أليس من حقنا السؤال لماذا لا تدخل طائرات «عاصفة الحزم» لنجدة الأقصى؟
لو كان الحوثيون «الرافضة» و«المجوس» المدعومون من إيران هم الذين يقتحمون المسجد الأقصى ويعيثون فيه فسادا، ويعتدون على المصلين والحراس المدافعين عنه لربما شاهدنا الطائرات الحربية العربية من أحدث ما أنتجته المصانع الأمريكية تتدفق، ومعها آلاف الجنود لنصرة القبلة الإسلامية الأولى، والدفاع عنها، ولكن الذي يقتحم الأقصى الآن هم اليهود المتطرفون «أهل الكتاب»، والاحتياط الاستراتيجي للعرب في حربهم المنتظرة ضد «المجوسي» الأكبر في طهران، ولهذا يقتصر رد الفعل العربي الرسمي على المناشدات الاستجدائية لمجلس الأمن الدولي وقادة أمريكا وأوروبا للضغط على اسرائيل وتحذيرها من مغبة أفعالها ومستوطنيها هذه، مثلما فعل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اليوم الأحد، وعدة ملوك ورؤساء وأمراء آخرين.
اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى ليست أمرا ملحا، والعمل على تقسيمه زمانيا ومكانيا، ليس بالقضية الخطيرة، والاعتداء على المصلين المرابطين دفاعا عنه مسألة روتينية لا تستحق العجلة، أو هكذا يقول لنا السيد نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية، من خلال إعلانه بأن وزراء الخارجية العرب سيجتمعون الأحد المقبل في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة لبحث الانتهاكات الاسرائيلية المتزايدة.
لماذا يا سيد العربي الاجتماع يعقد في نيويورك وليس في القاهرة، أو عمان، أو الجزائر، أو مقديشو؟ يرد علينا السيد «العربي» بالقول أن ذلك التأجيل يعود إلى انشغال الوزراء بالسفر إلى نيويورك؟ فهل سيسافر هؤلاء على ظهور البعران؟
ويرد السيد العربي قائلا لتعزيز مقولته هذه لإعفاء الوزراء العرب ودولهم من أي مسؤولية، بأن منظمة التعاون الإسلامي ستعقد اجتماعا لوزراء خارجيتها يوم 30 (سبتمبر) الحالي، وهذا الاجتماع الأخير أفضل لأن هذه المنظمة تضم 57 دولة.
المسألة بالنسبة إلى السيد العربي تتعلق بالعدد وليس بالفعل، أو هكذا يبدو لنا الأمر، فاجتماع 57 وزير خارجية أفضل من 22 وزيرا على حد قوله.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حذر بدوره اليوم في مؤتمر صحافي من عواقب وخيمة لما سماه بالانتهاكات اليومية في المسجد الأقصى، وطالب اسرائيل باتخاذ خطوات جادة لنزع فتيل الأزمة.
وماذا يا سيادة المشير لو أن اسرائيل لم تنزع فتيل الأزمة وتواصلت الانتهاكات في الأيام المقبلة؟ هل ستطلب من القوات المصرية المرابطة في سيناء بعشرات الآلاف والمدعومة بالدبابات الحديثة والطائرات من طراز «إف 16» أن تعرج على إيلات القريبة مثلا أو تطير فوقها تحذيرا؟ لنضع الرد العسكري جانبا حتى لا نتهم للمرة الألف بالتحريض، والمبالغة فيه، ونسأل سؤالا آخر أكثر حضارية وسلمية واعتدالا: هل ستقدم يا سيادة المشير على إغلاق السفارة الاسرائيلية التي أعيد افتتاحها قبل أسبوع فقط انتصارا للأقصى؟
لنترك الرئيس المشير السيسي جانبا، ونذهب إلى الأردن حيث وقع خمسون نائبا أردنيا بيانا يطالب بإغلاق السفارة الاسرائيلية، ومراجعة اتفاقات وادي عربة مع اسرائيل كرد على هذه الانتهاكات، ونسأل عما إذا كان العاهل الأردني سيستجيب لهذا البيان عمليا، ويغلق السفارة الأردنية، خاصة أنه صاحب الوصاية الدينية على الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، وتعرض حراسه الأردنيون إلى الضرب والطرد من قبل القوات الاسرائيلية عندما تعرضوا للمقتحمين؟
لا نعتقد أن هذه «الجعجعة» العربية ستتمخض عن أي طحن، وستظل تدور في دائرة العبارات الانشائية نفسها على أمل أن تهدأ الأوضاع، أو أن يتفضل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي بإخراجهم من هذا المأزق الحرج الذي جاء في الوقت غير المناسب، وفي ذروة انشغالهم بالقضية المصيرية الكبرى والأهم في اليمن، ويبادر بالايعاز لحلفائه اليهود المتطرفين بالراحة لبضعة أيام على الأقل إكراما لأصدقائه العرب الجدد والقدامى في آن، ثم العودة للاقتحامات الاستنزافية الممنهجة والمدروسة مرة أخرى، عندما يهدأ الغبار الرسمي العربي.
طبعا لا يمكن أن ننسى الرئيس «الفلسطيني» محمود عباس وقواته الأمنية التي لا تستأسد إلا على الفلسطينيين المتظاهرين تضامنا مع أشقائهم المرابطين دفاعا عن الأقصى المبارك، ولا تجرؤ على نزع شعرة واحدة من لحية مستوطن يعربد في باحة المسجد، ومن شاهد عددا من أفرادها ينهالون صفعا وضربا وركلا على صبي نحيل جدا من مخيم الدهيشة (في بيت لحم) لفقد صوابه، وعرف لماذا يقدم اليهود المتطرفون على جرائمهم هذه بكل ثقة واطمئنان ودون خوف أو هلع.
الرئيس عباس يسرب لصحف الأرض المحتلة بأنه سيفجر «قنبلة» في خطابه الذي سيلقيه في الأمم المتحدة كعادته دائما، وعندما بدأ الأمريكيون يهددونه بأعطاب السلاح الوحيد الذي «أذل» فيه الشعب الفلسطيني، وأوصل قضيته إلى الحضيض، وذيل الاهتمامات العربية والدولية، أي سلاح «المال»، يطلق تسريبات معاكسة تمهد لتراجعه عن «قنبلته الصوتية» تلك بأن ضغوطا أمريكية وعربية قوية جدا تمارس عليه هذه الأيام لعدم تفجيرها.
لم يطلب أحد عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب، ولا منظمة التعاون الاسلامي التي نراهن أن 99 بالمئة من المسلمين في العالم لا يعرفون بوجودها، أو مقرها، أو أمينها العام، ولذلك نقول لهؤلاء اذهبوا إلى اليمن أو سورية، أو العراق، واتركوا الأقصى للمرابطين الذين يقاتلون ويضحون بدمائهم وأرواحهم دفاعا عنه طلبا للشهادة التي يستحقونها، فأنتم لستم أهلا له، وهو بريء منكم، ومن عجزكم المصطنع، وتواطئكم مع من يريدون تهويده في السر والعلن.