هل سيتمكن طلبة الطب المغاربة في أوكرانيا من متابعة دراستهم بالمغرب؟ هناك تيار ممانعة قوي في أوساط طلبة الطب، لمنع «إدماج» هؤلاء الطلبة.
بين متعاطف مع أبناء المدرسة العمومية، الذين مروا بمباريات انتقاء وفُحصت ملفاتهم على يد لجان ومروا باختبارات دقيقة، وبين متعاطف مع هؤلاء الطلبة الناجين من الحرب، والذين توقف مسارهم الأكاديمي ولا أحد يعلم ماذا يخبئ لهم المستقبل، يبقى موقف السفارة الأوكرانية من هذا الوضع مطلوبا.
خصوصا أن أوكرانيا كانت لسنوات طويلة قبلة للطلبة الراغبين في دراسة الطب، سيما الصيدلة وطب الأسنان، وبعض التخصصات الأخرى، ولا بد وأنها استفادت من عائدات السماح لطلبة أجانب بالالتحاق بجامعاتها ومعاهدها. ودفعت الأسر المغربية لسنوات طويلة رسوم التسجيل والإقامة لأبنائها.
يتعلق الأمر بنوع من السياحة في أوكرانيا، حيث تشجع سياسة الدولة هناك في التعليم، الطلبة الأجانب على المجيء والاستقرار ومتابعة الدراسات العليا، والعودة إلى بلدانهم الأصلية. بعض التخصصات التي يدرسها الطلبة من مختلف أنحاء العالم، لا يُسمح بممارستها داخل أوكرانيا بالنسبة لهؤلاء الطلبة، أي أنهم مطالبون في كل الحالات بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، أو أي بلد يعترف بالشهادات الأوكرانية ويمنح المعادلة عنها.
المشكل الآن أن هؤلاء الطلبة لم يوقعوا على أي تأمين عن مآل دراستهم، في حال نشوب حرب ما في أوكرانيا، والتأمين الإجباري الذي ينخرطون فيه يتعلق بسلامتهم الصحية والبدنية، طيلة فترة دراستهم، ولا يشمل التعويض عن توقف الدراسة في مثل هذه الحالات.
هناك قصص لطلبة مغاربة لم يكملوا دراستهم العليا، بسبب الأوضاع السياسية في الخارج، مثل الطلبة الذين شاركوا في مظاهرات فرنسا سنة 1968، حيث سُجلت أعمال عنف وتعرض آلاف الطلبة للتعنيف، واضطر بعض الطلبة للعودة إلى المغرب إلى أن هدأت الأوضاع.
مغاربة فقدوا كل ما كانوا يملكونه في العراق، بداية التسعينيات، حيث كانوا قد استفادوا سابقا خلال ثمانينيات القرن الماضي من اتفاق بين المغرب والعراق، بخصوص المجال الفلاحي، وقضت الاتفاقية بأن يهاجر مئات الفلاحين المغاربة من منطقة ورزازات وزاكورة على وجه الخصوص، ممن تتوفر لديهم خبرة الزراعة في المناخ الصحراوي، إلى منطقة في العراق لبدء الأنشطة الفلاحية، حيث توفر الحكومة العراقية الأرض والمعدات، على أن يسلم الفلاح الغلة، ويحتفظ لنفسه بنسبة من الأرباح. وتم الاتفاق على أن تُسلم الأراضي والمعدات لهؤلاء الفلاحين المغاربة، بعد عشر سنوات من الاتفاقية، وأن تصبح في ملكيتهم، وأن يختاروا إما العودة إلى بلدانهم، أو الاستقرار في تلك الملكيات التي سوف تؤول إليهم. لكن تزامن السنة الأخيرة للاتفاق مع اجتياح العراق للكويت، ودخول القوات الأمريكية إلى العراق في مطلع التسعينيات، قلب كل شيء، وطُرد هؤلاء الفلاحون، حيث تم رميهم على الحدود وأجبرهم مقاتلون عراقيون على مغادرة التراب العراقي، وكان مصيرهم التشرد، لولا الألطاف الإلهية وتدخل السفارات المغربية في دول عربية أخرى، حيث أعطيت التعليمات لنقل هؤلاء الفلاحين وأسرهم إلى المغرب، وتركوا وراءهم حصيلة تسع سنوات من الاستثمار في المجال الزراعي، ولم يحملوا معهم سوى الصور.
هذا الجانب المأساوي من الحروب رافق مختلف التجارب الإنسانية. ملف الطلبة الأجانب في أوكرانيا يجب أن يتم فتحه في منصة دولية، لحفظ حقوق هؤلاء الطلبة، خصوصا وأن أوكرانيا من الدول التي أسست لمفهوم «السياحة التعليمية»، مثل تركيا واليونان، وعلى المواثيق الدولية في المستقبل أن تشمل برامج لتحديد مصير الطلبة الأجانب في الدول التي تعيش على إيقاع الحرب.
في قاعات اجتماعات المسؤولين العسكريين، يسمون ما وقع للطلبة المغاربة بـ«أضرار جانبية»، لكن بالنسبة إلى الأسر المغربية فإن الأمر يتعلق بحلم أبنائهم، وتضحيات أسر حرمت نفسها من كل شيء، لتوفر لأبنائها تلك الحوالة الشهرية التي تعينهم على الحياة.