمة التقاعد، من أجل تيسير عملية تجميع المنظومة في قطبين: قطب عمومي (الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد..)، وقطب خاص (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المهني المغربي للتقاعد..)، إلى جانب استصدار النصوص القانونية والتنظيمية الضرورية لالتقائية أنظمة الاحتياط الاجتماعي للتقاعد.
وأوصى المجلس أيضا بإحداث، في مرحلة لاحقة، وفق الجدولة الزمنية المحددة للإصلاح الشمولي، نظام وطني موحد للتقاعد يقوم على ثلاث دعامات تتمثل في دعامة إجبارية أساسية، ودعامة إجبارية تكميلية قائمة على مبدأ المساهمة، ودعامة ثالثة اختيارية تقوم على الرسملة في نطاق التأمين الخاص الفردي أو الجماعي.
كما دعا إلى إحداث حد أدنى للدخل في سن الشيخوخة لا يقل عن عتبة الفقر لفائدة الأشخاص الذين لن يستفيدوا من أي معاش في إطار الإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد والحماية الاجتماعية عموما، ويقترح المجلس وضــع آليــات لحكامــة وقيــادة فعالــة لأنظمــة التقاعــد، بقــوة القانــون، بهــدف الحــرص علــى اســتدامتها وملاءمتهــا للتطــورات الماليــة والاقتصاديــة والاجتماعيــة والديموغرافية، على أن تستجيب هذه الآليات للمتطلبات، وضمـان مسـتوى من القيـادة الشـمولية لمجمـوع الأنظمة علــى أســاس إطــار مرجعـي احتـرازي مشـترك، وذلـك بغية تسهيل عمليـة القيـادة، وضمـان يقظـة مسـتمرة، كما دعا إلى اعتمـــاد ٍ مقاربـــة اســـتباقية لتدبيـــر المخاطـــر ّ )الشـمولية والماليــــة والمؤسســــاتية( مــــن أجــــل أخــذ مختلــــف التطـــورات الديموغرافيـــة والماليـــة والاجتماعيــة بعيــن الاعتبار، وبالتالي توقع مخاطر الاختلالات المالية وتفاقم الديون الضمنية للأنظمة.
وعلى مستوى التمويل، دعا المجلس إلى الأخذ بعين الاعتبار، في تطبيق الإصلاح الشمولي، القدرات التمويلية للمشغلين (الرهانات التنافسية) والقدرة المساهماتية للمنخرطيـن (رهانات المحافظة على القدرة الشرائية)، وأوصى بمراجعـة سياسة توظيف الأموال المتأتية من الاحتياطيات، واعتماد مقاربة موحدة للجوانب المتصلة بالغايات والتأثيرات المنشودة والتدبيـر والمراقبة، مع العمل بشكل خاص على تشجيع الاستثمار طويل المدى في احترام تام للقواعد الاحترازية، وذلك في قطاعات وأنشطة تساهم في إحداث مناصب الشغل وتحقيق الرفاه الاجتماعي وحماية البيئة، ويقترح المجلس تخصيـص ما بين 2 إلى 4 في المئة من الضريبة على القيمة المضافة في تمويل الحماية الاجتماعية، بما فيها منظومـة التقاعد.
ويهدف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من خلال نشره لنقطة اليقظة هاته، إلى تجديد تأكيده على توصياته بهدف إرساء منظومة وطنية للتقاعد تضامنية وناجعة ومستدامة وقـادرة على الاستجابة لانتظارات الأجيال الحالية، كما تروم نقط اليقظة هاته تبادل التفكير حول الموضوعات الحاسمة، التي تم اختيارها مسبقا من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وذلك بهدف تقديم، على ضوء خلاصات أعماله، توضيحات إضافية للنقاشات المجتمعية الحالية.