شوف تشوف

الرأي

أمريكا تعترف بفشل برنامجها لتدريب المعارضة السورية «المعتدلة»

تعيش الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في الشرق الأوسط حالة «إنكار» دائمة عنوانها الأبرز عدم الاعتراف بفشل استراتيجيتها، والهزيمة في جميع حروبها، واعتمادها في معظم الأحيان على المرتزقة والفاسدين.

هذه الإدارة دربت الجيش العراقي وأنفقت عليه أكثر من 26 مليار دولار، وانهزم قبل أن ينخرط في أي مواجهة مع قوات «الدولة الاسلامية»، وقادت تدخلا عسكريا في ليبيا، ولم تحصد غير الفوضى الدموية، وحاصرت إيران لأكثر من ثلاثين عاما، ورضخت في نهاية المطاف، ووقعت معها اتفاقا يعترف بها كقوة نووية.

النجاح الوحيد الذي يحسب للسياسة الأمريكية هو توفير كل أسباب القوة والتفوق والحماية لدولة العدوان الاسرائيلي، وهو نجاح لا يعود لها بالدرجة الأولى، وإنما إلى خنوع الأنظمة العربية وضعفها، وانعدام الوازع الديني والأخلاقي والوطني لدى معظمها، ولا نستثني السلطة الفلسطينية.

حتى هذا النجاح يظل مؤقتا، وبدأ يتآكل وبسرعة ملحوظة، لأن هذه الفوضى الدموية التي زرعتها الولايات المتحدة في المنطقة من خلال تدخلاتها العسكرية هي الحاضنة الأدفأ للجماعات الاسلامية المتشددة، وهؤلاء سيصلون حتما إلى العمق الاسرائيلي، سواء كانوا من أتباع المذهب الشيعي أو السني.

بالأمس اعترف المتحدث باسم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن برنامج وزارة الدفاع (البنتاغون) لتدريب «المعارضة السورية المعتدلة» التي من المفترض أن تقاتل الجماعات المتشددة من قبيل «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة» فشلت فشلا ذريعا. وقالت قناة «سي بي إس» الأمريكية التي نقلت كلام هذا المتحدث «أنه تم القضاء أو اختفاء نصف فرقة المقاتلين حتى قبل أن يحتكوا بـ «الدولة الاسلامية»، وأضافت أن هذه الخسائر لحقت بهم نتيجة المعارك مع «جبهة النصرة»، ونوهت أن البنتاغون أنفق على تدريب 60 مقاتلا خلال شهرين أكثر من 42 مليون دولار، فيما تدقق الاستخبارات الأمريكية في صلاحية سبعة آلاف متطوع آخرين، للتأكد من مدى توافقهم مع المعايير الأمريكية لقبولهم.

ما هي هذه المعايير الأمريكية؟ الإجابة بكل بساطة أن يحارب هؤلاء الجماعات «الجهادية»، وأن يكونوا منزوعي الوطنية والأخلاق والكرامة، وكل قيم العروبة والإسلام. مطلوب من هؤلاء أن يتحولوا إلى «مرتزقة» يقاتلون من أجل المال، والمال فقط.

بمعنى آخر أن العقيدة القتالية لهؤلاء هي «حب المال» لا غير، وأن يضحوا بأرواحهم من أجل حفنة متواضعة منه، لأنهم عاطلون عن العمل، وبلدهم سورية مدمر من قبل الأمريكيين، وحلفائهم بالدرجة الأولى.

كيف يمكن أن يصمد هؤلاء أو أمثالهم في مواجهة إسلاميين، اتفقنا معهم أو اختلفنا، عقيدتهم القتالية هي «الشهادة»، ويتنافسون فيما بينهم على ارتداء الأحزمة الناسفة، والوقوف في مقدمة طابور العمليات الانتحارية أو «الانغماسية»، حسب أدبياتهم؟
حركة «طالبان» التي قاتلت الاحتلال الأمريكي لبلادها طوال الأعوام الـ 14 الماضية تتواضع أمام جبهات مقاتلة مثل «الدولة الاسلامية» و«النصرة» و«أحرار الشام»، وهزيمة أي من هذه الجماعات على أيدي هؤلاء الشباب المغرر به، تحت مسمى «الاعتدال» شبه مستحيلة، إن لم تكن مستحيلة فعلا، ولذلك سيهربون من الميدان، أو سيرفعون رايات الاستسلام البيضاء، أو حتى قمصانهم، إذا تعذر عليهم وجودها، بمجرد خروجهم من المعسكرات الأمريكية التي يتمركزون فيها.

من الصعب أن نتصور أن أمريكا التي فشلت في هزيمة طالبان والمقاومة العراقية، مثلما فشلت في القضاء على تنظيم «القاعدة»، بعد حرب على الإرهاب استمرت عشرين عاما، نقول من الصعب عليها أن تهزم «الدولة الاسلامية»، وحتى إذا افترضنا أنها نجحت في ذلك بمساعدة حلفائها العرب والأتراك، فإن هذه الهزيمة ستكون مؤقتة ومكلفة جدا ماديا وبشريا.

أمريكا تعتمد في رسم استراتيجياتها على حلفاء فاسدين، وبنوك معلومات تنفق عليها ملايين الدولارات من أجل معلومات ودراسات لا تمت للحقيقة بصلة، ليس لأنها تريد تضليل أمريكا، معاذ الله، وإنما لأنها غير مؤهلة عمليا للقيام بأي مهمة نافعة وموضوعية.

أربع سنوات والمخابرات الأمريكية تشرف على تسليح المقاتلين لإسقاط النظام السوري، بينما ينشغل الحلفاء العرب والأتراك في تكوين الأجسام السياسية، وينفقون المليارات من الدولارات على التسليح والتمويل وتغطية النفقات، وتشجيع الانشقاقات العسكرية والدبلوماسية، فكيف جاءت النتيجة؟ يبحثون الآن عن حلول سياسية لإنقاذ «ماء الوجه» عنوانها الأبرز بقاء الرئيس الأسد في قمة السلطة، لمرحلة انتقالية، قد تطول أو تقصر، ثم ترتيب انتخابات عامة يعود من خلالها إلى الحكم بشرعية صناديق الاقتراع.

أمريكا وباختصار شديد، تخدعنا، وتمتص أموالنا، وتفتت بلداننا، وتقتل مئات الآلاف من أبنائنا في حروبها، وهناك من بيننا من يصفق لها.

نحن كعرب ومسلمين نستحق ما هو أكثر من ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى