أمريكا ترضخ لشروط موسكو بعدم الحديث عن مستقبل الأسد
ثلاثة تطورات رئيسية يمكن رصدها على صعيد المشهد السوري عززت موقف الرئيس السوري بشار الأسد وموقعه في قمة السلطة، وأضعفت خصومه في المعارضة السورية في الوقت نفسه، وهي تطورات ستكون عاملا مؤثرا في رسم خريطة المستقبل السوري سياسيا وعسكريا:
الأول: تفجيرات بروكسيل التي أبرزت قوة وخطر “الدولة الاسلامية” من حيث نجاحها في نقل الحرب إلى عواصم الدول الأوروبية، وإثبات قدرتها على اختراق القلاع الأمنية الصلبة المكلفة بحماية المطارات ومحطات القطارات، وتجنيد خلايا محلية انتحارية، لتنفيذ هذه التفجيرات، وتأكيد وجهة النظر السورية الروسية المشتركة بضرورة إعطاء الاولوية لمحاربة الارهاب، والتسريع في إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية.
الثاني: بدء حملة الربيع العسكرية في كل من سورية والعراق، ونجاح قوات الجيش العربي السوري النظامية في استعادة مدينة تدمر وقلعتها الاثرية، وتقدم قوات الجيش العراقي المدعومة بقوات البيشمرغة الكردية، وغطاء جوي أمريكي في التقدم نحو الموصل.
الثالث: عدم وجود أي نص في وثيقة المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا التي تضمنت 12 نقطة حول مستقبل الرئيس السوري، والتأكيد على علمانية الدولة السورية، ووحدة أراضيها وسيادتها، وهذا يعني انه لن يكون هناك أي دور في مستقبلها، أي الدولة السورية، للجماعات والحركات الاسلامية المعتدلة أو المتشددة.
وما يؤكد هذه الخلاصة التي ذكرناها في مقدمة هذا المقال، إعلان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي في تصريح صحافي نقلته وكالة أنترفاكس الرسمية “أن الولايات المتحدة تفهمت موقف موسكو بأنه ينبغي عدم مناقشة مستقبل الرئيس الأسد في الوقت الراهن”.
هذا التأكيد جاء بعد اجتماع مطول استمر أربع ساعات في الكرملين حضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف من ناحية، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي والوفد المرافق له من الناحية الأخرى.
وما يمكن استخلاصه من هذا الإعلان الروسي والظروف المحيطة به، أن ما أعلنه السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري في مؤتمره الصحافي الذي عقده قبل بدء مفاوضات جنيف بيومين من أن “مقام” الرئيس الأسد خط أحمر لا يمكن، بل غير مسموح، المس به لأنه ملك للشعب السوري هو الذي تحقق، بل تأكد، في ختام الجولة الأولى من محادثات جنيف في الوقت الراهن على أقل تقدير.
تفجيرات بروكسيل، وندم الرئيس باراك أوباما على تدخل بلاده العسكري في ليبيا، واتهامه الصريح للمملكة العربية السعودية بنشر التطرف والارهاب في مقابلته مع مجلة “أتلانتيك” كلها مؤشرات تصب في مصلحة بقاء الرئيس الأسد في المستقبل المنظور، وباتفاق وجهات نظر الدولتين العظميين على وجه الخصوص.
إذا تأملنا مسيرة مفاوضات مجموعة فيينا للتوصل إلى حل سياسي في سوريا نجد أنها تتضمن تراجعات تدريجية عن كل ما جرى التوافق عليه حول المرحلة الانتقالية لمصلحة تعزيز وجود النظام السوري والتسليم بمعظم شروطه ومطالبه، فهيئة الحكم الانتقالي، تحولت إلى “هيئة حكم سياسي”، وصلاحياتها تآكلت عندما أصبح الحديث السائد عن حكومة موسعة من السلطة والمعارضة ثلثها من النساء، ولا نص على رحيل الأسد سواء، في بداية هذه الهيئة أو في نهايتها.
ولا نعرف من أين سيأتي وفد الهيئة العليا للمفاوضات القادم من الرياض إلى جنيف، حيث غير مسموح للمرأة السعودية قيادة السيارة، ناهيك عن المشاركة في الوزارة، على عشر نساء مثلا أو حتى خمس، وجميع أعضاء وفده إلى مفاوضات جنيف من الرجال باستثناء سيدة واحدة، وكبير مفاوضيه السيد محمد علوش يتزعم تنظيم “جيش الاسلام” المتشدد ويرفض العلمانية ويعتبرها كفرا.
باختصار شديد نقول أن الجانبين الروسي والأمريكي اتفقا على أنهما بحاجة ماسة إلى الجيش السوري النظامي للمشاركة في الحرب للقضاء على التنظيمات الجهادية الاسلامية المتشددة، و”الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” على وجه الخصوص، وتقدمه المفاجئ نحو تدمر، ومعاركه الطاحنة في دير الزور هي بداية تنفيذ الاتفاقات السرية في هذا الخصوص.
هذه هي الحقيقة التي يجب أن تسلم بها المعارضة السورية التي بدأ حلفاؤها يتخلون عنها تدريجيا، ابتداء من تركيا التي وصلت التفجيرات الارهابية إلى عاصمتها السياسية والاقتصادية، ودمرت صناعتها السياحية التي تدر 36 مليار دولار على خزينتها سنويا، ومرورا بقطر التي اختارت البقاء في الظل، وتخلت عن دورها القيادي في بداية الأزمة السورية، وانتهاء بالمملكة العربية السعودية التي تورطت في حرب اليمن، وما زالت تعيش صدمة اتهامات أوباما لها بدعم الارهاب، وتبرئة إيران، خصمها الاستراتيجي منه، ومطالبتها بسلام بارد معه، ورفضه الانجرار إلى خوض حروبها الطائفية نيابة عنها مثلما تريد.
لكل هذه الأسباب، وغيرها، لم نعد نسمع السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي وتصريحاته “الصقورية” بحتمية رحيل الرئيس الأسد بالسلم أو الحرب التي اشتهر بها، وأصبحنا نسمع في الفترات الأخيرة عن شائعات بقرب حدوث تغيير وزاري سعودي يكون أحد ضحاياه، والله أعلم.