في كرة القدم فقط، يمكنك أن تصبح عاطلا دون أن تظهر عليك أعراض العطالة. تركب نفس السيارة الفارهة تتسوق من كبريات المحلات وتتناول وجباتك في أرقى المطاعم وتطل على الجمهور من منصات التواصل وأنت توزع ابتسامة من فم خضع طاقم أسنانه لعملية “تزليج”.
إحصائيات شبه رسمية تقول، إنه بسبب اختلالات في الملفات المالية لفرقهم السابقة واللاحقة فإن أكثر من 150 لاعبا في البطولة الاحترافية غير مؤهلين لخوض المباريات، رغم أنهم وقعوا عقودا تبخرت بنودها كأنها كتبت بالماء.
من بين العاطلين مجموعة من اللاعبين الذين حملوا في فترات متفاوتة، قميص الفريق الوطني أو شارة عمادة وكانوا يحكمون ويسودون، قبل أن يعجزوا عن حجز مكانة في المنافسات المحلية.
قدرهم اليوم مواجهة شبح “البطالة” بعد أن انتهت فترة الانتقالات دون أن تسجل أسماؤهم بقوائم الأندية التي اختاروها طوعا أو كراهية.
لكن عطالتهم ليست كعطالتنا وقلقهم ليس من صنف قلقنا، لأن أغلبهم استفادوا من عائدات رفع المنع، وضخوا في أرصدتهم ملايين الدراهم مقابل انفصال بالتراضي أو إعادة جدول دين سابق.
في غابة بوسكورة بضواحي الدار البيضاء، جمعتني الصدفة بلاعبين لم يكتب لفرقهم رفع المنع من التعاقدات، كانوا يتمرنون تحت إمرة مدرب لياقة يركض أمامهم وينفخ فيهم روح التفاؤل.
قال المعد البدني للاعبين بعد انتهاء الحصة:
“لا تشغلوا بالكم بأحوال الفرق، لا تتفاوضوا مباشرة مع الرؤساء، لا تتخلصوا من عاداتكم القديمة، عيشوا البطالة وكأنكم نجوم.
وقبل أن يمضي كل إلى غايته شد اللاعبون أزر بعضهم بعضا ورددوا مقطعا من “المنفرجة” والتقطوا صورا مع زوار الغابة ثم ركبوا سياراتهم الفارهة وانسحبوا.
عطالة هؤلاء اللاعبين مختلفة عن عطالة البسطاء، فحقوقهم المالية يضمنها لهم عبد السلام بلقشور، ولياقتهم بيد مدرب له سوابق في ترميم المعنويات، ومصيرهم الكروي أو ما تبقى منه موكول لرؤساء يتعاقدون من لاعبين قبل تبرئة ذممهم المالية.
لا تتبنى هيئة نقابية أو حقوقية ملف “معطلي الكرة”، ولا وجود لحركة معطلين أو جمعية لضحايا المنع من الانتدابات، ولا وجود لتنسيقية قد تشكل قوة ميدانية مؤثرة، حتى جمعية الرفق باللاعبين المحترفين تواجه المشكل بأدعية الصباح والمساء.
في ظل عجز بعض الفرق عن كسر “قفل” المنع من التعاقدات، ومع انتهاء الآجال القانونية لقيد اللاعبين الجدد، تتحول وعود الرؤساء إلى سراب ويختفي أصحاب النوايا الحسنة، فيموت عشق الكرة وتنتحر الأحلام.
يقول لاعب صدق وعود رئيس فريق أقسم يوما بأغلظ إيمانه أن ينهي المنع: “حتى لا أعتزل الكرة بسبب صرامة المساطر، بحثت عن خيارات أخرى في العراق واليمن”.
حين استفاقت العراق من سباتها الكروي، وآمنت بأن الإعمار يبدأ من الملاعب، وأن التصنيف المتقدم في كرة القدم يهم الشعب أكثر من باقي تصنيفات التعليم والصحة والشغل. لجأت إلى السوق المغربية وساهمت في امتصاص البطالة الكروية لنجوم يتربص بها الصدأ، ويقف في المنعرج الاكتئاب يمارس سبق الإصرار والترصد.
نشرت صحيفة “ديلي ميل” الإنجليزية تشكيلا مكونا من 11 لاعبا “عاطلا” عن العمل في موسم 2024 – 2025، لعدم قيدهم في أي ناد خلال فترة الانتقالات الصيفية التي انتهت، وتضم التشكيلة النموذجية للمعطلين لاعبين دوليين سابقين كان مجرد وضعهم في لائحة الاحتياطيين فضيحة، فأحرى سقوطهم من لوائح أنديتهم وعزوف الفرق عن استقطابهم.
التشكيلة المثالية للاعبين المغاربة المعطلين، تضم الحارس الدولي التكناوتي والهبطي وحيمودي وياجور والحافظي وغيرهم من النجوم الذين يعيشون عطالة “هاي كلاس”.