أنامل تصنع الفرح
مريم كرودي
للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه..! ولك عزيزتي ثلاث فرحات: فرحة أولى وأنت تفطرين، ثانية وأنت ستلقين الله، وثالثة تدخلينها لقلوب أحبابك الصائمين بتجهيزك مائدة تنبض حبا بما لذ وطاب..
ما أعظمك وأنت تقفين لساعات متواصلة في مصنع الفرحة، قرب نيران الطهي وبين أواني الطبخ، تسرقين من خزان قوتك قوة وصبرا لتتحملي حرارة المكان وضغط الوقت..
وما أروعك وأنت تنغمسين بين الخضر والفواكه وتضيفين توابل لصيامك الطويل المضني، لتتضاعف فرحتك ثلاثا وليصير الأجر أجرين..
أما كنت، زوجة، أختا أو ابنة، ما أجملك وعروق الصائم تبتل على يد بئر أنت من حفره واشتغل على جماليته طيلة اليوم، تنقشين حروف المائدة وترسمين ألوانها بكرم فائض.
اهتمامك بأدق التفاصيل وأنت تقاومين العطش والجوع وتسخيرك لمشاعرك النبيلة حبا منك دليل على بلوغك أوج الفرحة الثالثة ونضج دورك في البيت؛ فما أسهل أن تكوني مجرد امرأة وما أصعب أن تكوني أنثى تسحر كل ما تمسه يدها..!
كنت قد رأيت منذ سنة تقريبا فيديو قصيرا يسأل فيه المذيع بعض الناس: ماهي المهنة التي يشتغل فيها صاحبها 24 ساعة دون توقف؟ لا تغطية صحية؟ لا علاوات ولا حتى أجرا؟ كان الكل يقف مندهشا دون أن يعثر على جواب سليم بمن فيهم أنا التي كنت أتابع.. ليخبرنا المذيع في آخر المطاف أن المهنة هي: «أم» وما أعظمها من مهنة!
تزاولها الأنثى بإتقان متفان، تحضر كل طيب بقلب أطيب، محب يحفظ أذواق من في البيت عن ظهر قلب؛ وتورث المنصب لمن فيه من بنات ليصير العمل متكاملا، متناسقا بينهن كخلية النحل الدؤوبة.
سيدة البيت الأنيقة أو الأم الطائفة، أنامل ذهبية تصنع الفرح وتشتغل بكل ما أوتيت من طاقة لتثبت عن جدارة في هذا الشهر الفضيل من جديد أنها ركيزة البيت دون منازع، والتي لن يقاوم الأخير الزمن من دونها ولن تعلى أسواره من الأساس لاحتضانه.
كلمة طيبة تنسيها الإرهاق والتعب وعداها يدمر كل ما بنته يداها؛
عجبا لمن يجلس أمام المائدة متأمرا، متعجرفا، متأففا.. بعد أن عبرت أحلامه القارات الخمس وهو يزاول نشاطه المعتاد: الخمول والنوم.. وكأنه يحجز في مطعم متعدد الخدمات، يأمر وينهي ويسترسل عيوب ما قدم له ثم يرمي من احترقت أصابعها من أجله بثمار القسوة ويمضي.. عجبا لمن يصوم بطنه عن الأكل ولا يصوم لسانه عن الأذى ولا يصوم قلبه عن القسوة. يروى عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن قال: «ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرِهه تركه»، فأين نحن من الأخلاق وأين نحن من المعاملات؟!