شوف تشوف

الافتتاحية

أكال، أفكان، تتليت

نزل الآلاف من سكان منطقة سوس، أول أمس الأحد، في مسيرة بشوارع الدار البيضاء، للاحتجاج على «سيبة» الرعي الجائر واعتداءات الرحل المتكررة على الساكنة وأملاكها، واستمرار نزع أراضي السكان بمقتضي مراسيم تحديد الملك الغابوي.
مسيرة البيضاء تعني أن كرة ثلج اعتداءات الرحل على أراضي سكان سوس بدأت تكبر، منذرة بانفجار أمني وعرقي غير مسبوق، جراء التطورات الخطيرة والمتزايدة التي تعرفها عدد من المناطق بجهة سوس، والمتعلقة بالهجومات والاعتداءات المتكررة على الساكنة المحلية من طرف الرعاة الرحل، واستباحة ممتلكاتها الزراعية وحقولها الفلاحية، وتهديد أصحابها بالاختطاف والاعتداء الجنسي أمام الصمت المريب للسلطات المحلية وإدارة المياه والغابات التي يتعسف مندوبها الحافي في ممارسة سلطة تحديد الملك الغابوي.
لقد أصبح العديد من سكان جهة سوس يعيشون تحت رحمة «بلاد السيبة» وقانون الغاب الذي يفرضه الرحل، مما جعلهم يقومون بمسيرة للاحتجاج لإسماع صوتهم لدى المركز، بعد استقالة السلطات المنتخبة عن ممارسة دور الوساطة. فالشعار الذي رفعه المحتجون «أكال، أفكان، تتليت»، أي «الأرض، الإنسان، اللغة»، يحمل أكثر من معنى وينبه إلى أن الأرض لدى أهل سوس ليست مجرد مساحة يجنون منها قوت اليوم، ويطعمون منها الأسرة والدواب، بل هي رمز الكرامة وجزء من المصير ولن يتوانى أهلها في الدفاع عن أراضيهم إذا تقاعست السلطات عن حماية حقوقهم بالقانون وبما تملكه من وسائل الردع.
وبدون شك، فإن جزءا كبيرا من دوافع الاحتجاج الذي أخرج أهل سوس إلى شوارع العاصمة الاقتصادية، مرتبط بما ترتكبه مندوبية المياه والغابات من خروقات قانونية تحت ذريعة تحديد الملك الغابوي الذي سلب العديد من السكان أراضيهم. لقد تحول هم مندوبية عبد العظيم الحافي، التي أصيبت بإسهال في إصدار مراسيم التحديد الغابوي، للوصول إلى إعادة 9 ملايين هكتار إلى حظيرة ملك الدولة، دون أن تأخذ بعين الاعتبار واقع الاستغلال الذي تكون عبر الأجيال ولا يهمها منطق الاستقرار الاجتماعي والأمني، مما جعل العشرات من تلك المراسيم تفقد كل مشروعية قانونية ودستورية وسياسية.
لذلك، حينما خرج أبناء سوس وجاؤوا للبيضاء، فقد كان هدفهم إيصال رسالة للدولة كي تضع ملف الأراضي على رأس جدول أعمالها، حتى لا تأخذ الأمور مسارات أخرى بعيدة عن الطابع الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، خصوصا أن عددا من صائدي الاحتجاجات يقفون عند باب المتضررين لتحويل امتعاضهم المشروع إلى سلاح لتصفية الحسابات السياسية مع الدولة وإثارة نعرة الأمازيغية لإعادة تكرار سيناريو الحسيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى