أفيون الشعوب
كشفت إحصائيات رئاسة النيابة العامة عن تطور رهيب في الأرقام المرتبطة بظاهرة جرائم المخدرات، وذلك بانتقال عدد المتابعين على خلفية قضايا المخدرات من 36 ألف شخص في السنة خلال العشرية السابقة إلى 107 آلاف متابع سنة 2017، كما أن الساكنة السجنية البالغة 83 ألف شخص تضم 25 في المائة من المحكومين في إطار قضايا المخدرات. وزادت أرقام مؤسسة عبد النباوي لتؤكد أن غلة الأجهزة الأمنية في مصادرة أفيون الشعوب كانت استثنائية، حيث تمكنت من مصادرة أزيد من 2500 كيلوغرام من المخدرات الصلبة والكوكايين، ومصادرة 51 طنا من الشيرا و90 طنا من القنب الهندي و600 ألف وحدة من حبوب الهلوسة.
لا نملك، حتى الآن، إحصائيات شاملة ودقيقة حول حجم تعاطي المخدرات ورقم معاملاتها التي ستكون بدون شك عصية على الاستيعاب وستصدم الجميع، لكن ما خرج من أرقام وتقديرات عن رئاسة النيابة العامة، تعتبر مؤشرات تقديرية قابلة للمقروئية، وتؤكد حقيقة لا غبار عليها، عنوانها فشل السياسات الاجتماعية، وعدم قدرة الفاعل السياسي في مواجهة تسونامي المخدرات، وترك المؤسسات القضائية والأمنية وحيدة في مواجهة نتائج واضعي السياسات الفاشلة.
أمر طبيعي أن تدخل محاربة الجريمة وتعقب عصابات الاتجار بالمخدرات وتعاطي استهلاكها ضمن صُلب مهمة المؤسّسة الأمنية والقضائية وعملهما، لكن هذا لا يعفي الحكومات من مهامها في وضع سياسات اجتماعية تشكل غطاء شرعيا للمقاربة الأمنية والقضائية، وتقي جيوش العاطلين وتدمج الشباب المقصي وتعيد الأمل للمواطنين بدون أفق للحؤول دون الارتماء في أحضان المخدرات والجريمة، والتحول إلى جيش احتياطي للاستقطاب الإرهابي.
والواقع أنه مع استقالة الحكومة وهشاشة المؤسسات المنتخبة، أصبحت الأجهزة الأمنية والمؤسسة القضائية وحدهما يتحملان عبء الأعطاب الاجتماعية التي يتسبب فيها السياسي بقرارات خرقاء، لا تصلح سوى في توسيع رقعة الاحتجاج والهروب من الواقع بتعاطي المخدرات أو الاستسلام لأحلام الإرهاب في إقامة الدولة الإسلامية والتمتع بالحور العين. وبطبيعة الحال، فإن هاته المؤسسات تعمل على معالجة الوضع بالطرق القانونية المناسبة التي قد لا تحظى برضا الجميع، وقد يعرضها التدخل اليومي لكثير من الإحراج بسبب طبيعة عملها في ضمان سيادة القانون.
إن إعلان الحرب على عالم المخدرات كما الإرهاب يقتضي أن يدرك الجميع أن هذين الخطرين المحدقين هما وجهان لنفس العملة، وهما مرتبطان أولا وأخيرا بقضايا اجتماعية أخرى، وفي مقدمتها التعليم والتربية والصحة والشغل، والإقصاء والتفاوت واللاعدالة الاجتماعية والمجالية. لذا يجب أن نحارب هاته المخاطر ليس عن طريق الأمن والقضاء فقط، بقدر محاربتها عن طريق الأسباب المؤدية لها، وإلا فإن أرقام ضحايا ظاهرة المخدرات والإرهاب ستظل في تصاعد بلا توقف.