أمريكا بعيون والت
إميل أمين
يعد البروفيسور الأمريكي، ستيفن والت، عالم السياسة الأمريكي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعتي هارفاد وشيكاغو، أحد أفضل العقول الأمريكية، بل والدولية لما له من قدرة على تشخيص أحوال ومآلات العالم، وهو صاحب سلسلة من الكتب المهمة، والتي تلمس أسلاكا عارية وقضايا ملتهبة.
على مشارف العام الجديد أفردت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية الشهيرة قراءة معمقة لقادم أيام الولايات المتحدة، في السنة الجديدة، وبشكل خاص ما يدور من حول الرئيس جو بادين، وحظوظ عامه الرئاسي الجديد.
تتسم رؤية البرفيسور «والت» بالكثير من الحصافة وبعد النظر، وتنسحب آراؤه العقلانية على أوضاع الرئيس بايدن، والذي يعتبره قليل الحظ بما ورثه من قلاقل واضطرابات من سلفه ترامب، ويذهب إلى أن الرجل تسلم قيادة الولايات المتحدة في وقت شديد الصعوبة، يعاني العالم بأسره من جائحة كورونا، والتي أوقعت في الداخل الأمريكي خسائر بشرية تفوق نظيرتها في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
لماذا يعد هذا العام مفصليا بالنسبة لرئاسة بايدن؟
المعروف أنه في نونبر المقبل سوف تجري انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وهناك ستدور معركة حامية الوطيس بين «الجمهوريين» الذين يراهنون على ضعف أداء إدارة بايدن، ويأملون في السيطرة الكاملة على مجلس الشيوخ من جهة، ومحاولة تغيير الوضع في النواب. ولعل ما يجعل المشهد مثيرا للقلق، هو حالة الاستقطاب الحادة الجارية في البلاد، والممزوجة بمعالم وملامح العنف المسلح والصدامات المتوقع حدوثها بين الأمريكيين.
يصف «والت» المجتمع الأمريكي في الوقت الراهن بأنه مجتمع منقسم بشكل مخيف، ونسبة كبيرة من الأمريكيين يحيون في عوالم بديلة مليئة بالأكاذيب والأفكار المغلوطة عن الواقع، وفي ظل مجتمع دولي من الحلفاء المنقسمين على أنفسهم في الأساس. تبدو الأزمة الداخلية الأمريكية المجتمعية عميقة وخطيرة بالفعل، وتعود بنا إلى دائرة القول التقليدي عن انهيار الحضارات الكبرى، وكيف أنه يبدأ من داخلها وليس من خارجها، وحال إضافة التحديات التي تواجه المشروع الإمبراطوري الأمريكي كونيا، يخلص المرء للقول إن 2022 سيكون عام اختبار جوهري.
يرى «والت» أن الفخ الصيني يبقى مهددا في السنة الجديدة، وإنْ ذهب للقول بأن واشنطن وبكين تعملان على خفض حدة الأزمة والتعاون بشأن خفض أسعار الطاقة، ومعالجة المخاوف المناخية، والمواجهة هي آخر ما يحتاجه الطرفان في الوقت الحالي.
من جهة ثانية، يبقى الفخ الروسي قائما وقادما، ورغم لقاء جنيف الأخير، إلا أن غالبية أجهزة الاستخبارات الأمريكية لا تأمن جانب بوتين، وما يمكن أن يقدم عليه في الشأن الأوكراني.
في تحليله، يبدو«والت» من الذين يدينون أخطاء ترامب من وجهة نظره، وعنده أن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران هو الذي مكنها من امتلاك اليورانيوم عالي التخصيب، ومن هنا يفسر تعهد بايدن بإعادة خطة العمل المشتركة مرة أخرى.
ينبه «والت» إلى إشكالية المصداقية الأمريكية التي تأثرت حول العالم من جراء الالتزامات الأمنية المغالى فيها من وجهة نظره سابقا، والمطالبة اليوم بانعزال يوفر المال والدم الأمريكيين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يرى أن مصداقية أمريكا تتقوض بسبب الاستقطاب المحلي والخلل السياسي في التعاطي مع التغيرات الجيوبوليتيكية الدولية. هل هو عام صعب لأمريكا؟ أغلب الظن ذلك كذلك.