أمزازي يُلزم كل الموظفين بالتكوين المستمر تزامنا واعتماد التعليم الرقمي
اختلالات التوظيف والتكوين عجلت بوضع خطة لتأهيل المدرسين
كشفت تجربة التعليم عن بعد، التي تم اعتمادها بشكل إلزامي منذ مارس الماضي، عن وجود تفاوت كبير لدى الأساتذة في التحكم في التقنيات والمعارف التي يفرضها التعليم الرقمي، خصوصا مع اعتراف الوزارة رسميا بوجود نواقص في تجربة هذا التعليم في المرحلة السابقة، ولاسيما على مستوى المحتويات.
هذا التفاوت، عجل بتوقيع وزير القطاع سعيد أمزازي لمقرر وزاري ينظم عملية التكوين المستمر هو الأول من نوعه منذ البرنامج الاستعجالي. وهذا المقرر يلزم الأكاديميات بوضع استراتيجية لهذا النوع من التكوين، والذي أضحى، بموجب القانون الإطار للتربية، إلزاميا لكل الموظفين، بكل فئاتهم ومهامهم، بل إن القانون الإطار ربطه بالترقي المهني وتقييم الأداء.
بعد توقف لسنوات.. التكوين المستمر إلزامي
بعد توقف دام ثماني سنوات، قررت وزارة سعيد أمزازي الشروع في تنزيل ما تضمنه مرسوم القانون الإطار للتربية بخصوص إجبارية التكوين المستمر. ويتعلق الأمر بمقرر جديد يربط بين هذا النوع من التكوين والترقي المهني وتقييم الأداء المهني. تنزيل هذا المقرر سيعرف مشكلات، خصوصا في ظل جائحة كورونا، لكونه سيفرض على الأكاديميات الجهوية تسطير برامج سنوية للتكوين المستمر تعرض على مجالسها الإدارية وتنفيذها سيكون عن بعد. وأولى هذه المشكلات تتمثل في استمرار اعتراض أطراف محسوبة على الحزب الأغلبي وعرقلة مشروع مرسوم ينظم التعليم والتكوين عن بعد ويحدد مسؤوليات المتدخلين والمستفيدين. مع الإشارة هنا إلى أن الوزارة سبق لها، إبان البرنامج الاستعجالي، أن تبنت مشروعا للتكوين المستمر عن بعد إلى جانب التكوين الحضوري، والذي خصصت له حوالي 4 ملايير درهم لوحده، وهو رقم ضخم وغير مسبوق في تاريخ التعليم المغربي. غير أن هذا المشروع الواعد تم توقيفه دون سابق إنذار مع مجيء حكومة عبد الإله بنكيران.
المقرر الجديد يراهن على مأسسة التكوين المستمر وتعزيز حكامته، وجعل التكوين المستمر مواكبا للأوراش الإصلاحية لمنظومة التربية والتكوين وكذا جعل التكوين المستمر امتدادا للتكوين الأساس ومتكاملا معه، ثم الرفع من نجاعة التكوين المستمر عبر إخضاعه لمعايير الجودة، واستثمار الإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا الاتصال في تحقيق تكافؤ فرص الولوج إلى خدمات التكوين المستمر.
المقرر الجديد يستهدف، أيضا، تحسين جودة النظام التربوي من خلال ضمان جودة كفايات المدرسين. وكسب رهان تطوير النظام التربوي في مناهجه وطرائقه. وتمكين المدرسين ورجال الإدارة والإشراف من تشكيل لبنة من لبنات التجديد والتطوير. وأيضا العمل على تطوير كفايات الموارد البشرية بكيفية مستمرة ودائمة عن طريق إرساء دعائم تجديد الممارسة باستمرار. وإعداد المدرسين لاستقبال التطورات المرتقبة في نظام التربية والتكوين، ثم العمل على تحيين المهارات والقدرات والكفايات التربوية. واستكمال تكوين الإداريين والمدرسين القدامى. وأخيرا تمكينهم من الإلمام بالمستجدات التربوية اللازمة للممارسة التربوية والإدارية.
إكراهات موضوعية وذاتية في التنزيل
تنزيل هذا المقرر سيعني إما الاكتفاء بالتكوين الحضوري على غرار ما حدث إبان البرنامج الاستعجالي حين تم تبني مشروع يضمن عشرين يوما للتكوين المستمر لكل الموظفين، وهذا الاختيار يبقى رهينا بتحسن الوضعية الوبائية وطنيا وجهويا، أو اعتماد التكوين عن بعد، وهو ما لا يمكن ضمانه الآن في ظل استمرار وقوف أطراف من داخل مكتب رئيس الحكومة ضد مرسوم ينظم التعليم والتكوين عن بعد.
من الناحية التربوية والتقنية، سيواجه المقرر الجديد العديد من التحديات تتمثل في توطين منصات حديثة غير تلك التي تم خلقها إبان البرنامج الاستعجالي. والتحدي، حسب مراقبين، يكمن في تحديث المضامين الرقمية الخاصة بالتكوين عن بعد. فالدروس التي ينبغي أن توضع في المركز الافتراضي للتكوين عن بعد، ينبغي أن تتوفر فيها مواصفات معينة، وهندسة تربوية بيداغوجية وهندسة التكوين عن بعد وهندسة الدروس. فالدرس مثلا ينبغي أن يكون تفاعليا، تتوفر فيه هندسة التكوين عن بعد. هناك معايير دولية يجب أن نخضع لها. مع الإشارة إلى أن الوزارة لم تختر الحل الأسهل المتمثل في استقدام خبراء أجانب وتكليفهم بإعداد الدروس من أجل وضعها في منصة التكوين. فالموارد الرقمية التي تريدها الوزارة في تصورها هي تلك الموارد التي يكون فيها المدرس باعتباره مهندسا في قسمه، على بينة من الإكراهات التربوية والبيداغوجية. ويصطدم بالمعيقات والمشاكل التربوية. وأيضا أن يكون على دراية بحاجيات التلميذ. هذا المدرس هو الذي ينبغي أن تكون مساهمته نوعية في تنمية المضامين الرقمية.
منذ توقف الدراسة في مارس من السنة الدراسية الماضية، انتبهت وزارة التربية الوطنية إلى الفراغ القانوني الموجود في مجال التكوين عن بعد، الأمر الذي أدى إلى استنفار الإدارة المركزية المختصة بمجال التشريع القانوني لصياغة نص يواكب مستجدات اعتماد التعليم والتكوين عن بعد، خصوصا وأن القانون الإطار يعطيه صفة المكمل للتعليم الحضوري، بينما واقع الحال الآن يفرض التعامل معه كبديل أحيانا، بدليل أن المذكرة المنظمة للدخول الدراسي الحالي تتحدث عن اعتماد هذا النوع من التعليم كصيغة أولى، على أن يكون الحضوري اختياريا.
هذا المسعى الحيوي والمستعجل حرص الحزب الأغلبي، تؤكد مصادر موثوقة، على عرقلته منذ البداية، تحت ذريعة «الحاجة لنقاش مجتمعي»، علما أن الوزارة الوصية انتهت من وضع مشروع المرسوم في شهر أبريل الماضي. المصادر ذاتها تؤكد أن الحكومة لم تجد أية مشكلة في تمرير مرسوم العمل الإداري عن بعد، لكن في ما يخص التكوين عن عن بعد، فإن برلمانيي حزب رئيس الحكومة وجدوا في هذا المشروع مبررا لعرقلة الدينامية التي يعرفها القطاع، محتجين بجملة يتيمة ترد في القانون الإطار تعتبره مكملا للتعليم الحضوري. هذه العرقلة نتج عنها أن آلاف المدرسين بدون وضع قانوني واضح يحدد المسؤوليات وطرق اعتماد هذا التعليم والمؤسسات المعنية به وأشكال التقويم وغيرها من القضايا التي يطرحها هذا التعليم.
انتقال التكوين عن بعد من اختياري إلى إلزامي يفرض سندا قانونيا، غير أن الحزب الأغلبي يصر على الالتفاف على شعاراته التي تتحدث عن كون التعليم أسبقية وطنية، ويصر بالمقابل على إبقاء التعليم رهينا لحسابات سياسية تماما كما فعل سنوات إبان مناقشة القانون الإطار، حيث تحولت مسألة لغات التدريس إلى ورقة لتجييش عموم الناس، علما أن جل قادة الحزب يدرسون أبناءهم في مدارس تعتمد الازدواجية أو التعددية اللغوية.
ويتعلق الأمر بمرسوم، حسب وزير القطاع في تصريح صحفي سابق، يستهدف تثمين تجربة التعليم عن بُعد وأيضا استثمارها وتطويرها وتجويدها، مبرزا أنه «ستتم مأسسة هذا التعليم بالدخول الحكومي المقبل باعتماد مرسوم ينظم التكوين عن بُعد». هذا المرسوم لم تنص عليه مواد القانون الإطار، غير أن ظروف الجائحة فرضته، خصوصا في ظل تنامي احتجاجات في صفوف الأساتذة بسبب مشروع للأنظمة الداخلية تلزمهم بتهيئة مواد رقمية واعتمادها في التدريس عن بعد.
أي إطار نريد في التكوين المستمر؟
المقرر الجديد يضع مواصفات تتعلق بكفايات التدبير، ذلك لأن المدرس شريك فاعل في خطط الشراكة ومشاريع المؤسسات، ومن ثم يجب إعداده للانخراط في مشاريع هذه الشراكة. وأيضا مواصفات تتعلق بكفايات البحث والاستقصاء وبخاصة استقصاء محيطه، باعتباره مصدرا للتعلم. ثم مواصفات تتعلق بالكفايات البيداغوجية : كمقاربة الكفايات وطرائق التعلم الذاتي وأساليب التنشيط، وحول أساليب التقويم الموضوعي. وأخيرا مواصفات تتعلق بدور المدرس باعتباره فاعلا اجتماعيا لا يقتصر دوره على التدريس داخل الصفوف، بل يتجاوز ذلك إلى ممارسة دور فعال في المحيط وفي تربية التلاميذ على حقوق الإنسان، والشأن المحلي، وحماية البيئة، والوعي بقضايا الساكنة…
وحسب خبراء دوما، فالتكوين عن بعد ينبغي أن يسلك نهج التعاون التشاركي أو بناء المعرفة في الجماعة أي ما يسمى بـ السوسيو-بنائية . فالطرق الإلقائية لا مكان لها في التعليم أو التكوين عن بعد، فهي غير قادرة على شد انتباه المستفيد. وهذا مرتبط بمشكل عام يعرفه التعليم عن بعد على المستوى الدولي وهو الهدر، فعادة عدد المستفيدين يقل بانسحاب عدد المستفيدين لاعتبارات عدة. ولكن مع إقرار مسألة الإلزامية، فإن هذه العراقيل ستزول. كما أن منصة التكوين تعطي الأولوية للرغبة الشخصية في الاستفادة.
إكراه آخر يراه المختصون مرتبط بالموارد البشرية، فالتكوين عن بعد يتطلب ثقافة وتقنيات معينة، يتطلب كفايات تقنية تربوية علاقاتية تواصلية وهذه أمور ليس من السهولة توفرها في من سيتكلف بمتابعة أنشطة المستفيدين وتقييم أداءاتهم والتواصل معهم. إلا أن رهان الوزارة الآن على الجهوية، فرض أن كل جهة يمكنها أن توفر منصتها الخاصة بالتكوين عن بعد.
كورونا تجبر عمال الأقاليم على التدخل المباشر في سير الدراسة
وجه العديد من عمال الأقاليم والعمالات دعوة للمديرين الإقليميين ورؤساء المؤسسات التعليمية وممثلي الأساتذة وسائر الفئات للتداول بخصوص مستجدات الإصابات بفيروس كورونا في المؤسسات التعليمية. هذه الدعوات همت خاصة المؤسسات التعليمية التي شهدت تسجيل إصابات في صفوف أساتذة أو تلاميذ أو تسجيل مخالطين في صفوف هؤلاء.
وتأتي هذه الدعوات في إطار متابعة السلطات المحلية للوضعية الوبائية بالأقاليم، في ظل تسجيل تفاوت كبير بين أقاليم الجهة الواحدة في عدد الإصابات، كما هو مسجل في جهات تعرف ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات. إذ في الوقت الذي تعرف مدينة الدار البيضاء، كما تسميها البلاغات الحكومية، ارتفاعا مهولا في الأسبوع الأخير، نجد أقاليم النواصر وسيدي بنور تعرف عدد إصابات ضعيفا.
هذه المتابعة التي تقوم بها السلطات المحلية تؤكد مرة أخرى أن كل العمليات والإجراءات التي تُتخذ في وزارة التربية والتكوين لم تعد تأخذ بعين الاعتبار البعد التربوي. هذه الحقيقة خلفت ردود أفعال مختلفة.إذ في الوقت الذي تؤكد فيه جهة معينة على ضرورة أن يتم الاحتفاظ بالطالب التربوي لقطاع التعليم، سواء في اختيار التعليم الحضوري أو التعليم عن بعد، هناك جهة أخرى تثمن التدخل المباشر للسلطات المحلية، بسبب نفوذها المحلي والجهوي على جميع القطاعات والأطراف المُمثلة في المجالس الإقليمية والجهوية، في فرض احترام الاحترازات المتخذة لتجنب انتشار الوباء.
تدخل الولاة والجهات في تدبير الشأن العام عموما والتربوي أيضا، يحيلنا على ملف تدبير الامتحان الجهوي، ويتعلق الأمر بموقف صعب، تتجلى صعوبته في كون هذه الامتحانات ذات طابع جهوي، وهو ما يعني أن مناطق تعرف مستوى إصابات ضعيفا جدا كإقليم سيدي بنور وسطات مثلا سيضطر تلامذتها إلى انتظار تحسن الوضعية الوبائية في عمالات الدار البيضاء ليجتازوا هذه الامتحانات بسبب طابعها الجهوي. والأمر نفسه بالنسبة لأقاليم كثيرة كسيدي قاسم مثلا والتي عرفت تقلصا كبيرا في نسبة الإصابات ليجد التلاميذ هناك أنفسهم ينتظرون تحسن الوضعية الوبائية في القنيطرة والرباط حيث تم تسجيل رقم قياسي في عدد الإصابات.
يتعلق الأمر بـ 20 عمالة مغلقة بسبب انتشار الوباء، لكن الطبيعة الجهوية لهذه الامتحانات تفرض على تلاميذ باقي أقاليم الجهة انتظار تحسن الوضع جهويا ليتم تقرير تاريخ هذه الامتحانات. وهذا الموقف يسبب المزيد من التوتر للأسر والتلاميذ.
إلغاء هذه الامتحانات كلية كان مطلبا لعدد من الجمعيات ونشطاء التواصل الاجتماعي، غير أن موقف الوزارة ظل متشبثا بضرورة اجتياز هذه الامتحانات لأنها مكون أساسي من نظام الباكلوريا، وبالتالي ينبغي حماية مصداقية هذه الشهادة، عبر تنظيمها. وهو ما يعني أن الوزارة الوصية تدعم قرار التأجيل ولكنها تعارض قرار الإلغاء.
وتتحدث مصادر الجريدة عن أن التاريخ الذي حددته الوزارة مايزال قائما لكنه غير يقيني بسبب الارتفاع المهول لعدد الإصابات في جهات متعددة. وأكدت المصادر ذاتها أن الوزارة الوصية، والتي كانت قد حددت في وقت سابق توقيت موحدا وطنيا لهذه الامتحانات، سترمي الكرة في ملعب الولايات والأكاديميات، حيث سيسجل تاريخ التعليم المغربي لأول مرة تنظيم امتحانات موحدة في أزمنة مختلفة، وسبب هذا الحدث التاريخي هو أن تباين الوضعية الوبائية بين الجهات يفرض أن يتم اتخاذ قرار تنظيمها جهويا وليس مركزيا.
لا تمركز القرار في الامتحانات يفرض على الوزارة، حسب متتبعين، إعداد سيناريوهات مماثلة للامتحانات الوطنية وتضمين ذلك النص القانوني الذي سيراجع منظومة التقويم وامتحانات الإشهاد. فغموض الوضع الوبائي مستقبلا يفرض التفكير في تنظيم امتحانات السنة الثانية جهويا أيضا تماما كما كان معمولا به في تسعينات القرن الماضي.
في سياق التنظيم الجديد للتربية والتكوين والعمل، وانسجاما مع التحولات السوسيواقتصادية والتكنولوجية الناتجة عن عولمة الاقتصاد والتقدم المتسارع في اقتصاد المعرفة وتكنولوجيات المعلومات، أصبحت الاستشارة تكتسي مطلبا اجتماعيا وتأخذ بعدا عالميا، وبدأ أخصائيو مجال التوجيه المدرسي والمهني ينظرون بكثير من الريبة والشك للنظريات والمقاربات والتقنيات المعتمدة في مجال التوجيه المدرسي والمهني والجامعي. وقد أدى هذا التشكيك في النماذج والأساليب المستخدمة إلى بروز حقيقة تتعلق بالحاجة إلى منظور جديد لتلبية تطلعات واحتياجات الناس الذين يعيشون في مجتمعات الرقمنة والمعرفة. غير أنه، ولحل هذه المعضلة، يبدو من غير المرجح تعميم نماذج وأساليب جاهزة أُنتجت في سياقات مغايرة دون تكييفها وتبيئتها من أجل استخدامها.
عبد العزيز سنهجي مفتش منسق جهوي بأكاديمية الرباط سلا القنيطرة : عن الأهمية النفسية للاعتبارات الأخلاقية في مجتمع اليوم
إن بناء المسار الدراسي والمهني والحياتي للفرد، هو عمل يهم الفرد، ولا يتوقف على تلك الخبرة الخارجية للمستشار كما كان سابقا، وإنما أصبح دور المستشار يتعلق بمساعدة المتعلم على إيجاد طريقة في التفكير والفعل، ومنهجية للاستفادة من إمكاناته الذاتية ومصادر محيطه المتنوعة والمختلفة.
ولعل من بين الأسئلة والتحديات التي يواجهها أخصائيو التوجيه المدرسي والمهني في سياق العولمة والتقدم السريع في تكنولوجيا المعلومات، هي تلك المتعلقة بفرص العمل والشغل، حيث أصبحت أقل قابلية للتنبؤ، في ظل انتقال وظيفي أكثر قلقا وصعوبة وتقطعا. ومن هنا، أضحت أغلب نظريات وتقنيات التوجيه، تتعرض اليوم لانتقادات كبيرة لكونها تنطلق من فرضية إمكانية التنبؤ. والواقع أن السلوك البشري ليس من مسؤولية الفرد فحسب، بل أيضا هو نتاج للتفاعل مع البيئة بمكوناتها المختلفة. لذا مهما كانت الخصائص الفردية مستقرة، فإن البيئة تتغير بسرعة. وهذا هو السبب الذي يجعلنا في حاجة إلى نماذج نظرية تؤكد على المرونة الفكرية واللياقة السلوكية والقدرة على التكيف والتعلم والتكوين مدى الحياة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن نتبع أساليب جديدة لمواكبة توجيه الأفراد وفق مقاربات دينامية تحفز التفكير الإبداعي الممكن لدى الفرد، وتساعده على استكشاف إمكاناته الذاتية. كل هذا أصبح يحتم إعادة صياغة جل المفاهيم المركزية في نظريات وتقنيات التوجيه في القرن العشرين، من أجل تكييفها مع اقتصاد ما بعد الحداثة. أولا، لأنها تقوم على افتراض الاستقرار والثبات، بالمميزات الشخصية للفرد وخصائص المسارات المهنية، وتنظر إلى المسارات الوظيفية على أنها سلسلة ثابتة من الخطوات والمراحل، بدلاً من النظر إليها عبر منظور نسقي يوصف الخطوات والإجراءات، مما يحتم النظر لمراحل المسارات الوظيفية كسيناريوهات تعاش بشكل فردي.
على مستوى سيرورة بناء وتدبير مسار الأفراد:
إن تفكير الأفراد يتجه اليوم أكثر لإحداث التوازن بين الأنشطة المهنية والحياة الأسرية وتفاعلات العمل والحياة. ولهذا سنلاحظ أن العمال الذين تكون وظائفهم هامشية،أو عشوائية،أو مؤقتة أو يشتغلون لحسابهم الخاص يعيشون قلقاً كبيراً على نحو متزايد، وهو مؤشر عن الرغبة في إحداث التمفصل والانسجام بين حياتهم المختلفة بحثا عن الأمان والاستقرار. ولعل من أهم النتائج الرئيسية للتفاعلات المتبادلة بين الفرد ومختلف مجالات الحياة، أنه لم يعد في الإمكان التحدث بثقة كبيرة عن التوجيه المهني أو المشورة في المدرسة. بل نحن بحاجة إلى النظر في «سيرورات بناء وتدبير مسار حياة الأفراد» التي يخطط من خلالها الأفراد تدريجيا ويبنون حياتهم من خلال مسارهم الوظيفي. حيث لم يعد المراهقون فقط الذين يواجهون السؤال الرئيسي: «ماذا سأفعل بحياتي؟» وإنما جميع الأفراد يواجهون سلسلة من الانتقالات والانعطافات المهنية والتحولات الرئيسية في مجالات حياتهم، سواء كانت تغييرات في الصحة أو العمل أو العلاقات الاجتماعية أو العائلية أو الحميمية. إن الاختيار هنا ليس مسألة رغبة واهتمام فقط، وإنما ملاءمة بين معايير وأوليات تحددها تجربة وتطلعات الفرد، إنها المفاتيح الرئيسية التي تقود وتشكل خيارات الفرد ومدلولاته الأخلاقية. وقد تشمل هذه المثل العليا تحقيق الذات، وتحقيق الإنصاف والعدالة الاجتماعية، والاحترام المتبادل، أو الاهتمام بالآخرين… وهذه العناصر هي التي تعتمل في تفكير الفرد، وتشكل حتماً مرجعا للفرد للانخراط في المستقبل أو ترصيد الماضي أو بناء الحاضر. كل هذه الاعتبارات الأخلاقية ليست جديدة في نشاط التفكير في حياة المرء. وإنما كانت حاضرة دائما في تأملات الشباب الذين كانوا قلقين بشأن اختيارهم للتوجيه. ومع ذلك، في مجتمع اليوم، الاعتبارات الأخلاقية لها أهمية نفسية أكبر للاعتبارات التالية: أولاً، يضطر الأفراد الآن إلى التفكير في أكثر ما يهمهم، لأن الفرد يشعر بأنه محروم ومعزول في عالم يفتقر فيه للدعم النفسي والشعور بالأمن والأمان الذي توفره البيئات الأكثر «تقليدانية»؛ ثانياً، يدرك الناس على نحو متزايد المخاطر الجديدة التي تشكلها طريقة حياتهم الحالية. وبالنظر إلى هاتين الظاهرتين، يبدو من الأهمية بمكان أن يحاول أخصائيو التوجيه بناء نماذج تأخذ بعين الاعتبار الحالات وخصائص السياقات.
على مستوى إعادة صياغة أهداف مواكبة مسارات الأفراد:
إن العلاقة الجديدة بين الفرد وعوالم الدراسة والتكوين والشغل تقتضي وضع عُدد جديدة وتنفيذ مخططات مواكبة لتنمية كفايات وقدرات الأفراد، وينبغي أن تساعد هذه التدخلات التوجيهية الأفراد على التفكير في جودة حياتهم ضمن السياقات التي يعيشون فيها. والهدف من هذا التفكير هو مساعدتهم على حل المشاكل التي قد تنشأ عندما ينخرطون في بناء حياتهم، وذلك بالتوفيق بين احتياجاتهم ومتطلبات السياقات، ولا سيما احتياجات الدراسة والتكوين والعمل. إن مشاكل التوجيه المعاصر، المتعلقة بالطريقة التي يبني بها الأفراد حياتهم، تؤدي إلى سؤال بحثي مختلف عن تلك التي صيغت سابقاً بشأن المطابقة بين الفرد والمحيط المهني: ما هي عوامل وعمليات بناء الشخص لنفسه؟ في حين أنه من المهم دائمًا فهم كيفية اختيار الناس لمهنتهم وكيفية تطور المسارات المهنية بمرور الوقت، إلا أننا نحتاج الآن إلى فهم أفضل لكيفية بناء الأفراد لحياتهم من خلال أعمالهم ووظائفهم. ويجب أن نسعى إلى الإجابة عن السؤال التالي: كيف يمكن للأفراد أن يبنوا حياتهم على أفضل وجه في المجتمع البشري الذي يعيشون فيه؟ وتبرز هذه المسألة البحثية على الفور الحاجة إلى مراعاة الأنشطة في مختلف مجالات الحياة، بدلا من مجرد مجال العمل. ومن خلال المشاركة في أنشطة تتوافق مع أدوار مختلفة، يحدد الأفراد تلك التي يتردد صداها مع ما هو محوري وأساسي بالنسبة لهم. ومن خلال أنشطتهم، في ما يتعلق بخطاباتهم حول تجاربهم، يبني الناس أنفسهم، ومن ثم يتم بناء مسارات الحياة، خاصة عندما يتخذون خيارات تعبر عن مفاهيمهم الذاتية. ويتم بناء مفهوم الذات، أيضًا، من خلال تجارب محددة يعيشها الأشخاص في مختلف البيئات التي يتواجدون بها، ويستند الإرشاد في التوجيه على هذه الخبرات كموارد مهمة لمشاريع بناء الحياة. ويمكن تغيير مفهوم الذات للناس عن طريق تجارب جديدة أو حتى في بعض الأحيان عن طريق مراقبة سلوك الآخرين، فمصالحهم ليست مغلقة ونهائية تماما، وذواتهم ليست جامدة وإنما في بناء وإعادة بناء دائمين.
متغيرات النموذج الإرشادي
يجب أن نؤكد أن هذا النموذج الإرشادي يتأسس على التطور والنماء الدائمين للأفراد والاقتصاد والمجتمع. ويحتاج لتوفير البيانات والمعرفة والمهارات المطلوبة لمحللي السياقات البيئية والمعطيات غير الخطية والحقائق الذاتية المتعددة والنمذجة الدينامية والعمل وفقًا لذلك. إن التأسيس لهذا المنظور الجديد لتطوير نموذج إرشادي داعم لمشروع تدبير المسار الحياتي في ظل تحديات القرن الحادي والعشرين، يتطلب الانتباه للمتغيرات التالية:
متغير السياقات والحالات والمميزات: لقد تأثر علماء النفس في القرن العشرين بالعلوم الدقيقة، واعتبروا أن هناك قوانين علمية عالمية قادرة على التحكم في السلوك البشري. لذلك يركز البحث على سمات الشخصية وعوامل الاستعداد من أجل وصف كل من الأفراد والمهن. ثم، بعد ذلك، استخدموا ملفات توصيف جانبيات الأشخاص لتشخيص أفضل تطابق بين الشخص والبيئة، ومن ثم تقديم خطة خاصة لطالبي الاستشارة. ولتحسين هذه التشخيصات والقرارات من حيث التوجه أو القابلية للتوظيف، أدخلوا المهارات الفنية والمهارات الاجتماعية، سواء كانت مهارات أساسية أو قابلة للتحويل أو محددة. وتتمثل المفارقة الأساسية في كون هذه الأساليب تقود المستشارين إلى البحث عن أفضل المطابقات الممكنة بين خطط حياة من يستشيرونهم وظروف البيئة، باستخدام الأدوات والطرق التي تحد من تأثير المعلومات السياقية.غالبًا ما يعتمد خبراء الاستشارة التدابير الموضوعية والملامح الموحدة في تقديم استشاراتهم. هذه الأساليب لا تزال غير كافية لوصف الأشخاص الذين يتفاعلون في سياقات متعددة وكيف يتكيفون معها. يجب أن يُنظر إلى الهويات المهنية على أنها تغيير في أنماط حياة الشخص، بدلاً من الاقتصار على نتائج اختبارات يفترض أنها ثابتة ومجردة ومبسطة. فالفرد ونظامه الإيكولوجي يشكلان كيانًا معقدًا وديناميا ينتج عن التنظيم الذاتي للتكيف المتبادل مع مرور الوقت.
متغير السيرورة عوض الوصف الجاهز: أظهرت دراسة طويلة أجراها مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة (2002) أن الشباب دون سن 36 يغيرون وظائفهم في المتوسط كل عامين تقريبًا. في حين أكدت دراسات أخرى أن الأفراد أصبحوا يزاولون أكثر من مهنة، ومعظم المهن غير مستقرة، و70 في المائة من مواليد اليوم سيمارسون مهنا غير موجودة أصلا…، لذا فإن الاختيار الوحيد لوظيفة واحدة مدى الحياة هو أسطورة أكثر منه حقيقة. ومن المؤكد أنه في القرن العشرين تم توظيف العديد من الناس لعقود عمل طويلة الأمد على أساس تكريس الولاء والأمن. والمفارقة الحالية هي أن خبراء الاستشارة يواصلون تحليل الوضع بنفس الطريقة والمقاربة من حيث الحياة الوظيفية، في حين أن الناس يغيرون وظائفهم باستمرار. وبالنسبة لغالبية الناس الذين يلجؤون إلى خبرة مستشاري التوجيه، لم يعد التحدي يتمثل في اتخاذ خيار مهني واحد، بل تحمل المسؤولية في سيرورة بناء مسارهم الوظيفي وتكوين هويتهم. لذا من الأفضل التركيز على استراتيجيات فعالة لحل المشاكل والبقاء على قيد الحياة وديناميات التكيف والتخطيط لبناء الحياة عبر مناقشة مع أولئك الذين يستشيرونهم «كيف يفعلون؟» وليس «ماذا يفعلون؟».
انطلاق امتحانات التكوين المهني
قام سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، يوم الخميس 17 شتنبر2020، بمعية الكاتب العام لقطاع التكوين المهني والمديرة العامة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، بزيارة ميدانية لمركزي الامتحان بكل من المعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية بسلا الجديدة ويعقوب المنصور بالرباط. وتندرج هذه الزيارة في إطار تفعيل المخطط المتكامل الذي وضعته الوزارة لاستكمال العمليات المرتبطة بالموسم التكويني 2019-2020، والذي من بين محاوره إجراء امتحانات نهاية التكوين التي سبق تأجيلها بسبب تطور الحالة الوبائية ببلادنا وفق برنامج مدقق. هذا ووقف الوزير والوفد المرافق له، على التدابير الاحترازية المتخذة بالمركزين المذكورين وعلى الجهود المبذولة لتوفير الشروط اللازمة للحفاظ على صحة وسلامة المترشحات والمترشحين وهيئة التأطير الإداري والبيداغوجي بتنسيق مع السلطات المختصة، حتى تمر الامتحانات في أحسن الظروف.
كورونا يفرض إجراءات خاصة لتنظيم الامتحانات بالجامعات
تعيش مختلف المدن الجامعية، على امتداد الأيام الجارية، حركة دؤوبة محورها الأساسي طلبة قدموا لاجتياز الامتحانات، خصوصا في الرباط وأكادير وتازة؛ فيما لا تزال مؤسسات أخرى تنتظر مزيدا من الاطمئنان الوبائي للتأشير على الاختبارات. وعلى مستوى الرباط، خاض طلبة كلية العلوم بجامعة محمد الخامس، أولى الامتحانات في جو من الحيطة، بعد تزامنها مع توافد الحاصلين على الباكالوريا من أجل التسجيل في السنة الدراسية المقبلة بالجامعة. وفي أكادير، وفرت جامعة ابن زهر عددا من اللوازم الوقائية للطلبة بداية بالكمامات ومعقم الأيدي، حسب ما أوردته شهادات لطلبة اجتازوا الامتحانات؛ لكن التواجد الكثيف للطلاب بالمدينة جعل المخاوف تتضاعف، خصوصا بعد الارتفاع الصاروخي للمصابين بالجهة. وفي مقابل اختيار العديد من المؤسسات اجتياز الامتحانات خلال الشهر الجاري، قررت جامعات أخرى تأجيلها إلى غاية موعد لاحق؛ وعلى رأسها ابن مسيك بالدار البيضاء وكلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد الخامس بالرباط.
كاتب الدولة السابق يستغل سلطة رئاسة الحكومة لحماية «مكاسب» حزبه في قطاع التعليم
خالد الصمدي.. خرج من باب الحكومة وعاد من نافذة ديوان رئيس الحكومة
لم تمنع الظروف الاستثنائية التي يمر منها المغرب عموما وقطاع التعليم خصوصا، من استمرار حزب العدالة والتنمية في استغلال موقعه في قيادة الأغلبية الانتخابية لخدمة أجندته الخاصة..، خصوصا بعد أقل من سنة على حدث الانتخابات. حيث تواجه وزارة التربية الوطنية «حربا» حقيقية على مستوى البرلمان والحكومة في عرقلة إصدار العديد من القرارات وأيضا العديد من القوانين، سواء تلك التي نص عليها مرسوم القانون الإطار، أو تلك التي فرضتها الظروف الخاصة التي فرضتها جائحة كورونا. بدا هذا واضحا، وخاصة في التعليم العالي، عندما احتكر العدالة والتنمية القطاع لسبع سنوات متتالية، حيث ساد تشنج خرجت بعض أصدائه للإعلام بين الوزير الحالي سعيد أمزازي وكاتب الدولة السابق في التعليم العالي خالد الصمدي. واليوم تواجه الوزارة حربا تشريعية يقودها الصمدي من خلال موقعه كعضو في ديوان رئيس الحكومة وأيضا كمنسق للجنة الدائمة للتربية والتكوين.
منسق غير حكومي لقطاع حكومي
سادت قناعة في وسط مسؤولي وزارة التربية الوطنية منذ خروج خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق في التعليم العالي، من الحكومة، على أن الرجل سيصبح «العدو الأول» للوزارة، وخاصة منذ قرار رئيس الحكومة سعد الدين العثماني تعيينه منسقا للجنة الدائمة للتربية والتكوين. وهي لجنة تم إحداثها بموجب مرسوم تمت المصادقة عليه قبل ثلاث سنوات. هذه اللجنة التي يرأسها رئيس الحكومة، قرر العثماني أن يحول رئاسته لها إلى نافذة يستطيع معها الحزب وأجهزته الدعوية والنقابية ممارسة تدخلاته في القطاع، خصوصا مع فقدانه حقيبة التعليم العالي، التي ظل الحزب يحتكرها منذ سبع سنوات. مصادر الجريدة أكدت أن الصمدي استأنف، مباشرة بعد إعفائه، سلسلة اتصالاته مع الوزراء المعنيين بقطاع التربية والتكوين، من موقع «وزير فوق العادة» وليس من موقعه كمستشار لرئيس الحكومة. فبدل، تضيف نفس المصادر، أن يتبع كاتب الدولة الأسبق، «البروتوكول» المعمول به، والمتمثل في حصر اتصالاته مع دواوين الوزراء المعنيين بمرسوم اللجنة سابقة الذكر، فإنه يجري اتصالات مباشرة بهؤلاء الوزراء. وتوقعت المصادر ذاتها حدوث تشنجات بين الصمدي وحزبه من جهة، والوزيرين المسؤولين عن التعليم من جهة أخرى. وأكدت المصادر ذاتها أن الصمدي تم تعيينه مستشارا بأجندة واضحة وهي حماية مكتسبات الحزب وتنظيماته الموازية في قطاع التعليم، ولاسيما في قطاع التعليم العالي. حيث باتت النقابة التابعة للحزب في هذا القطاع طرفا لا غنى عنه في أي حوار قطاعي، وذلك بتدخل مباشر من طرف الصمدي شخصيا، والذي يعد أحد مؤسسي هذه النقابة، علما أن نسبة انتشار هذه النقابة في مؤسسات التعليم العالي، وكذا تمثيليتها في صفوف العاملين بالقطاع شبه منعدمة في جامعات كثيرة. فضلا عن حماية «الكوطا» الحزبية في جملة التعيينات التي يقوم بها مجلس الحكومة أسبوعيا، والتي غالبا ما تكون لرئيس الحكومة الكلمة الفيصل في إقرارها، خصوصا التعيينات على مستوى رئاسة الجامعة وعمادة الكليات وإدارة مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات.
التشويش على عمل وزيرين
هذا التصور هو الذي تم إقراره في المرسوم السابق الذكر، حيث تم إحداث لجنة وزارية دائمة للتربية والتكوين تحت رئاسة رئيس الحكومة، تتألف من 18 قطاعا حكوميا، فضلا عن القطاعات المعنية بالتعليم والتكوين، ووزارات أخرى منها الأوقاف والشؤون الإسلامية والعدل والحريات والاتصال والشباب والرياضة والتجهيز والنقل، إضافة إلى التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية ووزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة. ويناط بهاته القطاعات الحكومية، وفق نص المرسوم المحدث للجنة الوزارية الدائمة، تنسيق السياسات والبرامج القطاعية المرتبطة بأجرأة مشاريع إصلاح منظومة التربية والتكوين، إضافة إلى «تداولها بشأن التدابير، التي تعتزم الحكومة اتخاذها بخصوص تنفيذ مشاريع إصلاح منظومة التربية والتكوين، المقترحة من قبل السلطات الحكومية المعنية»، ودراسة وإبداء الرأي في التقارير، التي تعدها السلطات الحكومية المعنية بشأن حصيلة تنفيذ مشاريع منظومة التربية والتكوين. وتعقد اللجنة الوزارية اجتماعاتها، وفقا للمادة الخامسة من المرسوم، بدعوة من رئيسها مرتين على الأقل في السنة، خلال شهري يناير ويوليوز كلما دعت الحاجة، وفق جدول أعمال محدد، كما يمكن لها إحداث لجان متخصصة لمساعدتها على القيام بمهامها على الوجه الأمثل. وتتولى السلطة الحكومية، المكلفة بالتربية الوطنية، تنسيق وتتبع تنفيذ القرارات والتوصيات، الصادرة عن اللجنة الوزارية. كما تشير المادة الثانية من المرسوم إلى ضرورة مراعاة الاختصاصات الموكولة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، والمتمثلة في إبداء الرأي في قضايا التربية التكوين، وإنجاز الدراسات والأبحاث سواء بمبادرة منه أو بطلب من الحكومة.
هذه الصلاحيات تعني أن خالد الصمدي سيستفيد من سلطة رئاسة الحكومة في التدخل في القرارات المختلفة، لاسيما في قطاعي التعليم المدرسي والعالي. كما ستعطيه إمكانية أن يشرف على مشروع شخصي استفادت منه المدارس العليا للأساتذة التي ينتمي وظيفيا إليها. مما يعني أن الصفة السياسية الواضحة لعمله كمسؤول حكومي سابق ستصبح أكثر قوة، لكونه سيختبئ وراء مؤسسة رئاسة الحكومة. وهو الأمر الذي يهدد جهود وزيري القطاع، أمزازي وأوعويشة في تنزيل القانون الإطار، خصوصا في الشق المتعلق بلغات التدريس أو الإصلاح البيداغوجي للجامعة. كما من شأنه أن يكون عامل تشويش على عمل المديريات المختلفة لقطاعات التربية والتكوين، كما كان عليه الحال عندما كان الصمدي في ديوان رئاسة الحكومة على عهد عبد الإله بنكيران.
المخاوف من تشويش الصمدي على عمل الوزيرين، هي مخاوف جدية، وهناك «سوابق» له في مشاريع كثيرة فاشلة من بينها المشروع الفاشل «تكوين عشرة آلاف إطار»، وهو مشروع تورطت فيه حكومة بنكيران قبل أن يتم حله تدريجيا بطريقة تضرب في العمق تكافؤ الفرص بين أبناء المغاربة من حاملي الشهادات العليا.