شوف تشوف

الرأي

أضواء كوشنر وظلمات الصهيونية

صبحي حديدي
نشر موقع «أكسيوس» الأمريكي تقريرا لافتا حول بوادر ضيق من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنصائح صهره ومستشاره جاريد كوشنر، في مسائل عديدة أبرزها تلك التي تمس حملة الانتخابات الرئاسية، وعلى نحو يضعف احتمالات فوز ترامب بولاية جديدة. ونقل الموقع عن مقربين من الرئيس الأمريكي قوله إنه نادم على توقفه عن «اتباع غرائزه»، وما كانت تمليه عليه من مواقف وخيارات وقرارات، وإنه بالتالي ينوي العودة إلى الاتكاء عليها من الآن فصاعدا، وابتداء من قانون إصلاح القضاء الجنائي الذي يتردد أن كوشنر هو الذي ورطه في طرحه.
ومن الدلائل العلنية على هذا التطور ما جاء على لسان كارلسون، أحد أبرز مذيعي «فوكس نيوز»، حول لوم كوشنر على تقديم أردأ النصائح إلى الرئيس: «في 2016 تقدم دونالد ترامب كمرشح القانون والنظام، وآراؤه تظل على حالها اليوم. لكن غرائز الرئيس الحادة الشهيرة، أي تلك التي أكسبته الرئاسة قبل أربع سنوات، جرى تحريفها منذئذ على يد جاريد كوشنر». فإذا تذكر المرء أن كارلسون هو صاحب البرنامج الأعلى مشاهدة في صفوف أنصار ترامب، وأن الأخير يحرص شخصيا على متابعته؛ فلن يتبقى كبير شك في أن واحدة من أعتى غرائز ترامب، أي الإصغاء إلى الأصداء التي تتحكم بأنصاره، سوف تقوده إلى طراز آخر من التعاطي مع نصائح كوشنر.
هل لهذا التحول، إن صح بالطبع، أي تأثير على خطط رئيس حكومة الاحتلال في برمجة ضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن، بصفة خاصة؛ أو على معادلات «صفقة القرن» وجداولها الزمنية وخرائطها، بصفة عامة؟ ليس التأثير مستبعدا تماما، كما يوحي المنطق البسيط، خاصة إذا وُضع انحسار سطوة كوشنر في قرارات البيت الأبيض على خلفيات أخرى أوسع نطاقا: ابتداء من مشكلات نتنياهو الداخلية بصدد مشاريع الضم، وفي إطار الائتلاف الحاكم الراهن ومقاربات «أزرق أبيض» المختلفة في كثير أو قليل، واعتراض عشرات من كبار متقاعدي جنرالات الجيش والأجهزة الأمنية؛ وليس انتهاء بالانشطارات في صفوف الإدارة الأمريكية ذاتها، وفي الكونغرس ومجموعات الضغط اليهودية، حول جدولة الضم أو حتى حكمة تنفيذه فعليا؛ إذا وضع المرء جانبا ما يعتري سلوك رؤساء الولايات المتحدة إزاء قرارات ذات آثار حساسة، سلبية أو إيجابية، يتوجب اتخاذها خلال الأشهر الأربعة التي تسبق موعد الانتخابات الرئاسية.
ومن مفارقات هذه الأزمنة الإسرائيلية – الأمريكية، والرابطة هنا تتجاوز المألوف المعتاد إلى الطارئ الشاذ، أن احتمال خفوت أضواء كوشنر في البيت الأبيض يتناسب وجوبا مع انحدار حثيث يقود الصهيونية الكلاسيكية، وطبعاتها الأخرى المعاصرة التي تصنف تحت مسمى غائم وعائم ولاتاريخي هو «ما بعد الصهيونية»؛ نحو نظام الفصل العنصري الأشد قباحة على مدار التاريخ الإنساني عامة. هو، كذلك، الانحطاط الأخلاقي الأوضح لتلك المقولات الصهيونية الكبرى التي حولت مظالم اليهودي ومطالبه إلى صناعة، والأشنع فضحا لتكتيكات استخدام الصناعة في ابتزاز البشرية والتعمية على انقلاب الضحية إلى جلاد.
غير أن المفارقة تصنع، من جانب آخر، مؤشر تطابق لا يخفى بين ثقافة سياسية تعم البيت الأبيض الراهن، عمادها نُصح الصهر تارة، أو غرائز الرئيس و»فوكس نيوز» تارة أخرى، وقد تسفر عن ترحيل «صفقة القرن» إلى مهب رياح ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وبين ثقافة سياسية إسرائيلية يديرها نتنياهو، تستقي الكثير من الأسس العنصرية والاستيطانية والاحتلالية التي نهض عليها الكيان أصلا، التائه جمهوره حاليا بين ثلاث دورات انتخابية لم تحسم توازنا ذا معنى بين تمثيلات الصهيونية، في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
فكيف إذا كانت جائحة كورونا، وآلامها الاقتصادية المبرحة تحديدا، تعلو في نفوس غالبية الإسرائيليين على الضم؛ خاصة وقد تكشفت خطط نتنياهو، بعد موعد الأول من يوليوز، عن ألاعيب مفضوحة لا تضيف الكثير عدا عن إسدال المزيد من الظلمات الصهيونية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى