شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

أقوى الأزمات مع فرنسا

فتور صامت ومعلن قبل الانفراج

قطع ستيفان سيجورني، وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، الشك باليقين، حين كتب في حسابه على منصة «إكس»، عقب اجتماعه بوزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة، إقرارا بخروج العلاقات الفرنسية المغربية من النفق، معبرا عن عزم راسخ للملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على المضي قدما بالشراكة الإستراتيجية الثنائية على أسس قوية، من خلال البناء على الدعامات التاريخية والإنسانية المتينة التي تستند عليها هذه العلاقات.

مقالات ذات صلة
حسن البصري

هذا التصريح امتد إلى ملف الصحراء، حين تحدث عن السيادة المغربية على الصحراء والاستثمارات التي تعتزم فرنسا القيام بها في هذه الربوع المغربية. وأضاف وزير الخارجية الفرنسي أن المصلحة الفرنسية الحتمية تقتضي أن تطور باريس علاقاتها مع الرباط.

وقد عاشت العلاقات المغربية الفرنسية على إيقاع الأزمات الصامتة والمعلنة، ووصلت إلى الباب المسدود، بسبب قرارات صادرة عن باريس زادت الطين بلة، كتخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، والموقف من ملف الصحراء ورهان الرئيس الفرنسي على التقارب مع الجزائر، فضلا عن أزمة استدعاء عبد اللطيف حموشي، مدير الأمن الوطني، وكيف انتهت بتوشيحه وطلب مساعدته في أكثر من مناسبة.

بغض النظر عن الروابط التاريخية بين الرباط وباريس، إلا أن فرنسا كانت دوما الشريك التجاري الأول للمغرب، بل إن أزيد من 51 ألف فرنسي يعيشون في المغرب مقابل 1.5 مليون مغربي في فرنسا و670 ألفا يحملون جنسية البلدين، حسب مرصد الهجرة والديموغرافيا.

هذه الأزمات ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، فقد كانت تطفو على السطح منذ عهد الملك محمد الخامس، وغالبا ما كان يتم تطويقها، بل إنها لم تقتصر على المغرب، بل لامست دولا أخرى كالجزائر وتونس وموريتانيا بنسب متفاوتة.

ويرى كثير من المحللين السياسيين أن الدور الذي بات المغرب يلعبه في إفريقيا أصبح مثار غضب باريس، خاصة الدور المغربي في أزمة ليبيا ومالي، فضلا عن تنويع الشركاء بالنسبة للرباط وفتح منافذ جديدة قلصت من أدوار باريس في إفريقيا.

في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، نسلط الضوء على بؤر التوتر في العلاقات بين البلدين وبوادر الانفراج.

 

هزات ارتدادية تضرب العلاقات المغربية الفرنسية بعد زلزال الحوز

حين ضرب الزلزال منطقة الحوز، حاولت فرنسا فرض مساعدتها على المغرب، لكن المغرب تعامل باستخفاف مع المبادرة الفرنسية، بل ورفض بطريقة ذكية الإعانة القادمة من باريس، وخرج منتصرا من الزلزال حين اعتمد بشكل كبير على التضامن الوطني.

دار جدل كبير حول هذه القضية، ما دفع وزيرة الخارجية الفرنسية إلى نفي فرضية رفض المساعدة، وقالت إن العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ليست مقطوعة، مشددة أن ماكرون تواصل «أكثر من مرة» مع العاهل المغربي محمد السادس خلال الصيف، كما تواصلت هي مع نظيرها ناصر بوريطة.

صحيح أن وقوع الكوارث الطبيعية والهجمات الإرهابية يعد فرصة للمصالحة بين الدول التي تمر علاقاتها بأزمة مفتوحة، وهذا لم يحدث في حالة المغرب مع حليفته التاريخية فرنسا، ولا مع جارته الشرقية الجزائر خلال الزلزال الذي ضرب جنوب المغرب.

عرضت فرنسا المساعدة وفرق الإنقاذ على المغرب، على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون، وفعلت الجزائر الشيء نفسه، قبل المغرب المساعدة من أربع دول فقط وهي: إسبانيا، قطر، الإمارات العربية، وبريطانيا، ونابت الجالية المغربية المقيمة في فرنسا عن حكومة ماكرون وقدمت دعما سخيا لضحايا الزلزال في مشهد تحسر له مانويل.

رفض المغرب للمساعدات الفرنسية عمق الأزمة بين البلدين، لكنه كشف عن معدن مغاربة المهجر الذين هبوا لنجدة أبناء وطنهم. شن بعض المغاربة حملة قوية ضد فرنسا، متهمين إياها بعرقلة جهود السلطات لإنقاذ حياة الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض، ناهيك عن التعامل غير الاحترافي لوسائل إعلام جزائرية مع الزلزال.

خرجت الصحافة الفرنسية، خاصة «لوموند» و«ليبراسيون» و«لوفيغارو»، تنتقد تعاطي المسؤولين المغاربة مع الفاجعة، واضطرت وزارة الخارجية الفرنسية إلى إصدار بيان يوضح أن «المغرب أدرى بالاحتياجات التي يرغب في الحصول عليها، وهو مستقل في قراراته». غير أن هذه المأساة لم تشكل فرصة للمصالحة بين البلدين ولم تشكل فرصة لتجاوز الأزمة بين باريس والرباط.

وما زاد من حدة التوتر تلك الصورة التي نشرتها صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية على غلافها، بشأن فاجعة زلزال الحوز، وعليها عبارة: «ساعدونا، نحن نموت في صمت»، مخلفة غضبا واسعا داخل الأوساط الشعبية والمهنية بالمغرب.

لم يتوقف الأمر عند عنوان مهيج لصحيفة فرنسية، بل إن الرئيس الفرنسي زاد من حدة التوتر، من خلال رسالة وجهها للمغاربة عبر صفحته الفايسبوكية، خاطب فيها المغاربة متجاوزا الأعراف لأن قادة الدول يخاطبون نظراءهم لا شعوب دول أخرى.

لكن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، بمناسبة المحادثات التي أجراها، يوم الثلاثاء الماضي بباريس، مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، سيؤكد أن فرنسا والمغرب تجمعهما علاقة «فريدة»، وكتب سيجورني في حسابه على منصة «إكس»: «الدينامية التي بدأت مع زيارتي الأخيرة للمغرب تتواصل اليوم بجلسة عمل مع نظيري، ناصر بوريطة، فرنسا والمغرب تجمعهما علاقة فريدة».

 

حموشي.. من أزمة السفارة إلى الاستعانة بخبرته وتوشيحه بأرفع الأوسمة 

 

‎في 20 فبراير 2014، توصلت السفارة المغربية بباريس باستدعاء يخص عبد اللطيف حموشي، رئيس المخابرات المغربية، من أجل الاستماع إليه بخصوص شكاوى عن تعذيب مفترض لمواطِن فرنسي من أصل مغربي، اتضح في ما بعد أنها كانت مجرد مسرحية سمجة ورديئة الإخراج.

‎أثار القرار غضب الرباط واعتبره المغرب إساءة بالغة من صديق وحليف إستراتيجي. في اليوم الموالي، قامت وزارة الخارجية المغربية باستدعاء شارل فر، السفير الفرنسي بالرباط وأبلغته «الاحتجاج الشديد للمملكة المغربية على هذا الاستدعاء، بل وصدر بلاغ رسمي عن الخارجية المغربية يدين «المسطرة الفجة التي تم اتباعها والمنافية لقواعد الدبلوماسية المعمول بها»، وطالبت بتقديم توضيحات عاجلة ودقيقة بشأن هذه الخطوة غير المقبولة وبتحديد المسؤوليات.

‎استدعاء حموشي تم على خلفية شكوى قدمتها جمعية مسيحية بشأن عادل لمطالسي، المواطن الفرنسي من أصل مغربي، الذي اعتقل في ملف تهريب مخدرات عام 2008 ومعها شكوى نعمة أسفاري، المؤيدة للطرح الانفصالي وتورطها في مقتل رجال أمن في واقعة تفكيك «اكديم إيزيك».

ونتيجة لذلك، ‎اعتذرت الخارجية الفرنسية عن الاتهامات التي وجهتها إلى مدير المخابرات المغربية، بعدما تبين لها أن الواقعة الكاذبة شكلت انتكاسة على الصعيد السياسي، وعبرت عن أسفها لهذا الحادث الذي وصفته بالمؤسف والضار بروح الصداقة التي تجمع البلدين.

‎لم تظهر معالم نهاية الأزمة إلا مع زيارة وزير الداخلية الفرنسي، برنارد كازانوف، للعاصمة الرباط، وإعلان هذا الأخير عن تقديره لعمل حموشي في محاربة الإرهاب واستتباب الأمن، مع تأكيد توشيحه بوسام من درجة فارس، بل إن رئيس الشرطة الفرنسية، فريديريك فو، طلب من مدير المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب، عبد اللطيف حموشي، تقديم خبرته الأمنية لضمان تأمين دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024.

‎وفي هذا الصدد، خصصت «جون أفريك» الفرنسية مقالا مفصلا عن الموضوع تحت عنوان: «رئيس المخابرات المغربية عبد اللطيف حموشي ينقذ أولمبياد باريس»، مشيرة إلى أن الفتور السياسي لا يلغي التعاون الأمني.

 

بيغاسوس.. نظام التجسس المفترى عليه

فهم الفرنسيون تفاصيل المؤامرة التي استهدفت العلاقات المغربية الفرنسية، حين كشف تقرير للجنة تحقيق أوروبية، بخصوص قضية «بيغاسوس»، إلى تبرئة الطرف المغربي، وعدم وجود أي أدلة تدين المغرب في استخدام برنامج التجسس الإسرائيلي ضد الدول الأوروبية، الأمر الذي يؤكد أن جهات معادية للمملكة هي من تقف خلف نشر مثل هذه المزاعم التي سبق أن فندتها الرباط.

أسند التحقيق للجنة مشكلة من خبراء في البرلمان الأوروبي، انخرطت في تحقيق موسع حول القضية على مدار عام كامل تمت خلاله زيارة الدول المتضررة من البرنامج التجسسي، وعقد جلسات استماع مطولة مع المتضررين المحتملين، والاستعانة بخبراء في المجال المعلوماتي، وإنجاز دراسات متعددة.

توصلت اللجنة إلى أن القضية من فعل فاعل، وأن اتهام المغرب باطل، وأن الغرض منه الضغط على المغرب وخدش صورته على المستوى العالمي، بعد أن أصبح يلعب دورا استراتيجيا في كثير من ملفات النزاع بالقارة الإفريقية.

استجاب المغرب لمطالب اللجنة ووضع رهن إشارتها جميع المستندات التي ساعدتها على إنجاز المهمة، بل إن الرباط أصرت على تقديم أدلة واضحة حول براءته من استخدام البرنامج الإسرائيلي، وشدد على ضرورة سلك المساطر القضائية، وفتح تحقيق عادل.

وكانت وسائل إعلامية قد نشرت في يونيو 2021، تحقيقا بشكل متطابق عما اعتبرته عمليات تجسس ضخمة استهدفت خمسين ألف شخص حول العالم، تورطت فيها حكومات من بينها الحكومة المغربية، على حد قول وسائل الإعلام الفرنسية والجزائرية بالخصوص.

وبعد انتهاء اللجنة من التحقيق والتأكيد على براءة المغرب من التجسس، أضحى البرلمان الأوروبي مطالبا بتقديم اعتذار رسمي للمملكة المغربية، على ما بدر منه من إساءة واضحة لسمعة الرباط عالميا، كما أن وسائل الإعلام التي تنافست وتسابقت في نشر الخبر لم تكلف نفسها عناء الاعتذار لشعب بأكمله. هذا الصمت يؤكد وجود بل توغل أجهزة داخل الاتحاد الأوروبي، من بينها البرلمان، ومجلس أوروبا لحقوق الإنسان، تخضع لأجندة دول خارجية معروفة بعدائها لمصالح المملكة المغربية.

وأكد محامي المملكة في فرنسا، أوليفييه باراتيلي، أنه بعد تسعة عشر شهرا من قيام المغرب، ضحية «مشروع دولي عملاق لزعزعة الاستقرار»، بتقديم شكوى ضد بعض وسائل الإعلام الفرنسية والمنظمات غير الحكومية، التي اتهمته باستخدام برنامج التجسس «بيغاسوس»، «لم يتم تقديم أي دليل حتى الآن على ذلك»، وهو ما دفع المغرب إلى تقديم شكايات مباشرة أمام منظمة العفو الدولية ومحكمة باريس الجنائية، ضد وسائل إعلام فرنسية بتهمة التشهير، سيما بعد أن شهد «شاهد من أهلها» بتصريح جان كاستكس، رئيس الوزراء السابق، حين قال أمام الجمعية الوطنية بأن «هاتف الرئيس إيمانويل ماكرون لم يتم اختراقه، بعد أن تم تقديمه للمصالح الفرنسية المختصة التي فحصته ووجدت أن الجهاز لا يحتوي على أي أثر لبرامج التجسس».

 

احتقان بين الرباط وباريس بسبب زوجة الرئيس الفرنسي ميتران

دانيال ميتران هي أكثر من مجرد حقوقية وصديقة جد مقربة من كريستين، زوجة المعارض المغربي السرفاتي، بل هي زوجة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، الذي كان يضع الملفات الحقوقية ضمن أولوياته.

واصلت هذه المرأة المناضلة عملها الحقوقي، حتى عندما دخلت الإليزيه جنبا إلى جنب مع زوجها فرانسوا ميتران الرئيس في عام 1981، بل إنها كانت تطلب من زوجها عدم زيارة المغرب إلا بعد تسوية كثير من القضايا الحقوقية، مما أغضب الملك الحسن الثاني، سيما بعد زيارتها لتيندوف وتدخلها في ملف الانفصاليين وإصرارها على دعم سجناء سياسيين في المغرب.

وفي الوقت الذي كانت العلاقات المغربية الفرنسية تعبر نفقا باردا، خاصة بعد التصريحات الصحافية لزوجة الرئيس الفرنسي التي راهنت على ملف الاعتقال السياسي واتهمت بعض الأحزاب المغربية واصفة إياها بـ «المتخاذلة»، ستمارس هذه السيدة ضغوطا على زوجها الرئيس، ولعل أبرز مثال على ذلك ما جرى خلال زيارة الملك الراحل الحسن الثاني إلى فرنسا سنة 1985. ففي حفل عشاء أقيم على شرفه، قدمت له دانييل ميتران، زوجة الرئيس الفرنسي، لائحة تبين لوزير الداخلية المغربية أن معدتها هي كريستين جوفان زوجة ابراهام السرفاتي، وتضم زعماء التيار اليساري على رأسهم زوجها السرفاتي وأحمد بناصر، وادريس بنزكري وعبد الله الحريف وعبد الله زعزاع وإدريس بن يوسف الركاب. في هذا اللقاء تحدث الملك عن الشأن الداخلي وقدم لزوجة صديقه نماذج لمعارضين فرنسيين يحتاجون بدورهم لالتفاتة حقوقية قبل البحث خارج حدود الجمهورية عن معتقلين، بل إن الحسن الثاني قد أعطى موافقته المبدئية على إصدار عفوه عن الموجودين في تلك اللائحة، مضيفا عبارة «بعد اطلاعي على تفاصيلها» وسلمها لوزيره في الداخلية، لكنه غير رأيه لاحقا ولم يلب رغبة ميتران.

في يوم الثلاثاء 22 نونبر 2011 توفيت السيدة الأولى السابقة لفرنسا، «دانييل ميتران» عن عمر يقارب 87 عاما، بعد أن قضت عدة أيام لعلاج فقر الدم وأمراض الجهاز التنفسي بمستشفى جورج بومبيدو في باريس.

في أواخر حياتها، نشرت تقريرا تشكك فيه في استخدام المساعدات الإنسانية في مخيمات تندوف، وأشارت بالاتهام إلى قيادة البوليساريو، في ما يشبه وخز الضمير.

كانت جمعية «فرنسا الحريات»، التي ترأستها دانيال ميتران، تدعم البوليساريو بالمال والمواد الغذائية، بل سبق أن بعثت لها الكثير من رؤوس الإبل التي جلبتها من الشرق. لكن حين اكتشفت المنظمات الإنسانية حقيقة الملف، وخاصة المسماة عفيفة كرموس تونسية الأصل، وفهمت لماذا يتحفظ الأسرى المغاربة في الحديث معها، وكيف انفض عنها الجميع، ورفض الأسرى إعطاءها أي تصريح، وحين استفسرت عن سبب هذا الرفض، تم إخبارها أن منظمتها ضد المغرب ومساندة لجبهة البوليساريو، حينها تغيرت المواقف.

 

إيريك لوران.. حكاية عملية ابتزاز مع سبق الإصرار

قضى الصحافيان الفرنسيان إيريك لوران وكاترين غراسيي شهورا تحت المراقبة القضائية، إثر اعتقالهما في باريس وإدانتهما بتهمة ابتزاز الملك محمد السادس، حين طلب الصحافيان من الملك ثلاثة ملايين أورو مقابل عدم نشر كتاب.

ووضع القصر دعوى لدى الشرطة الفرنسية، عندما اتصل إيريك لوران بالديوان الملكي، وعرض عدم نشر الكتاب مقابل مبلغ مالي مهم. وحسب رواية إيريك دوبون موريتي، محامي القصر الملكي، توجد تسجيلات تثبت الابتزاز وتقديم تسبيق قدره 80 ألف أورو للصحافيين والاتفاق على مبلغ مليوني أورو لعدم نشر الكتاب، وهو ما دفع بالشرطة إلى اعتقالهما مباشرة بعد لقائهما بمحامي القصر في باريس.

وبعد يومين من الاستنطاق والتحقيق، أفرج القضاء الفرنسي عن الصحافيين مع المراقبة الدائمة مع شرط عدم اتصالهما بالمعنيين بهذا الملف، حفاظا على سير التحقيق العادي وسريته. وحاول محامي الصحافية كاترين سل شعرة موكلته من الفضيحة، إلا أنه ووجه بمكالماتها وعروضها لوقف طبع الكتاب.

وندد صحافيون فرنسيون بما أقدم عليه لوران وغراسيي من ابتزاز ملك المغرب، وفي المقابل انبرى آخرون للدفاع عنهما، والغريب أن يتطوع صحافي مغربي للدفاع عن كاترين منوها بمهنيتها.

ونفت وزارة الدفاع الفرنسية تسليمها أي معلومات إلى لوران عن المغرب لتضمينها في كتابه والذي كان يعتزم نشره، ودعت النائبة الأوروبية رشيدة داتي الصحافيين الفرنسيين إلى التحلي بـ «قليل من الحياء»، وترك العدالة تقوم بعملها، مضيفة أن الإغراء والمساومة ليسا جزءا من مهنة الصحافة، مذكرة بأن إيريك لوران وكاترين غراسيي اعترفا بطلبهما أموالا من المغرب، مقابل عدم نشر كتاب حوله.

ومن المفارقات الغريبة أن إيريك لوران كان صديقا للملك الراحل الحسن الثاني، وهو الذي أصدر عام 1993 أحد أشهر كتبه في المنطقة العربية «ذاكرة ملك»، عبارة عن سلسلة مقابلات أجراها مع الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، وتطرقت إلى مسار الملك وأهم التحديات التي واجهها في فترة حكمه الطويلة.

وفي سياق التوتر مع الصحافة الفرنسية، أعلنت وكالة فرانس بريس في نونبر من سنة 2000، عن قرار السلطات المغربية القاضي بسحب تصريح العمل من مدير مكتب الوكالة في الرباط، المسمى كلود جوفينال، مضيفة أن الأمر تعدى السحب إلى مطالبته بالمغادرة الفورية للبلاد في ظرف لا يتعدى 72 ساعة.

 

قضية بن بركة تدخل العلاقات المغربية الفرنسية إلى الثلاجة

في عز أزمة اختطاف واختفاء المعارض المغربي المهدي بن بركة، سيعبر الملك الراحل الحسن الثاني عن استيائه من تعاطي السياسيين الفرنسيين مع القضية، بل وبلغ السفير الفرنسي في المغرب عدم موافقته على مواقف بعض الزعماء الفرنسيين الذين تدخلوا في الشأن المغربي بشكل أضر بصورة المغرب.

في التحقيق الذي قامت به السلطات الفرنسية، طلب دفاع بن بركة حضور شخصيات مغربية إلى المحكمة، كان أبرزها الجنرال الدليمي، وقد ذهب طواعية إلى المحكمة في باريس سنة 1966، رغم أنه كان يشغل منصبا أمنيا حساسا.

ورغم أن المحكمة أخلت سبيله ليتم استقباله في الرباط استقبال الأبطال، إلا أن بعض الصحف الفرنسية ظلت تلاحقه وتنشر صوره، باعتباره متورطا في القضية. تلا ذلك برود كبير في العلاقات المغربية الفرنسية.

في «ذاكرة ملك»، أشار الحسن الثاني إلى هذه القضية وقال بخصوص لهجة الرئيس الفرنسي دوغول التي خاطبه بها: «لقد كان دوغول رجل أسرار، إذ كان يحب كثيرا الدبلوماسية الموازية والمبعوثين غير المتوقعين، ولقد التقيت بالعديد منهم.. ذاك هو نهج دوغول، كان بإمكانه أن يبعث أحدا ليقول لي: هذه هي الحجج والعناصر المتوفرة ضد أوفقير وأطلب من جلالتكم أن تقوموا بصفتكم صاحب السيادة، ومن جانبكم على انفراد، بالبحث عن طريقة لعزل أوفقير في انتظار تسليط الضوء على هذه القضية، فلو قام الجنرال دوغول بذلك لما ترددت لحظة في تلبية طلبه، ولكن أن يتوجه بلهجة عنيفة إلى عاهل تربطه به صداقة، فهذا ما لم أستسغه، خاصة وأنه كان يكن لي على مر السنين تقديرا خاصا».

جمد الملك الحسن الثاني علاقته بفرنسا، ولم يعد يزورها، إلا بعد أن تراجعت الصحافة الفرنسية عن هجومها على الملك، بسبب قضية اختفاء المهدي بن بركة، رغم أن المحكمة لم تستطع إدانة الدليمي بالرغم من أنه كان مسؤولا كبيرا في الأمن.

لكن قبل أن تعود العلاقات بين الملك الحسن الثاني وفرنسا إلى سابق عهدها، فقد كانت فترة نهاية الستينيات جليدية بين البلدين، فقد انتقدت الصحافة الفرنسية الوضع السياسي في المغرب حين أعلن الملك الحسن الثاني حالة الاستثناء سنة 1965. كما ساندت حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان المهدي بن بركة من قيادييه البارزين، حين اختار سنة 1964، أي سنة قبل اختفاء المهدي بن بركة، تقديم ملتمس للرقابة في البرلمان مطالبا بحل الحكومة.

تطلب الأمر قرابة خمس سنوات، لكي تعود المياه إلى مجاريها بين فرنسا والمغرب. إذ إن الملك الراحل الحسن الثاني لم يتقبل الأخطاء الدبلوماسية التي سقطت فيها فرنسا في علاقتها بالمغرب، خلال السنوات الأولى لحكمه.

 

كتاب يدمر خيوط الصداقة بين المغرب وفرنسا

مباشرة بعد صدور كتاب «صديقنا الملك»، شهد المغرب تنظيم حملة واسعة النطاق عبرت فيها مختلف الأطياف السياسية والفكرية والجمعوية عن قلقها من مضامين الكتاب، وبادر الناس إلى إرسال تيليغرامات إلى قصر الإليزي للاحتجاج على نشره الكتاب، وهو ما قدم خدمة إشهارية كبرى وحاسمة للمؤلَف، خاصة وأن عدد تيليغرامات الغضب تجاوز المليون.

وراء الكتاب، الصادر سنة 1990، صحافي يدعى جيل بيرو واسمه الحقيقي جاك بيروليس، وهو محام سابق قبل أن يلج عالم الصحافة الرياضية أولا ثم السياسية والحقوقية خاصة، ووراء الضجة إشارة إلى معتقلي تازمامرت وتجاوزات الجنرال محمد أوفقير.

زاد الكتاب من هوة الخلاف بين الملك الحسن الثاني والرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، وهذا الأخير اختار الحياد السلبي، قبل أن يتعرض بدوره لحملة تشهير واسعة حين أصدرت «سولين دو روايي» الصحافية في جريدة «لوموند»، كتابا عن ميتران بعنوان «السر الأخير»، كشفت فيه عن مغامرات الرئيس السابق مع عشيقة شابة في الثماني سنوات الأخيرة من عمره (1988 – 1996)، وقد بقيت إلى جانبه حتى الأشهر الأخيرة من حياته.

وتحدث الكتاب عن فرنسوا، الرئيس المتقدم في السن و»كلير»، الطالبة التي انتقلت من مدينتها الريفية إلى العاصمة لدراسة القانون، وعن العلاقة التي نشأت بينهما، كما كشف عن شخصية ميتران «بالغة التعقيد».

 

بوعبيد يذوب الجليد بين القصر والإيليزي بعد فشل سفير فرنسا

كان سياسيون مثل علال الفاسي، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الهادي بوطالب ورضا اكديرة محط اهتمام عدد من ممثلي التمثيليات الأجنبية في المغرب، لاستقصاء المعلومات منهم واستعمالها في التقارير التي تعد عن المغرب. كانت هذه الأسماء هي مفتاح قراءة الأجواء السياسية في المغرب. وهكذا أصبحت الدردشات العادية معهم مصدرا مهما لعدد من السفراء، خصوصا سفير الولايات المتحدة الأمريكية في المغرب، لقراءة الخارطة السياسية بالمملكة.

كان هذا في وقت كانت فيه السياسة الداخلية للمغرب تدخل في نطاق الممنوع من التداول في الخارج. كان التوجه العام يقتضي مراعاة عدم تدخل المنابر الأجنبية في الشأن الداخلي للمغرب، خصوصا وأن الأصوات المعارضة كانت تنتقد المغرب بشدة، وتتهم بعض الجهات في الدولة باستغلال النفوذ لتصفية الحسابات السياسية، سيما مع المعارضة.

إلى جانب الأسماء السياسية، كانت هناك أيضا أسماء عسكرية لم يكن يخفى على أحد علاقاتها الواسعة مع الدبلوماسيين الأجانب بالمغرب. كان الجنرال المذبوح أهم هؤلاء جميعا.

السفير الفرنسي فتح محادثات مع مسؤولين أمنيين مغاربة، لكن الملك الراحل الحسن الثاني كان ينظر إلى الموضوع من خلال منظار القضايا السيادية، التي كان يرحب بالتعاون في حلها مع دول أخرى، لكنه لا يقبل تدخلها المباشر أو إملاء التعليمات على المغرب.

عبد الرحيم بوعبيد الذي كان صديقا ومعارضا للملك الحسن الثاني، نجح مرة في تذويب الجليد بين فرنسا والمغرب، بعد أزمة كانت وراءها زوجة الرئيس فرانسوا ميتران. فقد كانت العلاقات بين المغرب وفرنسا فاترة، بسبب تدخل فرنسا في ملفات منها ما هو حقوقي، ومارس الإعلام الفرنسي بعض الضغط على المغرب في هذا الإطار. وهو ما جعل العلاقات بين البلدين تعرف بعض الفتور.

تدخل عبد الرحيم بوعبيد بحكم الصداقة التي كانت تربطه بميتران شخصيا، وشرح له وجهة نظر الملك الحسن الثاني، الذي لم يكن يقبل المساومة في بعض المواضيع خاصة المتعلقة بالمعارضة السياسية المسلحة التي تضع الحوار جانبا.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى