أطباء بلا حدود وآخرون بلا قلوب
إنه لمن المخجل أن نرى أصحاب القطاعات التي ظلت تحلب جيوب المواطنين طيلة عقود هم أول من يسيل لعابهم المقزز أمام صندوق مكافحة آثار جائحة كورونا.
أتحدث عن قطاع التعليم الخاص وقطاع الطب الخاص. ليس هناك من قطاعين في المغرب اغتنى أصحابهما من عرق ومرض وآلام المواطنين أكثر من هذين القطاعين، حتى أن بعض المستثمرين فيهما أصبحوا مليارديرات يشترون الضيعات والعقارات.
واليوم بينما تعاني قطاعات مهنية هشة في صمت وكبرياء نرى كيف يسارع هؤلاء المليارديرات لمطالبة رئيس الحكومة بتخصيص نصيب لهم من الصندوق الذي كان أجدر بهم المساهمة فيه.
الجميع يقف احترامًا وإجلالا للأطباء ومهنيي الصحة المدنيين والعسكريين الذين وضعوا أنفسهم ومصحاتهم رهن إشارة الدولة لمكافحة هذه الجائحة، لكن الجميع متذمر من هذا الجشع الذي يعبر عنه البعض رغم أن الجميع يعرف أن كل الأغلبية الساحقة من أصحاب المصحات الخاصة لديهم ميزانية لتغطية مصاريف شهر دون عمل.
هؤلاء يصدق فيهم قول فلاديمير بوتين عندما قال :
على الأغنياء الذين استفادوا زمن السلم من خيرات البلد دفع تكاليف وباء الكورونا مع الدولة، وبدون مساومة.
والواقع أننا لا يجب أن نجمع الكل في سلة واحدة ونبخس غالبية الأطباء حقهم.
وأبلغ رد على مراسلة رئيس هيئة الأطباء لرئيس الحكومة لمطالبته بالدعم من صندوق مكافحة كورونا هو ما عبر عنه طبيب جراح بطنجة كتب غاضبا :
“شخصيا وبدون أدنى تحفظ أعتبر أن مراسلة السيد رئيس الهيئة الوطنية للأطباء لرئيس الحكومة قصد الاستفادة من أية امتيازات كيفما كان نوعها من الابتزاز للدولة وأتبرأ جملة وتفصيلا مما ورد فيها ولا تمثلني.
وأعتبر نفسي ومهما ثقلت أتعابي أنني محظوظ بالمقارنة مع الآلاف من أبناء شعبي الذين فقدوا عملهم ومصدر رزقهم.
وإنني سأبقي عيادتي مفتوحة في وجه المواطنين ومهما كلفني ذلك، وأعتبر ذلك أبسط ما يمكن أن أقدمه لوطني في هذه المحنة”.
فالأطباء والمصحات بالقطاع الخاص عبروا ومنذ ظهور الوباء وحتى قبل وصوله إلى المغرب عبر نقاباتهم الأربع عن استعدادهم للانخراط في مواجهته. ثم عبروا عن وضع مصحاتهم وعياداتهم تحت تصرف الدولة ووزارة الصحة لمواجهة الوباء، إلا قلة قليلة أغلقوا مصحاتهم قبل أن يعيدوا فتحها بعد صدور القرار الوزاري.
وقاموا بإعادة تنظيم عياداتهم وطريقة عملها للتكيف مع المجهود الوطني لمحاربة تفشي الفيروس، فقاموا بحملة موسعة مباشرة يطلبون من المرضى عدم الحضور للمصحات والعيادات عدا المستعجلات والضرورات القصوى والاكتفاء بالاتصال الهاتفي والاستشارة عن بعد بشكل مجاني كامل كلما كان ذلك ممكنا حفاظا على صحة المرضى وحماية لهم وللأطقم الصحية من انتشار الفيروس.
وبهذه الإجراءات انخفضت الأنشطة داخل العيادات إلى أقصى الحدود. ورغم أن المصحات والعيادات مفتوحة استعدادا لا قدر الله لما قد يأتي من ظروف صعبة، فإن الأطباء والمصحات لم يطلبوا المساعدة من أحد، هذا في الوقت الذي يتوصل فيه زملاؤهم في القطاع العام والجامعي برواتبهم، ومع ذلك قرر أصحاب مصحات وأطباء القطاع الخاص أن يتحملوا أجورهم والأعباء المالية للمصحات والعيادات من مالهم الخاص، بل قرروا أن يتحملوا حتى الأجور الشهرية للمساعدين وعدم تقديم أي طلب للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبالنسبة للمساعدين فقد وفروا لهم الأجور من المال الخاص للأطباء والعيادات مساهمة منهم في المجهود الوطني لمواجهة كورونا.
أكثر من ذلك فهناك أطباء قد لا يتمكنون من تحمل مصاريف عائلاتهم وفي هذه الظرفية يناقش أطباء القطاع الخاص خلق صناديق تضامن محلية وجهوية لضمان عيش كريم في ظروف كريمة لمثل هؤلاء الزملاء دون المس بكبريائهم ودون ضجيج.
أطباء القطاع الخاص وأصحاب المصحات أصدروا بيانات فردية ومشتركة عدة مرات حول الجائحة وكلها استعداد وعمل والتزام داخل المجهود الوطني، ولم تتحدث يوما النقابات عن أي جانب مادي مطلقا لأن الهم الأساسي والمجهود والغاية والأولوية اليوم هي محاربة المرض وكل المواضيع الأخرى هي تفاصيل لا قيمة لها حاليا.
من جانبها الهيئة الوطنية للأطباء وطنيا وجهويا منذ انطلاق الجائحة وهي توجه سهامها للقطاع الخاص، ولكن أطباء القطاع الخاص ترفعوا عن هذه الأشياء لأن الوقت وقت عمل. ورسالة رئيس الهيئة لرئيس الحكومة في هذا الوقت وبهذا الشكل إساءة للقطاع وتبخيس له ولمجهوداته. وإذا كان رئيس الهيئة فعلا يريد التضامن مع الأطباء فقد كان أحرى به أن يقرر وطنيا وجهويا تخلي أعضاء المجلس الوطني والمجالس الجهوية لسنة 2020 عن التعويضات السمينة التي يتلقونها من الهيئة لمجرد حضورهم لمقرها.
السادة أعضاء الهيئة يتلقون أجورهم من وزارة الصحة بالإضافة إلى تلقيهم التعويضات من الهيئة والتي تبلغ ما بين 700 و800 مليون سنويا. وهناك منهم من يتلقى أجره الشهري من الوزارة وأجرا مثله من تعويضات الهيئة. بالله عليكم ماذا يفيد المغرب أن يترك رئيس الهيئة أو غيره، وهو طبيب، عمله في هذه الظروف بالمستشفى تاركا مرضاه ليذهب في زمن كورونا إلى مقر الهيئة طمعًا في تعويضات عن ذلك، علما أنه أصلا لم يخسر أي درهم من أجرته الوزارية يتطلب التعويض عنه.
إذا تخلى أعضاء الهيئة فقط عن التعويضات التي يأخذون فالصندوق التضامني سينتعش، أما إذا مد أعضاء الهيئة، وفي مقدمتهم رئيسها، أيديهم إلى جيوبهم للمساهمة من أجرهم الشهري وتضامنوا، فإننا سنكون أمام ميزانية ضخمة للتضامن، ويا ليتهم اتخذوا من هيئة السادة المحامين قدوة لهم.