نقدّم في هذا التقرير عشر روايات مغربية صدرت سنة 2022، وتركت أثراً في الوسط الأدبي. وهذا الحصر لا يعني أن الروايات المغربية هي عشرة نصوص فقط، بل هذه العشرة تنوب عن نصوص كثيرة غائبة.
1- والله إن هذه الحكاية لحكايتي.. لعبد الفتاح كيليطو
صدرت رواية «والله إن هذه الحكاية لحكايتي» عن منشورات المتوسط بميلانو.
قدّمها الروائي المصري طارق إمام كما يلي: «تطير امرأة «نورا»، من سطح بيت الراوي، حيث ستُسرد حكايتها من أجل العودة إلى حكاية الراوي المتكلم، أو هكذا نظن، لكن حكاية المرأة تنتهي (إن كان ثمة نهاية) من دون أن تبدأ حكاية الراوي المُنتظرة: الحكاية التي توهَّمنا أن الرواية كلها شيدت من أجلها. كأن الواجهة الروائية وُجِدت، فقط، كي تظل واجهة. في فن الرواية، ينشأ الاسترجاع لخدمة الحاضر الروائي، وهو لهذا عنصر اختياري تمامًا: ثمة روايات تلجأ لاستعادة ما قبل الحدث، وثمة لا. لكن كيليطو يقلب المعادلة بعنف: الحاضر كله، الأنا (الحضور الأفدح للراوي في نص)، مكرسةٌ لنفي نفسها، لنفي حكايتها، لنفي الحاضر الروائي، أو لتركه بالكامل رهنًا لتخمين المُتلقي. هيمنةٌ للأنا لن تلبث أن تفسح الطريق للآخر، أو الآخرين: حكاية حسن البصري وجنيّته، حكاية حسن ميرو ونورا، حكاية موريس ونورما. الضمير الأول يحضر، من العتبات إلى المقطع التأسيسي، قبل أن ينكث بوعده عنيفًا، ليتحول الراوي إلى عليم، يسرد حكاية/ حكايات آخرين، دون حكايته.
«والله إن هذه الحكاية لَحكايتي»: عنوانٌ في صيغة قسم، يصلنا صوتُ صاحبه من دون اسمٍ، أو دورٍ، أو مروية. القَسَمُ، الهادف لإقصاء التشكك، يفعل، للمفارقة، عكس غايته بالضبط: يحض المتلقي على تكذيب مرويةٍ نهض خصيصًا كي يحرِّضه على تصديقها. ألا يشبه هذا بالضبط نهيك عن فتح بابٍ بعد منحك مفتاحه، حيث، لا بد، ستفتحه، كما في حكاية «حسن البصري» التي تعيد رواية كيليطو تأويلها؟
من أجواء الرواية:
«يحدث هذا، مرَّة أخرى، في بيت والدَيَّ: ساحة مربَّعة، مفتوحة على السماء
وبالضبط، توجد نورا، زوجة حسن، في الأعلى، على السطح، وقد ارتدت ثوبها من الريش. في ذراعَيْها طفلان نائمان، عُمُر أحدهما سنة، والآخر سنتان. إنها تنتظر منذ الفجر أن يستيقظ حسن.
يُفتَح باب الحجرة أخيراً ويظهر. يتثاءب ويمدِّد يدَيْه بارتياح، ثمَّ يرفع عينَيْه، وحين يُبصِر نورا، يعلم فوراً أن كلَّ شيء قد ضاع، وأنها سترحل عنه، وليس بإمكانه إيقافها. قالت:
– لم أكن أودُّ الذهاب قبل توديعكَ.
ومباشرة، بعد ذلك، طارت وحلَّقت بعض الوقت فوق البيت، ثمَّ اختفت».
2- التيهاء.. لعبد القادر الشاوي
رواية «التيهاء» للروائي والباحث عبد القادر الشاوي (منشورات الفنك) محاولة سردية لاختبار القدرة على مغالبة النسيان، وامتحان الذاكرة في علاقة بالماضي وبزمن الكتابة في الحاضر. وبيان ذلك قد يكون على النحو التالي أيضا: (الذاكرة، الاستذكار، الذهن، اللغة، والكتابة. إنها محاولة لمغالبة النسيان، لأن معظم الذكريات قد يكون بلاها الزمن (التقادم) وقد يكون بقاؤها فيه شيء من مقاومة النسيان بطريقة فيزيولوجية لا يعتريها المرض، وهذه المقاومة جديرة بأن تحدث في عملية الاستعادة كثيرا من التهيؤات التي يحسبها السارد حقائق وجود تلك الذكرى ولكنها قد تكون أيضا ما يتهيأ له بحكم المسافة والبعد، فيحصل ما يمكن تسميته بالاشتباه: وهذه أيضا عملية تذكرية ولكنها استعارية (أي قد لا تتطابق مع الذكرى كما حدثت في زمنها ومكانها إن كان لها مكان.
كما أنها امتحان الذاكرة وامتحان لها، لأن المقصود هو استغوار تلافيفها بحثا، وقد يكون البحث عسيرا، عن الوقائع التي تثوي في أركانها أو قعرها أو في محتواها. الذاكرة هنا هي الحافظة التي تختزن الذكريات، أي الأفعال التي نقوم بها ونعيشها في شكل كتل (أرتال) وجدانية لها جميع مقومات الوجود (زمن الوقوع، مكان الوقوع، العلاقات التي قد تكون وقعت فيها، وباقي التفاصيل الأخرى المرتبطة بما تحفظه الذاكرة وتنغلق عليه بتعبير حديث).
والمقصود بامتحان الذاكرة، حسب عبد القادر الشاوي، هو اختبار القدرة الشعورية على الاستذكار بجميع التفاصيل الممكنة أو بدونها أحيانا، وتتضمن هذه القدرة: الأمر النافذ الشعوري أو اللاشعورري الذي يُعْطى للذهن بالعودة إلى واقعة ما، الوعي بأن لك ذكريات تود استذكارها بصرف النظر عما قد يعتور هذه العملية في بعض الأحيان من صعوبة أو حِران أو نسيان مؤقت أو ما شابه ذلك. كما تتضمن تلك القدرة-الرغبة الذاتية التي تحمل عادة على الاستذكار بمناسبة معينة أو فقط بسبب رغبة شخصية ترمي إلى الاستعادة انسجاما مع مبرر ما. كما تتضمن تلك القدرة فئة من القدرات الفيزيولوجية المعينة: الصحة العقلية لا المرض (الألزايمر مثلا)، الإدراك الثقافي أو العاطفي أو الاجتماعي الذي يهيئ الفرصة للاستذكار ويعطيه قيمة ما (خصوصا عندما يتعلق الأمر بالكتابة أو بالحكاية أو بالخطابة المعتمدة على الاستذكار..)
ولذلك يمكن اعتبار امتحان الذاكرة تلك الرغبة الشخصية المحمولة على النرجسية أو على النوسطالجية في حال من الصحة العقلية والشعورية والذهنية (مع تداخل هذه العوامل) التي تمكن السارد أو المستذكر من القدرة على مجابهة صعاب إعادة بناء الذكرى على ضوء مقومات استذكاره من حيث الزمن وطبيعة الأفعال التذكرية والإطار العام الذي قد يكون مناسبة لذلك كله. وامتحان الذاكرة في الكتابة أو في الحكاية الشفوية هو في نفس الوقت قدرة على اختبار الذاكرة في مواجهة الزمن والبعد والمسافات ومختلف مظاهر التشويش التي قد تصيب الذهن في مجرى تطور الفرد.
3- بيتنا الكبير.. لربيعة ريحان
صدرت للروائية ربيعة ريحان رواية «بيتنا الكبير» عن دار العين بمصر. هذه الملحمة الفاتنة التي نسجتها ريحان في «بيتنا الكبير» تعيدنا لطفرة ملهمة في أصل الوجود البشري، من خلال التمرد الأصيل، تمرد هذا الجد المختلف الذي اتبع فطرة الحق الإنساني الذي يسري في دمه، رغم الخطر والتهديد بفقد حياته.
«بيتنا الكبير» رواية تغور في زمن قريب منا لكنه غائب عنا، زمن تخلَق مثل بركان سوَى يابسة جديدة. رواية تكشف لنا عن سؤال مروق الجد عن جبروت الأجداد في العائلة، وعن غطرسة التسلط في المجتمع، رواية لا تجيب القارئ مباشرة، بل تستدرجه ليعود عبرها إلى بداية خليقة جديدة.
بوعي إنساني طبيعي سنفهم الجد ونبله وجنونه وعصاميته، ونؤيده بعيدا عن صرعات العصر، سواء ذكورية أو نسوية أو أيديويوجية.
يعيد الجد «كبور» بناء عالم جديد على برَيَة غير مأهولة، زاهدا في القديم الواهن إلا من الأصالة.
يأتي بزوجة ثم زوجات ليكون مملكته الصغيرة من الأبناء والبنات، يحميهم ويغرس في تربتهم الكرم والمروءة والنخوة، يعلمهم الدفاع عن أنفسهم وحماية أرضهم من كل الغزاة والمحتالين. يحرص على أن تسري الحرية في دمائهم والعزة في أرواحهم، يراقب عبر عقود حصاده من الحفيدات والأحفاد.
حين يرتاح الجد لوصول بذرته الصافية إلى حفيدته الأثيرة، ترعى هي بدورها سيرته وامتداده بذلك المجبول فيها، فتسرده علينا المبدعة ربيعة ريحان على غير المعتاد كتابة والمألوف في الحكاية، دون ادعاءات بالتفوق ودون علو صوت، بل ببداية جديدة موازية بشكل معنوي لما فعله الجد على الأرض، تروي لنا سيرة وعالم النساء في «بيتنا الكبير»، هذا العالم الذي ينسج تاريخا مكثفا طرزته الروائية بتؤدة وفن وفتنة عالية.
رواية «بيتنا الكبير» ملحمية بجدارة، تتشابك فيها الأجيال بسهولة وبرفْوٍ أدبي متمكَن، كتابة ملهمة تستحق الانتباه وحوارات جديرة بالالتفات عبر نسيج مكتوب بفطنة وفرادة ومتعة.
4- وتأخذني حيرتي وظنوني.. لسعيد بنكراد
صدرت للكاتب سعيد بنكراد سيرته الذاتية «وتحملني حيرتي وظنوني.. سيرة التكوين» عن المركز الثقافي للكتاب. وقد حاول فيها تذكر وجرد ذكرياته منذ الطفولة مروراً بسيرة الدراسة والتحصيل العلمي لمواجهة نسيان زخم فكري وحياتي ونضالي يبقى موشوماً في ذاكرة من عاشه. وقد كان هذا الكتاب الشيّق مرشحا بقوة للفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورة 2022.
نقرأ من مقدمة الكتاب:
«يمثل هذا النص حالة من حالات بوح فكري لم يكن من الممكن أن يستقيم إلا من خلال ما يبيحه السرد ويكشف عنه. وهذه طريقة أخرى لتشخيص المعرفة وتحويلها إلى فرجة، وتلك أيضا وظيفة التوسط التي يقوم بها السرد. فهو لا يكتفي، على خلاف ظاهره، برواية وقائع وأحداث تنتمي إلى ماض لن يعود أبدا، إنه يقوم في المقام الأول بتشخيص الخبرة الإنسانية وإدراجها ضمن تفاصيل «فرجة حياتية» هي السبيل الأمثل إلى تعميمها. إنه يقوم بذلك استنادا إلى إكراهات زمنية تُعاش في «اليومي» في غفلة من الفرد ومن قدرته على إعادة صياغتها في مفاهيم تُجرِّدها. وبذلك نُظر إليه منذ القديم باعتباره تمثيلا زمنيا لعالم لا يمكن أن يوجد إلا داخل محكيات تُفَصِّل القول في حالاته وتحولاته وتُحصي آثارها في الكائنات والأشياء؛ فهو «حارس أمين» على زمنية إنسانية تُدرك في هذه المحكيات وحدها.
لذلك لا يمكن للحياة أن تتسلل إلى الذاكرة إلا من خلال قدرة الإنسان على التقاط صورها كما تتحقق ضمن «إيقاعات» زمنية تُرى في أمداء خاصة هي محكيات السرد وأساطيره، أي ما يُشكل سيرة الأفراد والجماعات، وما يشكل «هويتهم السردية» بكل أبعادها أيضا. فنحن لا نستوطن الزمن ونحياه واسطة ما فعلناه فحسب، بل نلجه أيضا وفق ما حلمنا به أو تمنيناه أو ظل كامنا في وجداننا أو طوحت به الإحباطات. وذاك شرط اشتغال الذاكرة، إنها تستعيد ما خزنته حقا وما علِق بها عرَضا، أو ما حاولت إعادة تركيبه استنادا إلى حيوات أخرى هي ما يُصدِّق على ما يرويه الناس عن أنفسهم. فنحن في السيرة وفي الحياة أيضا نستمد جزءا كبيرا من هويتنا من انتماءات قبْلية. وتلك وظيفة السيرة أو جزء منها على الأقل، وذاك ما يتحكم في تقاطعاتها مع ما يُبنى في التخييل أيضا؛ فالذي يحكي يفعل ذلك ليُقنع نفسه بقصته قبل أن يقنع الآخرين بها. «ذلك أن الذات تتعرف على نفسها في القصة التي ترويها لنفسها عن نفسها» (ريكور). فالحاكي في السيرة، وفي التجربة الواقعية على حد سواء، لا يأتي إلى الأشياء خالي الذهن أو بريئا من كل حكم مسبق، إنه يلتقط منها ما تجيزه موسوعته أو ما تشتهيه نفسه فقط.
إنها بذلك لا تختلف إلا قليلا عما يبنيه التخييل الروائي، وعما تكشف عنه وقائع التاريخ وطريقة استعادتها. فالرواية مشدودة دائما إلى ما تقوم بتمثيله من خارجها، وبالمثل لا تستطيع «موضوعية» الوقائع في التاريخ خلاصا مما تُنتجه الذاكرة على هامش ما يتطور خارج وعي الذات، أو ما يُراد إخفاؤه أو التمويه عليه. لقد خسرت أمريكا حربها في الفيتنام، ولكنها كسبت كل معاركها في هوليود. لقد هُزمت في حقيقة التاريخ، ولكنها انتصرت في محكيات التخييل. فهذه المحكيات أطول عمرا وأشد وقعا من حقائق الوجود».
5- حرب الكوم.. لمحمد المعزوز
صدرت للباحث والروائي محمد المعزوز رواية «حرب الگوم» عن المركز العربي للكتاب، بعد روايته «بأي ذنب رحلت»، التي رشحت في القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية المعروفة «جائزة البوكر للرواية العربية»، وبعد روايته «رفيف الفصول» التي سبق أن توجت بجائزة المغرب للكتاب.
يقول محمد المعزوز عن الدافع الذي كان وراء كتابة الرواية: «دافعي لكتابة هذه الرواية هو أن جمعيات حقوقية في إيطاليا قد رفعت دعوى ضد المغرب، على أساس أن الگوم، الجنود المغاربة في إيطاليا، قد اغتصبوا الإيطاليات. وهذا موضوع استفزّني، وفي رحلاتي إلى المركز الوطني للبحوث السوسيولوجية، حصلت على وثائق تقول عكس الرواية الموجودة في زعم المجتمع المدني الإيطالي، وقد ضُلّلوا بالتأكيد».
انطلقت الرواية من قصة حقيقية في مدينة وجدة، وعائلة شاركت في الحرب، من بين أفرادها عيسى وموسى، اللذان يحكيان تسامح المغاربة في تونس، ومحاولة إنقاذ أسر يهودية من النازية، وإدخالها إلى وجدة، من بينها عائلة باروخ، وهو ما تولدت عنه علاقة عشق، وأخذت الرواية هذا المسار الإنساني؛ العشق بدون تعصب أو تحيز لانتماء ديني.
بطلا الرواية عيسى وموسى، وفق المعزوز: «حررا مونتي كاسينو في إيطاليا، ويحكيان معاناة المغاربة، وعدم اقتناعهم بالمحاربة مع فرنسا المستعمرة والظالمة، وحسّهُم الإنساني يقول: كان بالأحرى أن نجاهد أو نقاوم من أجل تحرير المغرب وليس من أجل فرنسا».
6- معزوفة الأرنب.. لمحمد الهرادي
صدرت للروائي والقاص محمد الهرادي روايةٌ جديدة بعنوان «معزُوفة الأرنب» عن منشورات المتوسط في مدينة ميلانو الإيطالية. وكتب الناقد محمد برادة في غلاف الرواية أن القارئ يُطالعُ هنا «رواية غنية في عناصرها الواقعيّة، غرائبيّة في تهويماتها التخييليّة، جميلة بلُغتها المُتدفّقة، المُكتنزة بالاستعارات والإحالات، الطامحة إلى الإمساكِ بالكينونة المتأرجحة بين الطابَع البشري والظّلال الخرافية… القارئ لن يفلتَ من سحرها قبل أن يستوعب دلالاتها ورموزَها التي تستوحي مشاهِدَ الطفولة المُلتحمة بتاريخ المغرب قبَيْلَ الاستقلال ثم بعدهُ. كما سيتوقّفُ عند شخصيتيْ إدريس الذي لقّبَ نفسَه بـ«صاحب السمُوّ»؛ وسعاد التي درستْ الأدب الإنكليزي، وواجهتْ تجربة تحقيق الذات، من خلال علاقة غرامية مُلتبسة مع إدريس المفتون بتاريخ روسيا، وأبطال ثورتها، وروايات كُتابِها، وسيمفونيات مُوسيقيّيها».
وأضاف برادة: «لا أبالغ إذا قلتُ إن صاحب «اللوز المُرّ» يُدشّنُ بهذه الرواية مرحلةً جديدة من مساره، ومن مسار الرواية المغربية المتطلعة إلى أفق يلائمُ بين مخزون الذاكرة وانفلاتات التخييلِ المُتدثر باللغة الرقراقة الموحية.»
عرف محمد الهرادي عند النقاد والقراء المغاربة، بل والعرب، بمجموعاته القصصية: اللوز المر، ذيل القط. وبرواياته الغرائبية: أحلام بقرة، دانتي، ديك الشمال. وهو يجر وراءه تاريخا طويا، ومشرفاً، في السرد الحديث امتد على مدى أربعين سنة.
مغاربة في بيت أمريكي.. لمحمود عبد الغني
صدرت رواية «مغاربة في بيت أمريكي» لمحمود عبد الغني عن دار الآن ناشرون وموزعون بالأردن. وتقع في 330 صفحة من القطع المتوسط. تعد الرواية عملا تسجيليا يسترجع أحداثا واقعية يمازجها الخيال أحيانا، بهدف توثيق سيرة الأعلام الذين مرّوا، أو استقروا بطنجة.
سجلت الرواية سير كتاب أمريكيين شكلت طنجة محطة رئيسية من محطات إبداعهم، من بينهم المسرحي الأمريكي تينيسي وليامز الذي عاش في طنجة فترة طويلة، وبول بولز وزوجته جين بولز، وجيرترود ستاين وويليام بوروز، أما المبدعون المغاربة فقد قدمت الرواية عددا كبيرا منهم؛ إذ نجد، بالإضافة إلى محمد شكري، كلا من محمد المرابط ومحمد زفزاف وأحمد اليعقوبي والعربي العياشي.
يقدم محمود عبد الغني طنجة لقارئه منذ الفقرة الأولى، فيشير إلى معنى اسمها، ويسرد لمحات من تاريخها، ويصف أهلها ومعالمها قائلا: «أما بَشَرة أهل طنجيس البيضاء الصافية فراجعة إلى وجود بحرين متألقين يحيطان بها مثل وشاح مائي متلألئ. وحتى الأشجار، وهي أجمل تحف المدينة، تبدو أوراقها صافية اللون وشفافة كأنها نبتت ونمت في الظل. وإن قارن المرء بين ناس وأشجار مدن الجنوب، الأشجار هنا والنخيل هناك، فإنه سيقف بإعجاب أمام بياض طنجيس مقارنة بلون الجنوب الذي يميل إلى لون الحداد. لكن في الليل تُترك مدن الجنوب للشموع تضيء البيوت من الداخل، بينما القمر يتكلف بإضاءة الخارج دون أن تمنعه أشجار النخيل من الوصول إلى الرؤوس المتجولة بحثا عن نسمة هواء».
جاء على غلاف الرواية نصٌّ يخاطب فيه محمد شكري الأديب الياباني نوتاهارا الذي اضطلع بمهمة ترجمة رواية شكري الأشهر «الخبز الحافي» إلى اللغة اليابانية: «إنّها الحاديةَ عشرةَ. لقد وُلِدتُ ذات يومٍ في مثل هذه السّاعة، لذلك ظلّت هذه الساعةُ زمنَ انتشائي الدّائم. كلّما دقّت أشعرُ بشيء ما حلّ في عقلي، شيءٍ مختلفٍ وعظيم. أتغيّـرُ تمامًا عمّا كنتُ عليه في السّاعات السّابقة. كنتُ قبل قليل مشغولًا بأفكار سوداء، حدثتُكَ عن السُّحب السّوداء والطّقس السّيئ. خفتُ على السُّفن في البحر، وعلى النّاس في الشّوارع والبيوت. وها أنا الآن، مع حلول السّاعة الحاديةَ عشرة، أعود إلى حماقاتي المألوفة. هل ستودّعني الآن؟ أرى أنّك تُعيد علبةَ سجائرك إلى الجيب، وتُخرج محفظة نقودك من أجل الأداء! لا تفعل ذلك رجاء يا نوتوهارا، أنت مدعوٌّ عندي كلّما دقّت الحاديةَ عشرةَ ليلًا، فرجاء اقبلْ دعوتي. عُدْ إلى مكانك، وضعْ علبة سجائرك على الطّاولة، واشرب معي كأسًا آخر. ما أحلاها ستكون».
جدير بالذكر أن محمود عبد الغنى كاتب من المغرب، وهو أستاذ الأدب القديم والحديث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. وقد صدرت له مجموعة من الروايات والدراسات والترجمات والمعاجم، ونالت روايته «الهدية الأخيرة» جائزة المغرب للكتاب في عام 2013.
8- نقطة الانحدار.. لفاتحة مرشيد
صدرت رواية «نقطة الانحدار» عن المركز الثقافي للكتاب، بيروت/ الدار البيضاء، 2022، وتقع في 190 صفحة من القطع المتوسط.
بأسلوبها المتفرد وجرأتها المعتادة تغوص فاتحة مرشيد في العوالم المعتمة للمجتمع الأمريكي لتقدم لنا من خلال شخصية مهاجر مغربي – وصل إلى قمة النجاح قبل أن يبدأ رحلة الانحدار- تحليلا دقيقا لواقع «الحلم الأمريكي» الذي أصبح كابوسا عند الكثيرين، مسلطة الضوء على عالم الهامش والعمق المأساوي لظاهرة المشردين.
من أجواء الرواية:
«لا أكاد أصدق أنني هنا على بعد كيلومترات معدودات من وادي السليكون عاصمة التكنولوجيا في العالم.. عن جامعة ستانفورد العريقة والمراكز الرئيسية لشركات الـ«غافا» المكونة من غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون. وأتساءل: كيف يعقل أن يكون البلد الذي ينتج أكبر عدد من العلماء والباحثين والحاصلين على جوائز نوبل والذي يستقطب أذكياء العالم هو نفسه الذي ينتج أكبر عدد من المشردين؟
كنت أعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية لها الصدارة في الرفع بالإنسان إلى أعلى، ولم أكن أشك في أن لها الصدارة في الرمي به إلى الأسفل كذلك».
«نقطة الانحدار» نص يحطم أسطورة «الحلم الأمريكي»، ويعيد صياغة أسئلة الهجرة والهوية ومعنى النجاح، من خلال قصة شديدة التأثير تؤكد أن كل صعود يحمل في طياته أسباب النزول.
9- حبس قارة.. سعيد بنسعيد العلوي
صدرت رواية «حبس قارة» للروائي والباحث المغربي سعيد بنسعيد العلوي عن المركز الثقافي للكتاب.
وتتميز الرواية بكونها تجمع بين السيرة الذاتية وسيرة شخوص آخرين ضمن أحداث ومدارات فجائية تنسج منها الخيوط الدرامية للعمل الذي يراوح فيه الحكي بين «أنا» الراوي (عبد الجبار) و«أنا» الشخصية الرئيسة: الرسام أوجين دولاكروا، وعلى هذا النحو يتنقل الراوي في سرده للأحداث عبر الأزمنة والفضاءات والشخوص.
تقوم الحكاية الإطار في رواية «حبس قارة» على رغبة السارد، عبد الجبار، في إنجاز بحث تاريخي في نهاية تخرجه في سلك الإجازة من شعبة التاريخ بكلية الآداب بالرباط في سبعينات القرن العشرين.
وكان مشروع بحثه يدور حول «الأسرى الأوروبيين في حبس قارة في عهد السلطان مولاي إسماعيل»؛ فحاول جمع مادة بحثه، وما يتصل به من مخطوطات ووثائق وكتابات تاريخية. ولكن وفاة والد السارد، مولاي البشير، في أواخر السنة الجامعية، وفي موسم الامتحانات، أجلت البحث عندما عاد السارد إلى دار أهله بمكناس لحضور مراسم العزاء.
يمتد زمن الرواية زمنين، يعود الزمن الأول من الحاضر إلى الماضي، والثاني من الحاضر إلى المستقبل. بموازاة ذلك هناك الحضور الكثيف للزمن الدوري (زمن الأثقال) الذي تمثله مدينة وليلي أو قصر«فرعون» كما يسميها السكان المحليون، وكذا «حبس قارة» سجن العفاريت العصاة.
وهناك الزمن المتوسط الذي تدور فيه الأحداث الماضية أو المسترجعة، ثم الزمن القصير وهو يمثل الأحداث بآنيتها اليومية السريعة والمتلاحقة، وإن كانت «أياما يكون منها في زمن قصير جدا ما ليس يحدث في المعتاد في مدد طويلة…»
يذكر أن رواية «حبس قارة» هي الرواية الخامسة في السجل السردي لمؤلفها بعد «مسك الليل» (2010)، و«الخديعة» (2011)، و«ثورة المريدين» (2016)، و«سبع ليال وثمانية أيام» (2017).
10- واحة تينونا.. لأحمد التوفيق
بعنوان «واحة تينونا أو سر الطائر على الكتف»، صدرت رواية جديدة للروائي والمؤرخ المغربي أحمد التوفيق، يبحث فيها على امتداد 287 صفحة عن مثل معينة، منها المثالية التي هي نوع من الاجتهاد من أجل الكمال، والتي لا سبيل للوصول إليها سوى نكران الذات عبر سلك طرق التصوف.
وتصف ورقة تقديمية للرواية هذا العمل بكونه يجعل قارئه مدعوا لاكتشاف مسار أو سلوك غير معتاد لزوجين توفرت لهما جميع المطالب فقادهما البحث عن شيء آخر يكمن في سر الطائر على الكتف «تشوف»، كما سماه الكاتب، قاد الزوجين إلى محنة تحولت إلى منحة ربانية تجعل حاملها يتخلص من أنانية الفرد.
وتتعقب الرواية، وفق الورقة ذاتها، حياة شيخ الواحة التي تدور حولها أحداث الرواية، والذي كانت هدية أحد تجار قافلة «أكابار» نقطة تحول كبيرة في حياته، والتي لم تكن سوى جارية ذات حسن وجمال وخلق ودين.
وتتابع الرواية مسار شق طريق التصوف في الواحة المسماة «تين أونا» (ذات الآبار) طوال أربعة عقود في رحاب المجاهدة بالنسبة للزوج، أما الزوجة فقد كانت ليلة واحدة كافية لكشف الفضل للزوج للتدرج في مراتب التصوف والعلم بالله والتوحيد الخاص.
وللمؤرخ والروائي المغربي أحمد التوفيق إصدارات اقتحم بها عالم الرواية، منها «جيران أبي العباس» التي يغوص من خلالها في سيرة واحد من أشهر رجالات مراكش، في قالب روائي يحضر فيه أمراء وعلماء وفلاسفة كانوا علامة تميز ونهضة فترة العصر الموحدي بالغرب الإسلامي، علاوة على رواية «جارات أبي موسى» التي عدت بمثابة مغامرة في عالم الرواية لباحث قادم من عوالم التاريخ.