شوف تشوف

الرأي

أكتب إليكم من إيطاليا: هذا ما نعرفه عن مستقبلكم

فرانشيسكا ميلاندري

أكتب إليكم من إيطاليا، أعني أنني أكتب إليكم من مستقبلكم. نحن الآن حيثما ستكونون في غضون أيام قليلة.
كل ما في الأمر أننا متقدمون عليكم بخطوات قلائل على طريق الزمن، تماما كما أن ووهان متقدمة علينا ببضعة أسابيع. نشاهدكم إذ تتصرفون مثلما سبق أن تصرفنا تماما. تتمسكون بالحجج التي تمسكنا بمثلها حتى وقت قريب.
بادئ ذي بدء، ستأكلون. وليس ذلك فقط لأن الأكل من الأشياء القليلة التي سيبقى بوسعكم ممارستها.
ستجدون عشرات من مجموعات شبكات التواصل الاجتماعي تعلمكم كيف تنفقون أوقات فراغكم في ما هو مثمر. ستنضمون إليها جميعا، ثم تتجاهلونها تماما بعد أيام قليلة.
ستتناولون أدب نهاية العالم من أرفف مكتباتكم، ولكن سرعان ما ستشعرون أنكم لا ترغبون حقا في قراءة أي منه.
ستأكلون من جديد. لن يطيب لكم النوم. ستسألون أنفسكم عما يجري للديمقراطية.
ستشتاقون إلى أبنائكم الكبار كما لم تشتاقوا إليهم من قبل، وإدراككم أنكم قد لا ترونهم مرة أخرى سيكون أشد عليكم من لكمة في الصدر.
ستتصلون بمن سبق وأقسمتم ألا تكلموهم ما حييتم لتسألوهم “ما الأخبار؟”.
ستفكرون ماذا يجري لمن لا يستطيعون البقاء في البيوت لأنهم بلا بيوت. ستشعرون بالخوف وأنتم خارجون للتسوق في الشوارع المهجورة، خاصة لو أنكم نساء. ستسألون أنفسكم أهكذا تنهار المجتمعات؟ بهذه السرعة؟
ستزدادون وزنا. ستبحثون عن تدريبات للياقة البدنية على الإنترنت.
ستضحكون. ستضحكون كثيرا. ستستعرضون قدرات كوميدية سوداء لم تعرفوها في أنفسكم من قبل. حتى الذين عرفتموهم دائما جادين في كل كبيرة وصغيرة سوف يتأملون عبثية الحياة.
ستضربون لأصدقائكم وأحبابكم مواعيد في طوابير السوق، لكي تروهم رأي العين ولو في لقاءات سريعة.
سوف تنكشف لكم طبائع جميع المحيطين بكم في وضوح ليس مثله وضوح.
المثقفون الذين لم تكن تخلو الأخبار منهم سيختفون، وتفقد آراؤهم بغتة أي قيمة، بعضهم سيلوذ بمنطق سيأتي مفتقرا تماما إلى الإحساس بالناس فيتوقف الناس عن الإنصات إليهم. والذين كنتم تتجاهلونهم هم الذين سيتبين أنهم يبثون الطمأنينة والسماحة وأنهم أهل للثقة، وعمليون.
الذين يدعونكم إلى رؤية كل هذه الفوضى باعتبارها فرصة لأن يجدد الكوكب نفسه سيساعدونكم على وضع الأمور في سياق أكبر. ولكن هؤلاء أيضا سوف تجدونهم مزعجين أشد الإزعاج.
لن تفهم هل حضورك ميلاد عالم جديد أمر يغلب جلاله بؤسه أم العكس.
لقد قلتم حينما رأيتمونا نغني الأوبرا في الشرفات “آه، طبعا، هؤلاء إيطاليون”. لكننا نعلم أنكم سوف تغنون مثلنا لبعضكم بعضا أغنيات ترفع من أرواحكم المعنوية. ونحن حينما نسمعكم تهدرون بأغنية “سوف أتجاوزك” سنطرق متفهمين، تماما مثل أهل ووهان الذين غنوا في شبابيكهم في فبراير ثم أطرقوا متفهمين وهم يشاهدوننا.
أطفال كثيرون سيتكونون في أرحام النساء.
سيدرس أبناؤكم عبر الإنترنت. سيتسببون لكم في إزعاج لا يطاق، وسيكونون بهجة لكم.
كبار السن سوف يعصونكم عصيان مراهقين مشاكسين: سيكون عليكم أن تحاربوا لكي تمنعوهم من الخروج.
ستريدون أن تنثروا بتلات الورد على عتبات جميع العاملين في المجال الطبي.
سيقال لكم إن المجتمع متحد على جهد جماعي، وإنكم جميعا في قارب واحد. سيكون هذا صدقا. ستغير هذه التجربة إلى الأبد من نظرة أحدكم إلى نفسه.
الحظر في بيت ذي حديقة جميلة ليس كالحظر في مشروع إسكاني مكدس بالسكان. والقدرة على أن تواصل العمل من البيت ليست كأن ترى بعينيك وظيفتك وهي تختفي. ذلك القارب الذي ستبحرون فيه للانتصار على الوباء لن يبدو الشي نفسه للجميع، ولم يكن كذلك في يوم من الأيام.
ستشعرون بالخوف. ستكشفون عن خوفكم للأعزاء عندكم، أو ستكتمونه في أنفسكم لكي لا تثقلوا عليهم.
نحن في إيطاليا. وهذا ما نعرفه عن مستقبلكم. وليس هذا إلا تنبؤ بسيط للغاية.
لو مددنا أبصارنا إلى المستقبل الأبعد، إلى المستقبل المجهول لكم، والمجهول لنا مثلكم، فليس بوسعنا أن نقول إلا هذا: حينما ينتهي هذا كله، لن يكون العالم مثلما عهدناه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى