شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

أغرب هبات زلازل المغرب فقراء اغتنوا من النكبات وضحايا في ضيافة تيت

حين ضرب زلزال مدمر منطقة الحوز وضواحيها، أعلن المواطنون استعدادهم لنجدة إخوانهم المحاصرين في منطقة جبلية نائية، وهبوا في قوافل نالت استحسان العالم، إلى بؤر النكبة لدعم الضحايا وانتشال الجثث من تحت الأنقاض قبل أن تصل قوافل النجدة الرسمية.

مقالات ذات صلة

في كل كارثة طبيعية هناك ضحايا وهناك محسنون وهناك أيضا منتفعون، حتى الناجون لم يسلموا من عاهات وخدوش نفسية أو حركية.

أبناء الحوز، الذين عاشوا تفاصيل الزلزال المدمر، يروون حكايات تجعلك تطلق من حيث لا تدري زفرات القلق من الأعماق، بل ينتابك عند سماعها زلزال نفسي رهيب لا يقاس بسلم ريشتر.

في كل زلزال يظهر المعدن الأصيل للمواطنين، ويصبح التطوع خصلة حميدة تضع صاحبها في الجبهة الأولى للنكبات، لكن زلزال الحوز أصبح عنوانا للإيثار حين هرع الفقراء قبل الأغنياء إلى إرسال الدعم للجهات المنكوبة دون وصل تسليم أو شهادة تبرع، حتى الذين لا يجدون مالا تبرعوا بصبيب الدماء.

بين زلزال أكادير ونظيره الريفي الذي ضرب الحسيمة وزلزال الحوز المدمر، قواسم مشتركة أبرزها التطوع، ولم يعد الإحسان شأن الأثرياء بل أضحى هما جماعيا يشغل كل الناس، فقراء وأغنياء.

من هذا المنطلق تعددت أوجه التبرع في زلزال الحوز، بل وأخذت منحى مثيرا للاستغراب أحيانا، حين يقرر الأطفال المساهمة في دعم الضحايا ولو بمحفظة مستعملة، أو حين يضع شخص شقته بمراكش رهن إشارة عائلات المصابين، ناهيك عن مظاهر أخرى للدعم تسجل في ميزان حسنات أصحابها.

في ملف «الأخبار» الأسبوعي استحضار لأغرب الهدايا، وكشف عن المنتفعين من المخاطر الذين يجعلون النكبات فرصة للاغتناء.

حسن البصري

 

قميص الرجاء وانخراط في الأكاديمية.. هدية لطفل فقد عائلته

تناقلت منصات التواصل الاجتماعي صورة طفل خرج من تحت الأنقاض وهو يرتدي قميص فريق الرجاء البيضاوي. انتشرت الصورة على نطاق واسع، فتحرك الرجاويون إلى موقع النكبة في الحوز أملا في التكفل بطفل يتيم فقد والديه في ليلة الزلزال.

حلت جمعية العش الأخضر لأنصار الرجاء البيضاوي بموقع الفاجعة وبحثت عن الطفل الرجاوي المكلوم. وفي التفاتة إنسانية أعلن نادي الرجاء المغربي عن تقديم دعم مادي ومعنوي للطفل، الذي كان سعيدا وهو يتلقى قميص الرجاء من يد رئيس الجمعية مع وعد باستكمال إجراءات انخراطه في أكاديمية الفريق الأخضر.

وأعلن رئيس نادي الرجاء، محمد بودريقة، دعم الطفل الذي ظهر في مقطع مصور وهو يرتدي قميص الفريق، كما قاد أنصار النادي حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم الطفل وانتشاله من الضياع، خاصة وأنه مهدد بموسم دراسي أبيض، إذ وافق رئيس الرجاء على تسجيل الطفل اليتيم بأكاديمية الفريق ومساعدته على متابعة دراسته.

ليس الرجاء الفريق المغربي الوحيد الذي أدخل الفرحة على أطفال مكلومين، بل إن العديد من مشجعي الفرق الوطنية اختاروا، عبر فصائل «الإلتراس»، توفير قمصان وبذل رياضية وحتى الكرات كانت حاضرة في شاحنات الشحن.

ظهر طفل آخر مرتديا قميص ريال مدريد وهو يتحدث عن مقتل أسرته في الزلزال، حينها أطلق النادي الإسباني حملة لتحديد مكان طفل مغربي يدعى عبد الرحيم، فقد كل أفراد أسرته جراء الزلزال المدمر الذي ضرب عدة مناطق في الجنوب.

وفي فقرة من فقرات البرنامج التلفزيوني الإسباني، «إلشرينغيتو»، ظهر الطفل وهو يرتدي قميص الريال ما حرك وجدان أنصار هذا الفريق، إذ تم على الفور ربط الاتصال برابطة محبي الريال في المغرب من أجل الوصول إلى الطفل المتيم بحب النادي الملكي ومساعدته في محنته.

 

دمية وخاتم وخمسة كيلوغرامات دقيق.. هدايا بسيطة ودلالات عميقة

ليس الإحسان بالضرورة مالا أو كسوة أو مسكنا، فقد كان المغاربة يهبون لمساعدة الضحايا كل بما ملكت يداه. بينما كانت فرق الإنقاذ تواصل عملية انتشال الجثث وتحصي الضحايا الذين ضربهم زلزال مدمر لم تشهده المنطقة من قبل.

هب المغاربة بمختلف فئاتهم الاجتماعية لجمع التبرعات والمساعدات من أجل إيصالها إلى سكان المناطق المتضررة، منهم أشخاص معوزون وآخرون في وضعية إعاقة، وأطفال وأمهات وآباء لم يخلفوا الميعاد. فتح حساب بنكي لدعم الضحايا وقالت بلاغات الحكومة إن التبرع في الحساب لا شرط فيه، أي أن المساهمة قد تصل إلى عشرة دراهم.

لكن مع كل يوم يتبين أن روح التضامن تسكن المغاربة من مختلف الشرائح الاجتماعية، وأن الإحسان ليس حكرا على الأغنياء. تداولت منصات التواصل الاجتماعي قصة رجل جاء بدراجته الهوائية مسرعا قاصدا قافلة المساعدات قبل انطلاقها، كان همه الوحيد إيصال ربع كيس من الدقيق للقافلة كنوع من المساعدة التي استطاع تقديمها لضحايا الزلزال.

يقطن هذا الرجل البسيط في مدينة تزنيت، بدا سعيدا وهو يسلم المساعدة للمكلفين بقافلة الدعم، ثم عاد أدراجه مباشرة بعد تسليم المساعدة، دون أن يعلم أنه سيصبح، بعدها بلحظات، من رموز المساعدة وتنتقل صورته بين الفضائيات والأرضيات، ليصبح بذلك عنوانا ورمزا للعطاء، ونجما من نجوم رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن المنطقة نفسها أصر رجل من جماعة لخصاص على الركض وراء قافلة ومنح القائمين عليها بعضا مما يملكه في منزله من فراش بسيط، لربما يكون أحد المنكوبين في حاجة إليه، سلم المتطوعين فراشا وغطاء وهو سعيد بإيثاره، بل إنه أقسم بأنه لا يملك فراشا بديلا، لكن الوازع الوطني والديني والأخلاقي تحرك في دواخله.

وعبرت طفلة عن تضامنها مع طفلة أخرى لم تسمع عنها قط ولم تلعب معها، كما أنها لم ترها، لكنها اقتنعت بحاجتها لدمية أكثر منها، لربما تخفف من حزنها ومن آلامها. شكلت هذه المبادرة معنى آخر من معاني التضامن ارتأت أسرة هذه الطفلة أن توصله دون الكشف عن هويتها، لتصبح أيضا من رموز العطاء. أرفقت الطفلة دميتها برسالة مؤثرة تقول سطورها: «مرحبا صديقتي، اسمي سيليا وعمري أربع سنوات، هذه دميتي المفضلة والآن أصبحت ملكك، أتمنى أن تعجبك».

تعددت المبادرات السخية والأقل سخاء، ومن بين الأشرطة المؤثرة التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بكل اعتزاز وحزن في الوقت نفسه، مشهد سيدة قصدت قافلة جمع المساعدات لتقديم خاتمها هبة لضحايا الزلزال، قائلة إنها لا تملك أي شيء آخر تساعد به غير خاتمها، لم تطالب القائمين على القافلة بوصل تسليم ولم تسأل عن وجهتهم، بل اكتفت بالدعاء للمصابين.

هناك سيدات مسنات توجهن إلى قافلة في مدينة زكورة وسلمن كيسا صغيرا فيه «تحويشة العمر»، وطلبن من القائمين على الرحلة التضامنية تسليم الكيس لنساء في سنهن دون الكشف عمن تبرعن به، إيمانا منهن بأن الصدقة تكون «مستورة».

حكاية كيس الدقيق تجددت في الحسيمة حين هرع شخص في وضعية إعاقة صوب القائمين على رحلة تضامنية من الحسيمة إلى الحوز، وسلم أفرادها كيس دقيق كان بدوره تسلمه هدية من أحد المحسنين، وقال في تدوينته: «لولا الإعاقة لكنت في طليعة المتطوعين».

 

ابنة المارشال أمزيان تعالج العيون الدامعة في زلزال الحسيمة

ساهمت الدكتورة ليلى أمزيان، نجلة المارشال محمد أمزيان، الذي تعتبره الروايات من القيادات العسكرية الإسبانية التي كان لها دور في قمع انتفاضة الريف، لكن الزوجة الأمازيغية وليدة بني نصار قرب الناضور، ظلت حريصة على الدفع بزوجها عثمان نحو الاستثمار الإنساني في دعم الهوية الأمازيغية من خلال مساهمتها في دعم مجموعة من جمعيات المجتمع المدني التي تناضل في جبهة الهوية، كما لعبت دورا كبيرا في التخفيف من أضرار فاجعة زلزال 2004 الذي ضرب مدينة الحسيمة.

ولدت ليلى، على غرار عثمان، وفي فمها ملعقة من ذهب، وحين اختارت طب العيون لم تفتح عيادة أو تنضم لقوافل الأطباء، بل اختارت هذه المهنة لـ«البريستيج» على غرار عدد من سيدات المجتمع المخملي، وحده زلزال الحسيمة جعلها تتذكر وظيفتها الإنسانية وتهب لمساعدة المتضررين.

ولد زوجها عثمان عام 1932 في مدينة فاس، وسط أسرة ميسورة الحال، حيث كان والده عياش يملك مقاولة للنسيج، كما أن جده عرف بثرائه حيث كان من أكبر تجار فاس، وأبرز مستوردي الشاي من الصين إلى جوار الحاج عابد وحسن مول أتاي. لكن عثمان اختار سبيلا آخر بعيدا عن الشاي والنسيج وقرر تنفيذ حلم المهندس المعماري الذي سيكنه. عاش الفتى جزءا من طفولته وشبابه في مدينة الدار البيضاء، إذ حصل على شهادة الباكالوريا من ثانوية ليوطي، ليعلن هجرته نحو أوربا طلبا للعلم، إلى جانب شقيقه عمر، الذي كان يملك حسا تجاريا استباقيا، ويسعى ليصبح نسخة من جده الأكبر، الخليع بن الطالب بن جلون، التاجر المقرب من سلاطين المملكة والذي كان يعتبر الصندوق الأسود لملوك الدولة العلوية في القرن الثامن عشر الميلادي، خاصة في النكبات.

دراجات «جيت سكي» في قوافل التبرعات لزلزال الحسيمة

في قوافل زلزال الحسيمة عشرات المواقف المثيرة للسخرية والشك، بعد بضعة أيام من اهتزاز أرضها ليلة 25 فبراير 2004، مخلفا زهاء ألف قتيل وآلاف المصابين، هرع المغاربة رغم بساطتهم لنجدة الضحايا، فأبانوا عن حس إنساني كبير، خاصة وأن القوافل وصلت إلى المدينة المنكوبة من مختلف مناطق المملكة بقلب واحد ويد واحدة، لم يتهافتوا وراء الصور، ولم يعلنوا عنه، بل ساروا بكل عزم نحو القافلات المكلفة بجمع المساعدات وعادوا أدراجهم.

في مستودع الإعلانات الذي خصصته خلية الأزمة، كانت الكراسي المتحركة متكدسة بالعشرات، وكذلك المواد الغذائية المختلفة، بل إن مديرية الجمارك أصدرت قرارا بتحويل المواد المحجوزة من التهريب إلى لجنة دعم زلزال الحسيمة. ومن المواقف الطريفة، التي رافقت هذا القرار، أن السلع المحجوزة التي عرفت طريقها صوب مخازن الدعم في المدينة، تضمنت كميات من الشكولاتة المهربة والألبسة والمصبرات والأحذية الرياضية، لكن أثناء إحصائها تبين أن قنينات «ويسكي» تسللت خطأ إلى الكميات المسلمة للخلية، ما أثار سخرية القائمين على جرد المساعدات.

ومن المواقف الطريفة التي ميزت مساعدات ضحايا زلزال الحسيمة، وجود درجات «جيت سكي» ضمن محتويات القوافل التضامنية التي وصل معظمها من أبناء المنطقة المقيمين في أوروبا، وهم يعدون بعشرات الآلاف موزعين أساسا بين ألمانيا وهولندا وبلجيكا، وكانت تفوق الحاجيات.

 

أم كلثوم تغني في سينما «ريفولي» تضامنا مع ضحايا زلزال أكادير

بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الملك الراحل محمد الخامس، شهر مارس 1960، إلى مكة المكرمة، كانت الأخيرة له للأراضي المقدسة قبل وفاته، قرر أن يعرج على القاهرة حيث سيستقبل محمد عبد الكريم الخطابي رمز المقاومة المغربية، وسيتسلم كذلك دكتوراه فخرية بحضور الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وشهدت الزيارة، أيضا، لقاء مع «كوكب الشرق»، أم كلثوم، والموسيقار محمد عبد الوهاب.

خلال جلسة رتبها الرئيس المصري، جمعت أم كلثوم بمحمد الخامس بحضور جمال عبد الناصر، تم تداول نكبة زلزال أكادير، فأعلنت «كوكب الشرق» دعمها للضحايا بإقامة حفل ساهر في سينما «ريفولي» قلب القاهرة. لقيت الفكرة ترحيبا من العاهل المغربي، بعد أن أعلنت المطربة المصرية تخصيص جميع المداخيل لفائدة منكوبي زلزال أكادير.

في سينما «ريفولي» العريقة، والتي يرجع تأسيسها إلى 1950، وتعد من أملاك الأمير طلال بن عبد العزيز، تقرر إقامة الحفل التضامني، خاصة وأن مالكها تخلى عن نفقات كراء القاعة انسجاما مع الحدث وتكريسا للتآزر العربي.

في جلسة سبقت الحفل، تدارس ديوان الملك محمد الخامس، مع المنظمين، إمكانية تنظيم حفلين، خاصة وأن سينما «ريفولي» كانت تضم خمس قاعات بطاقة استيعابية قدرها 2350 مقعدا.

وحسب صحيفة «المصور» المصرية، فإن محمد الخامس وعبد الناصر وقادة الجيش المصري وولي العهد مولاي الحسن، حضروا السهرة، التي قال منشطها في مستهلها: «بقيمة هذه الحفلة وبقيمة الحضور إليها، وبقيمة المساهمة فيها، حفلة تجمع بين سهرة فنية خالصة وبين مساهمة كريمة يقوم بها شعبنا العربي لإخوة لنا في مدينة أكادير».. رفع الستار فأعقبه تصفيق حاد طغى على صوت مقدم الحفل عندما أطلت أم كلثوم على الجمهور.

كانت ليلة 31 مارس 1960 خالدة بكل المقاييس «الحدث فني بصبغة سياسية، والمناسبة حفل غنائي لكوكب الشرق، يذهب ريعه لمنكوبي زلزال مدينة أكادير المغربية، وأبرز حضوره ملك المغرب محمد الخامس»، تضيف المجلة ذاتها.

قدمت أم كلثوم أغاني عدة، منها «لسه فاكر، الحب كده»، وبدأت السهرة بـ«ذكريات» من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي، التي تقول مقدمتها «ذكريات عبرت أفق خيالي. بارقا يلمع في جنح الليالي. نبهت قلبي من غفوته. وجلت لي ستر أيامي الخوالي. كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي. إنها قصة حبي. ذكريات، وهي الأغنية التي حولت القاعة إلى فضاء دافئ.

 

الأميرة لالة عائشة ضمن خلية أزمة زلزال أكادير

كانت الأميرة لالة عائشة، التي ولدت بالرباط في 17 يونيو 1930، تتمتع، في طفولتها، بذكاء ملحوظ، شهد لها بذلك أساتذتها، وأسند إليها والدها الملك محمد الخامس، وهي في شبابها، مسؤوليات تمثيل المرأة المغربية، وقامت في هذا المجال بدور فعال، بل إنها سجلت حضورا ملفتا سنة 1947، حين زار الملك محمد الخامس مدينة طنجة، وألقت الأميرة للا عائشة، يومها، في تلك المناسبة، خطابا مهما، بعد خطاب والدها التاريخي الذي أعلن فيه انتماء المغرب للأمة العربية والعالم الإسلامي، وعمرها لم يكن يتجاوز 17 سنة، على حد قول سان برو، المؤرخ الفرنسي.

في 27 أبريل 1957 أسندت إليها رئاسة مؤسسة التعاون الوطني، ورافقته في أول مهمة إلى أكادير، وفي اجتماع تحت خيمة بالقرب من تالبورجت المنكوبة، كلف الملك محمد الخامس، الأميرة لالة عائشة، بجمع التبرعات باعتبارها رئيسة للتعاون الوطني، كما كلفها بالاتصال بالعمال على مستوى أقاليم المملكة، بتنسيق مع وزير الداخلية، من أجل تدبير المساعدات والهبات التي ستعرف طريقها إلى مدينة أكادير، كما دعاها لعقد اجتماع مع الجنرال ادريس بنعمر من أجل إحداث خلايا على مستوى البعثات الديبلوماسية لمساندة المدينة المنكوبة، وخلق جسور جوية للإعانات بكل أشكالها.

جاء خطاب الملك محمد الخامس، الذي حمل التكليفات السامية، وزيارته إلى أكادير رفقة ممثلي السلك الديبلوماسي ليمثل مؤشرا على تدويل النكبة وإعطائها بعدا كبيرا يتجاوز كارثة محلية، لكن الأيادي الآثمة ظلت تعبث بهذه الإعانات، خاصة العينية منها، ليس في مدينة أكادير بل ابتداء من النقط الحدودية في مطار بنسركاو أو ميناء المدينة ومطار النواصر ومطار سلا ومعبر زوج بغال بالحدود المغربية- الجزائرية التي كانت تحت المراقبة الفرنسية لأن الجزائر لم تنعم حينها بالاستقلال، وهو ما دفع لالة عائشة إلى عقد اجتماعات يومية مع الأجهزة القضائية والأمنية.

 

أخصائيان في الإعمار من ألمانيا ينزلان بمطار أكادير

حين كانت كل الدول الأوربية والأمريكية والعربية والإفريقية والآسيوية، ترسل شحناتها من المواد الغذائية وأدوات التطبيب، نزل في مطار بنسركاو رجلان قادمان من بون الألمانية، قدما نفسيهما للدكتور بنهيمة، عامل أكادير، بصفتهما أخصائيين في الإعمار، وهما لانداور وسويك. لقد لعبا دورا مهما في إعادة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت أكبر هبة من حكومة ألمانيا الغربية للمملكة المغربية، لأنهما جسدا ميدانيا مقولة الملك محمد الخامس: «لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بناءها موكول إلى إرادتنا وعزيمتنا».

لكن بناء الحجر ليس هو الهدف المنشود من الإعمار، في ظل وجود كائنات متحجرة جعلت من الدمار فضاء للاغتناء السريع، وتحولت في غفلة من الجميع إلى مصاف علية القوم، قاطعة الصلة بالماضي مؤمنة بأن الفرصة لا تمنح للمرء مرتين.

بعد ثلاثة أيام على الفاجعة، تبينت للسلطات الأمنية استحالة الوقوف على صدق نوايا كل من يذرف دموعا على المدينة المنكوبة، وصعوبة التأكد من مقاصد الباكين على أطلال المدينة المكلومة. في صباح يوم الخميس أصدر ولي العهد قرارا يمنع الدخول إلى المدينة إلا بترخيص من العامل محمد بنهيمة. أغلقت كل المعابر المؤدية إلى المدينة وانتصبت الحواجز الأمنية ونقط التفتيش حول أكادير التي أفرغت من المدنيين إلا السلطات الأمنية.

عندما ضرب أكادير زلزال رهيب حولها إلى لوحة مقتطعة من مشاهد حروب الإبادة الجماعية، كان لابد من سواعد تنتشل المنكوبين من تحت الأنقاض وسواعد أخرى تعيد الإعمار، لكن ليست كل النوايا حسنة، فهناك من يجد في النكبة ريعا وفي الفاجعة نفعا، فيتحول إلى شيطان رجيم يدوس على الأجساد بلا رحمة ولا شفقة لأن لسان حاله يقول رب ضارة نافعة، ولأن الزلزال لا يتكرر كل سنة فإن فرص الاغتناء لاحت لدى كثير من الأشخاص الذين استبدلوا الخصاص بالثراء حين دمر الزلزال ما تبقى في قلوبهم من وازع وطني وديني.

 

أزمة سياسية بين المغرب وفرنسا بسبب خاتم

في كتاب «ذاكرة أكادير في القرن العشرين»، يتحدث مؤلفوه الحسن الرسافي وإعزا جافري وعبد الله كيكر، عن النهب الذي عرفته الفاجعة، وقدموا شهادات صادمة رواها مغاربة وأفراد من الجاليات الأوربية التي كانت تقيم في المدينة، أجمعوا من خلالها على تنامي ظاهرة السرقة في ظل انفلات أمني رهيب، قبل أن يتعزز جند المغرب بضباط فرنسيين وضعوا رقم هاتف مجاني رهن إشارة المتضررين، وهي العملية التي أشرفت عليها البحرية الفرنسية.

ركز اللصوص «جهودهم» على فندق «السعادة»، بعد أن أيقنوا بأن هذه المعلمة السياحية أصبحت اسما على غير مسمى. فوسط أكوام الدمار وأنين الراقدين تحت الحطام، كانت أياد آثمة تعبث بممتلكات الأجانب، وترصد كل ما خف وزنه وغلا ثمنه، لأن الفضاء كان يجسد القول المأثور «رب ضارة نافعة».

يروي روجي لو توليك، في كتابه «ذاكرة أكادير 1960»، حكايات سرقة موصوفة حركها وازع الاغتناء السريع، ويقدم شهادة للحسن أكرام، الموظف السابق في عمالة أكادير في عهد النكبة، «كانت مهمتي تسجيل بيانات عن كل جثة، لكنني عثرت في عمارة القنصلية على أستاذ اسمه ميسو أورتيز وكان يسكن في الطابق السابع للعمارة، وجدنا في أصبعه خاتما ذهبيا كتب عليه اسمه، وسجل ذلك في المحضر وبعد أيام، عندما أرادت القنصلية وضع الجثة في الصندوق، بحثت عن الخاتم فلم أجده، استدعت الشرطة كل من كانت له علاقة بعملية انتشال الجثث إلى كهف مدرسة البنات بتالبرجت، وكانت العصا هي الوسيلة الوحيدة التي استعملت في الاستنطاق وبها استطاع المحققون الوصول إلى سارق الخاتم الذي تبين أنه قام بعمل تطوعي كبير استهدف حلي الفرنسيين بالخصوص».

لكن أكرام يؤكد بأن المصالح الديبلوماسية لكثير من الدول الأوربية تابعت عن قرب عملية إحصاء متاع المنكوبين، وقال إنها «كانت تتم بدقة حيث كانت المجوهرات الذهبية والفضية توزن ويحرر لها محضر ثم توضع في صندوق حديدي، نفس الشيء بالنسبة للأموال».

 

أيتام المغرب في ضيافة «المارشال تيتو»

في «ذاكرة مدينة أكادير في القرن العشرين»، يروي أحد الناجين من الزلزال المدمر، والذي فقد والديه، عن التآزر العالمي فيقول: «تلقينا كأيتام مدينة أكادير دعوة من يوغوسلافيا للقيام بزيارة لهذا البلد الفاتن، لم نكن وحدنا الأيتام بل انضم إلينا يافعون من مدينة إنزكان أغلبهم لا يعانون من اليتم، كانت المبادرة من جمعية لمسلمي هذا البلد الذين أرادوا التخفيف من معاناتنا كيتامى أولا وضحايا الزلزال ثانيا، لهذا استدعونا لقضاء عطلة الصيف في يوغوسلافيا التي كانت تحت قيادة الماريشال تيتو».

من المفارقات الغريبة أن هذا البلد سيعيش محنة لا تقل فظاعة عن فاجعة زلزال أكادير، حيث حصل الانفصال بعد سنوات من الحروب الأهلية التي جعلت البلد يملك أعلى نسبة أيتام في أوربا، بسبب الإبادة الجماعية للمسلمين.

أيتام آخرون وجدوا أنفسهم في ملاجئ أوربية، فقد رحل العربي وزهير وحسن إلى بلجيكا في منتصف شهر مارس، في بروكسيل احتضنتهم أسر بلجيكية انخرطت في العملية التضامنية، وحين استقام عودهم قرروا البحث عن هويتهم المتفقدة، اعترفوا في بوحهم بالطريقة العشوائية في ترحيل الأطفال.

يقول حسن: «تركت الأسرة التي احتضنتني دون أن يعرف أحد وجهتي، بادر رب الأسرة المحتضنة إلى إشعار الأمن، ووزعوا صوري على الجميع، بعد أن اعتبروني مختفيا، كما اتصلت عبر الأنترنيت، بعد سنوات، لتخبر أسرة الروسافي التي تدير الموقع المخصص لزلزال أكادير، لكنني قررت العودة والقطع مع الاحتضان».

أما محمد الغوفي فرحل إلى بلجيكا صغيرا، دون علم والده الذي ظل يبحث عنه لمدة تجاوزت 10 سنوات، إلى أن مات متأثرا بتبعات اختفاء الابن. لم تقف الأسرة مكتوفة الأيدي، خصوصا الإخوة، الذين خاضوا رحلة بحث طويلة، منذ نهاية التسعينات، عن الشقيق المختفي.

في العاصمة البلجيكية عشرات النماذج التي كبرت ونشأت منفصلة عن أصولها، منها حالة فاطمة موري التي تبنتها أسرة بلجيكية حسب القانون البلجيكي عقب زلزال أكادير، تلقت عناية تربوية ودفئا أسريا عوضاها حرمان الوالدين اللذين ظل مصيرهما مجهولا عقب كارثة الزلزال. وبعد مرور أزيد من نصف قرن على الواقعة، لم تجد فاطمة سوى نداءات هنا وهناك بحثا عن الجذور.

المئات من الأطفال تبنتهم عائلات أجنبية في فرنسا وبلجيكا، لكن لا توجد أرقام رسمية حول هوياتهم وعددهم ومصائرهم. لذا بادرت بلدية بروكسيل، بتنسيق مع جمعيات مغربية بالعاصمة البلجيكية، بإنجاز فيلم وثائقي تحت عنوان: «أطفال زلزال أكادير.. 50 سنة بعد ذلك» للمخرج حسن البوحروتي، اعتبر تكريما واعترافا بدور بلجيكا التضامني مع المغرب إثر هذه الكارثة، ويرصد جهود العائلات البلجيكية التي احتضنت أطفالا ضحايا الزلزال، كما يطرح إشكالية الكفالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى