إعداد: سهيلة التاور
خلال العشر سنوات الماضية، كانت أنجيلا ميركل بمثابة جسم غامض. واليوم، المستشارة ليست فقط على رأس دولة ذات اقتصاد مزدهر، بل هي المرأة الأقوى في العالم، تحاكي بوتين، وتسي براس.. فتعبر عن الصرامة تجاه «الأورو» والسخاء والكرم تجاه «المهاجرين»…
في السياسة، قليلة هي الشعب المختصرة كالتي سلكتها ميركل. الألمان يتفاجؤون لهذا، أما الفرنسيون فيتبعون المسار نفسه. يسرعون خطواتهم لتقلد المناصب الإدارية بسرعة بدرجات متتابعة نحو السلطة. كون ميركل «غريبة» بالنسبة لألمانيا الشرقية، شيء ممتاز. فعند النظر إلى الطبقة السياسية الألمانية، فهي تتكون من الرجال بالدرجة الأولى، المتحدرين من الشرق. والآن تتأتي أنجيلا ميركل من الغرب، الفيزيائية، بنظرة مختلفة، جديدة، وواضحة عن ألمانيا. فاستطاعت تحديد نقط لم يتمكن الآخرون من تحديدها نظرا لتغلغلهم في النظام. إنها تحب السلطة ومستعدة لتحصل عليها بأي ثمن. بدأت بالتخلي عن والدها الروحي هيلموت كول، بعد أن شوهت سمعته بسبب قضية التمويلات الخفية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في بداية التسعينات. واستطاعت بالتالي أن تكون هي المسيرة صاحبة أطول مدة من الأقدمية في أوربا.
من هي هذه المرأة التي تقسم أنها ستخدم بلدها؟
ولدت أنجيلا دوروثيا ميركل يوم 17 يوليوز 1954 بمدينة هامبورغ بشمال ألمانيا ونشأت هناك، وهي متزوجة من أستاذ كيمياء منذ 1998 وليس لديها أبناء. تخصصت في الفيزياء خلال دراستها 1973- 1978، وهي حاصلة على الدكتوراه في الكيمياء.
في عام 1990 بدأت أنجيلا مسيرتها السياسية إبان توحيد شطري ألمانيا إلى جانب المستشار السابق هيلموت كول الذي اكتشف قدراتها. ترأست حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي مكان معلمها كول عام 2000. ورغم كونها بروتستانتية فقد فرضت ميركل نفسها على رأس حزب كاثوليكي معظم قيادييه من ألمانيا الغربية، ومنذ ذلك الحين تمكنت من إزالة جميع خصومها المحتملين من طريقها.
في عام 2005 أصبحت أنجيلا أول امرأة تتولى منصب مستشار في ألمانيا، والأولى التي تحكم دولة أوربية كبرى منذ عهد رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، وأول رئيسة حكومة متحدرة من ألمانيا الشرقية سابقا، وذلك بعد أن فاز التحالف الذي قادته مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي ينتمي إليه المستشار السابق غيرهارد شرودر.
وبعد ثماني سنوات على وصولها إلى سدة الحكم، وبفضل تحالف بين محافظي حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه والحزب الاشتراكي الديمقراطي، حققت ميركل انتصارا تاريخيا في الانتخابات التشريعية التي جرت 2013 ما أبقاها على رأس المستشارية لولاية ثالثة، ولكن من دون إحراز غالبية مطلقة بالبرلمان، فكانت أول زعيمة أوربية يعاد انتخابها منذ الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالاتحاد الأوربي.
للتوغل أكثر في هذه الشخصية التي تعكسها أنجيلا ميركل، يجب البدء بـ«ألمانيا الأخرى» حيث ترعرعت، (ألمانيا الغربية). جبهتان مختلفتان تختلفان في ما يخص هذا السؤال. هناك، من، مثل كريستيان وينكل، (مؤرخ)، يراها تنغمس في ألمانيا الشرقية كونها تتقن لهجة الشرق: (الرموز، الديمقراطية، اللعبة السياسية)، وتأقلمت بشكل فعال. وآخرون، مثل، ألان دي ويلت، (محرر بجريدة يومية ألمانية)، يستنكرون هذا التقليد القذر. فالشرق جهة غريبة بالنسبة لها، فهي لم تعش سنوات الستينات هناك، في عهد غول، أدونوي. لقد عاشت 35 عاما فقط من الديكتاتورية، وتدعي إيمانها بهذا النظام مع أنها تستنكره بشدة. لقد تربت على فكرة أنه لا يجب البوح بالذي نفكر فيه. فلا أحد يعرف نواياها، وهذا يظهر اليوم في كونها لا تفصح أبدا عن موقفها قبل معرفة اتجاه الرياح التي حولها.
بين الماضي والحاضر
للحصول على صورة واضحة للتغيير التي مرت به أنجيلا ميركل، يجب استحضار صورتين تظهر فيهما المجموعة كلها. الأولى أخذت في خريف 1991، على الشرفة بفيلا هامر شميت، ببون، حيث قدم هالميت كوهل أعضاء البرلمان لألمانيا مجتمعين لأول مرة. كانت أنجيلا ميركل حاضرة، مرتدية بذلة سوداء جديدة للغاية، بالابتسامة نفسها المعبرة عن الحياء، مثل ابتسامة الملكة ديانا عندما قدمت للعائلة الملكية لأول مرة. فمنحت آنذاك منصب وزيرة الأوضاع النسائية والشباب وكانت تلقب بـ«الفتاة الصغيرة» حيث لم يكن عمرها يتجاوز 36 سنة. كانت الوزيرة الشابة في تاريخ ألمانيا. ابنة قس أتى من هامبورغ لنصر الإنجيل في الأراضي الحمراء الغربية. زعيمة سابقة للشبيبة الشيوعية في الجمهورية الديمقراطية الألمانية. تتكلم الروسية وكذا الإنجليزية. لم تكن متألقة جدا ولا تظهر في الصفوف الأمامية. ولم يتخيل رجال السياسة العظماء يوما أن تبرز في الصفوف السياسية وتصبح مستشارتهم.
الصورة الثانية حديثة، أخذت في الربيع الماضي. هذه المرة أنجيلا ميركل تحضر مؤتمرا أوربيا. تتربع على العرش، «ملكة أوربا» هذه، وسط رؤساء الدول والبرلمان. تتبسم، وتبدو مشرقة ومرتاحة للغاية. فرنسوا هولاند بجانبها، لإبراز العلاقات الجيدة الفرنسيةـ الألمانية. والآخرون كلهم يحيطون بها مظهرين الاحترام التام. حضورها المتألق يفوق الأضواء، ترتدي سترة بلون المشمش، اللون الزاهي الوحيد الذي يظهر وسط عتمة البذل الرمادية والسوداء. تتحكم في العالم من حولها، وواثقة من نفسها. أي عالم؟ أنجيلا ميركل تسير ديمقراطية مزيتة جدا، وقوة اقتصادية عظمى وسط أوربا الفاشلة. فمعهد «فوربيس» أعلن أنها المرأة الأقوى في العالم ـ معجزة سياسيةـ، كما أنها محبوبة جدا من طرف أبناء بلدها. منذ 10 أعوام وهي في السلطة، وهم بدورهم يكنون لها الوفاء التام. ففي الوقت الذي يظهر فيه كره واضح للرؤساء الفرنسيين، تظل شعبيتها مستقرة بناء على أدلة قاطعة. وأغلبية المواطنين يبدون لها حبا كبيرا لدرجة أنهم ينعتونها بـ«Mutti» أي «ماما». فمن الصعب ربط علاقة بين الصورتين، فلقد كان من المستبعد تماما أن امرأة من الغرب تحكم ألمانيا بأكملها والتي تشمل أكثر من 80 مليون ساكن.
زلزال سياسي
أنجيلا ميركل هي المرأة الأولى التي تتقلد منصب المستشارة على رأس ألمانيا. ما يفسر حالة الذهول التي تعيش فيها ألمانيا منذ 10 سنوات. هذا البلد، حيث كانت وظيفة المرأة تقتصر على إنجاب الأطفال، والذي أصبح يعي أن الأمومة شيء طبيعي واكتشف المدارس بدوام كامل، لتتفرغ المرأة لوظائف أخرى. هذا البلد، تماما، هو الذي أعطى الحق لـ«امرأة» أن تسيره.
حدث أنجيلا ميركل كان بمثابة زلزال ثقافي قبل أن يكون سياسيا، لكنها تلقت عتابا متكررا بخصوص أفعال قامت بها أو حتى اختيارات شخصية. فمثلا، تلقت نقدا عن الفستان البرتقالي الباهت المبلل بالعرق المتصبب في حفل ببيروت وكونها لم تنجب أطفالا إلى حد الآن. وتسريحة شعرها والتجاعيد حول شفتيها وجسمها المملوء. فهي تنتمي إلى الجيل الذي كان فيه طلاء الأظافر وإزالة شعر الجسم من الأشياء التي تقوم بها المرأة فقط لإرضاء الرجل. في حين أنها لم تكتب ولا سطرا واحدا عن جيرهارد شرودر الذي لم ينجب من زيجاته. واليوم، هذه التجاعيد نفسها تعكس الصرامة والجدية التي تتحلى بهما ميركل، والتي بفضلهما تقدم عملها بشكل جيد، وكل خط على وجهها فهو يفسر حياءها. وبالرغم من هذا كله لم تسلم من الانتقادات، غير أنها تظل مقاومة لها وسلاحها هو اللامبالاة. واحتاجت لوقت طويل لتقبل بأخصائية في التجميل أن تضع لها القليل من مساحيق التجميل على وجهها. لكنها لم تتمكن من المقاومة لوقت طويل، وخضعت للضغط. فغيرت تسريحة شعرها، ولبست البنطلونات الضيقة شيئا ما ولم تغير طريقة لبسها بشكل جذري. ومع الوقت خفت حدة الانتقادات، وحل محلها الاحترام. فمثلا عند ذهابها في زيارة لفرنسا، في المرة الأولى، كانت أنجيلا في ضيافة جاك شيراك، حيث أظهرت انزعاجا واضحا عند السلام عليها عن طريق قبلتين على خديها، واحدة يمينا والأخرى يسارا. بينما عند مقابلتها لنيكولا ساركوزي أبانت عن ارتياح وعن قبولها لطريقة تعامله للمحافظة على العلاقات الدبلوماسية الفرنسية- الألمانية وعدم جذب الانتقادات تجاهها مرة أخرى.
كبش الفداء
الألمان يقعون في حب السيدات السياسيات الفرنسيات. سيغولين روايال، الحسناء الفاتنة والتي تتمتع بشكل آخر غير أنجيلا ميركل. وهناك كذلك، كريستين لاغارد. غير أنهم يعلمون جيدا الفرص التي لديهم مع «أمهم» ميركل. المرأة التي تمتاز ببساطتها، تعاطفها وصراحتها، اختارت أن تغير مكتب جريهارد شرودر بطاولة عمل بحجم متواضع قريبة جدا من الباب. ميركل لم تقبل الفيلا الرسمية التي كانت ستمنح لها داخل الأحياء الراقية الخضراء ببرلين. فهي تعيش مع زوجها، جوشيم سوي، في شقة يكتريانها بحجم متواضع وسط برلين. وعندما تريد الاسترخاء والابتعاد عن التوتر تفضل قضاء عطلة نهاية الأسبوع في داشتها بأوكرمارك وتحضر بنفسها حساء البطاطس لوجبة الغداء. فتستمتع بالوقت رفقة زوجها، يتجولان في الغابة ويسبحان في بحيرة داخل الغابة. ومصاريف سفرها تدفعها بنفسها دون أي مساعدة من الدولة. لا تتوفر على أصدقاء من الطبقة الراقية، ولا أملاك باهظة القيمة، ولا حتى عشيق فاتن الجمال. فحياتها جد هادئة من تلك المهزلة التي يعيشها السياسيون الفرنسيون. غير أنه سرعان ما انقلبت هذه المحبة إلى كره بعد الأزمة المالية التي ضربت القارة العجوز. فمستشارة ألمانيا الغنية هذه، الوصية على الصرامة في الميزانية التي تسعى لفرض معايير التقشف القاسية بالقوة على الآخرين، اليونان في المقدمة، دائما تمثل كبش الفداء. فكثيرة هي الدول المجاورة لألمانيا والتي تراها مثل هتلر أو بيسمارك، ويتهمونها بحبها للسيطرة وإخضاعها الكل للأمر الألماني. لكنها، بفضل الهدوء التي تمتاز به، تؤمن بأن كل واحد منا لديه الحق في إبداء رأيه. لم تفقد أعصابها يوما، وتحافظ دائما على أسلوب المجاملة. تعطي الكلمة للجميع، وتصغي لهم بكل تمعن، وتحترم الآراء. هذه السيدة التي احتفلت العام الماضي بعيد ميلادها الستين والتي قادت ألمانية منذ كأس العالم لكرة القدم 2006، ترفع البطاقات السوداءـ الحمراء والصفراء دون أن تخاف من ردة فعل العالم. فهي السيدة الوطنية التي تجسد ألمانيا الجديدة القادرة على الدفاع عن مصالحها بهدوء وتتحمل مسؤولية الدور الذي تلعبه.
خطوات الجمل
لم تنس ميركل أبدا المصالح الألمانية حين التفاوض لأجل بروكسل لمحاولة إنقاذ أوربا من الأزمة. تنقلات لا تحصى وتعب لا يصدق، وكانت مستعدة للقيام بأكثر من ذلك، مدعية أنها كانت تخزن حصص الراحة لتستطيع التحمل، فكانوا يسمونها «ملكة الليل». في حين أن الموظفات الفرنسيات ينمن في هدوء، ورؤساء الحكومات والبرلمان يتثاءبون. قيم تبنتها أنجيلا منذ الطفولة راغبة في أن تمررها إلى مواطنيها الذين يحتجون أمام مركز للاستقبال لطالبي اللجوء في هيدنو في ولاية سكسونيا. فألمانيا تفتح أبوابها أماما اللاجئين المهددين في بلدهم (اللاجئين السوريين). وفي هذا الصدد صرحت أنجيلا بأنها ستقوم بما في وسعها لتأدية واجبها تجاههم.
فمشهد القطار المملوء إلى حد الانفجار باللاجئين الذين وصلوا إلى بافاريا أثر كثيرا في أنجيلا الآتية من الغرب في حين استقبلتهم هنغاريا بستار من حديد.
كثيرون ينظرون إلى ألمانيا على أنها بطيئة جدا في ردود أفعالها، وأن أنجيلا تفتقر إلى بعد النظر. «ألمانيا تفكر ونحن نتصرف»، يقول نيكولا ساركوزي بكل ثقة، ومباشرة ترد عليه ميركل «نحن نبحر في الأفق».
ميركل فيزيائية كبيرة، وتصرفاتها كلها مدروسة بدقة وكأنها تقوم بتجربة علمية، خطوة خطوة. وتؤمن بأنه لا داعي للتوتر، فالمشاكل غالبا ما تحل مع الوقت. لكن يظل عدد نقادها كبيرا خصوصا في صفوف وسائل الإعلام والمؤسسات السياسية.
الاندفاع
ميركل تفتقد الحماس، الاندفاع والحيوية. بخلاف ويزاكر، هيلميت شميد وويلي براند الذين تحملوا مسؤولية قرارات عظيمة. فهي لم تكن يوما لتتخذ قرار إدخال «الأورو»، غير أن وقت المشاريع الكبرى والقرارات العظيمة قد فات. فالعالم أصبح معقدا والأخطار باتت كبيرة والعواقب غير متوقعة.
القرار المذهل الذي اتخذته أخيرا والذي كان بعد حادث فوكوشيما 2011، هو إصدار قرار بين ليلة وضحاها بإنتاج السلاح النووي. لكن عواقب هذا القرار المفاجئ كارثية: فمنذ أشهر وألمانيا تتحارب مع سياستها الطاقية. الأسعار ترتفع والشبكة تظل متقلبة. فهذا الهدوء التي تظهره أنجيلا في المواقف الحاسمة، وهذه القدرة على اتخاذ دور الوسيط دون أن تفقد أعصابها ودون أن تشعل النار بأوربا جعلت منها سيدة مميزة. ففي ما يخص أزمة «الأورو» اليونانية، فإن ميركل وضعت بين نارين. من جهة، دافعي الضرائب الألمان يطالبونها بدفع أقل قدر ممكن، ومن جهة أخرى، البلدان التي هي في حاجة تطلب منها المال. فعليها أن تبقي بلدها في أمن واستقرار اقتصادي وفي الوقت نفسه 60 من نوابها صوتوا أخيرا ضد الدفعة الثالثة لمساعدة اليونان. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أنجيلا تتوقف عندما تتلقى اتهامات من الخارج بأنها تسعى إلى أن تجعل أوربا قطعة ألمانية.
بطلة أوربا
أذهلت أنجيلا ميركل العالم بكرمها وقلبها الكبير، وأظهرت كل معايير الرحمة والإنسانية إبان الأحداث التي مست سوريا في الآونة الأخيرة، حيث كشفت أن زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي ومستشارة البلاد أنجيلا ميركل تعتزم التشاور مع قيادات الحزب الاشتراكي – شريكها في الائتلاف الحاكم- بشأن خطة من سبعة بنود وضعتها لمواجهة موجات اللاجئين المتزايدة.
وتتضمن هذه الخطة الالتزام، حتى نهاية أكتوبر القادم، بالانتهاء من إسكان أكثر من مائتي ألف لاجئ الذين لا يزالوا يقيمون داخل مخيمات مؤقتة، في بيوت، ثابتة يتم بناؤها بسرعة بتجاوز الشروط المشددة بقوانين البناء المتعلقة بالتدفئة والحماية من الحريق.
وكانت ميركل قد تحدثت عن ضرورة غض الطرف عن هذه الشروط المشددة أثناء زيارتها لحي ماركس لوه الشعبي بمدينة دويسبورغ، حيث يعيش سكان من 92 دولة.
وتدعو خطة المستشارة الألمانية، بشأن استيعاب اللاجئين المتدفقين على بلادها، إلى تسريع إجراءات البت في طلبات اللجوء خلال وقت وجيز، عبر زيادة عدد موظفي الجهاز المركزي للهجرة واللجوء بواقع 1650 موظفا إضافيا هذا العام وألف آخرين في 2016.
وتقترح أيضا تخصيص خمسة آلاف وظيفة جديدة في مجال خدمة اللاجئين للطلاب المنتهين من الثانوية العامة ويرغبون في التطوع بالعمل المدني بدلا من أداء الخدمة العسكرية.
لغة وتأهيل
وينص البند الثالث من الخطة على إلزام اللاجئين الذين يتم تقنين أوضاعهم، بالالتحاق بدورات لتعلم اللغة الألمانية والتأهيل المهني، ليتم عقب ذلك إلحاقهم على وجه السرعة بسوق العمل المتعطشة للسواعد العاملة المهاجرة.
وتقترح الخطة في بندها الرابع إلغاء المساعدة المالية الشهرية البالغة 143 أورو لكل لاجئ في مرحلة استقباله الأولى السابقة لتقنين أوضاعه، والتحول بدلا منها إلى قسيمات للغذاء والملابس.
وتدعو الخطة إلى تشديد قواعد اللجوء الحالية بتغيير المادة 116 من الدستور الألماني، حيث لا يصبح من حق كل قادم للبلاد التقدم بطلب لجوء.
وذكرت صحيفة «بيلد» أن ميركل لم تحدد موقفها من هذه الدعوة التي تؤيدها قطاعات من حزبها المسيحي، ويعترض عليها شريكها الحزب الاشتراكي.
وتشدد الخطة على ضرورة تسريع إجراءات الفصل في طلبات اللجوء، ليتم ترحيل الباحثين عن لجوء من القادمين من بلدان مستقرة من قبيل مقدونيا وصربيا، خلال أسبوع واحد من وصولهم، وحظر دخولهم ألمانيا لمدة خمس سنوات.
ومن المقترح أيضا توسيع دائرة البلدان الآمنة التي يتم رفض قبول أي لاجئين منها لتشمل ألبانيا وكوسوفو والجبل الأسود.
واقترحت المستشارة الألمانية، في البند الأخير من خطتها، تشديد إجراءات مكافحة تهريب اللاجئين، عبر زيادة إجراءات المراقبة والتحريات السرية بمناطق البلاد الحدودية.
الإدماج في المجتمع
من جانبه، شدد غونتر بوركهاردت، الأمين العام لمنظمة «برو أزيل الألمانية لمساعدة اللاجئين»، على ضرورة تركيز سياسة اللجوء الألمانية على دمج اللاجئين بالمجتمع الألماني كمحدد رئيسي.
وأوضح بوركهاردت، في تصريح لـ«الجزيرة نت»، أن معظم اللاجئين المتدفقين على ألمانيا حاليا يأتون من مناطق حروب وأزمات، ما أوجد حاجة ملحة لدمجهم باعتبارهم سيقيمون في البلاد لفترات طويلة.
وقال بوركهاردت – الذي تعد منظمته أكبر منظمة لمساعدة اللاجئين في أوربا- إن الإحصائيات الرسمية الألمانية أظهرت أن معظم اللاجئين المسجلين بعد وصولهم إلى ألمانيا في يوليو الماضي، هم مواطنو دول مضطربة، تصدرهم السوريون (25794 يمثلون 31.1 في المائة)، ثم الأفغان (7928 يمثلون 9.6 في المائة)، والعراقيون (5846 يمثلون 9 في المائة)، والإريتريون (3127 يمثلون 3.8 في المائة)، والصوماليون (1195 يمثلون 1.1 في المائة).
ويرى الأمين العام لـ»برو أزيل» أن الحكومة الألمانية لا تملك تصورا شاملا لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة، خاصة في مجالات الاستقبال وسياسة الاندماج وما تتطلبه من توزيع سريع لهؤلاء اللاجئين على ولايات البلاد الـ16، وإلحاقهم بدورات لتعلم اللغة الألمانية والتأهيل المهني، ومساعدتهم في البحث عن سكن وفرصة عمل.
ودعا بوركهاردت الحكومة الألمانية والحكومات المحلية بالولايات إلى رصد مخصصات مالية مناسبة للتوسع في بناء مساكن تعاونية منخفضة السعر لاستيعاب أعداد اللاجئين الكبيرة، ورأى أن الاستمرار في تسكين اللاجئين بمدن الخيام ومراكز اللجوء المكتظة حتى فصل الشتاء، سيؤدي إلى تفاقم المشكلات الحالية.