شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

أسباب وخلفيات سحب قوانين من البرلمان

أقدم عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أخيرا على سحب مشاريع قوانين من مجلسي النواب والمستشارين، وهي مشاريع أحالتها الحكومة السابقة، منها مشاريع أحيلت في الدقائق الأخيرة من عمر الولاية السابقة، وقوانين أخرى ظلت محتجزة بالبرلمان منذ سنوات دون المصادقة عليها. وأثار هذا القرار جدلا سياسيا ودستوريا، بين الحكومة من جهة، التي بررت قرارها بإدخال تعديلات على هذه النصوص وتجويدها، وأنها غير ملزمة بتنفيذ برنامج وتوجهات الحكومة السابقة، وبين المعارضة من جهة ثانية، التي شككت في نوايا الحكومة، واعتبرت هذه القوانين تتضمن مقتضيات تحارب الفساد والريع والامتيازات.

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

بايتاس: سحب مشاريع القوانين اختصاص قانوني ودستوري للحكومة

 

بعد الجدل الذي أثاره قرار الحكومة بسحب مشاريع قوانين من غرفتي البرلمان، قدم مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، توضيحات حول هذا القرار.

وأكد بايتاس في ندوة صحفية عقدها عقب اجتماع مجلس الحكومة، أن لجوء الحكومة أخيرا إلى سحب بعض مشاريع القوانين من البرلمان اختصاص قانوني ودستوري لا غبار عليه، وأوضح أن «الحكومة ترفض الارتهان للماضي»، وأضاف: «لقد مرت انتخابات 8 شتنبر والمواطنون عبروا عن تعاقدات جديدة»، مشيرا إلى أن الحكومة ترغب في وضع بصمتها على مشاريع القوانين، ولا يمكنها تبني مشاريع أعدتها الحكومة السابقة، وفق تصورها وبرنامجها.

وقال بايتاس إن هذه القوانين بقيت معروضة على اللجان البرلمانية منذ سنة 2015 دون أن تحظى بالمصادقة، وتساءل عن أسباب ذلك، رافضا تحميل المسؤولية لطرف سياسي معين بعدم التصويت عليها، مؤكدا أن الحكومة مارست صلاحياتها الدستورية والقانونية من خلال سحب مشاريع القوانين، وستقوم بإعادة دراستها وطرحها من جديد. واستغرب بايتاس الحكم على قضايا مستقبلية، وأكد أن الحكومة تقوم بواجبها القانوني والدستوري في إنتاج نصوص قانونية كفيلة بمعالجة الإشكاليات الحقيقية.

وبخصوص تفاعل الحكومة مع مقترحات القوانين، قال بايتاس إن الحكومة نظمت اجتماعين للجنة التقنية المعنية بدراستها، وأبلغت البرلمان كتابة بنتائج هذه اللجنة التي تتضمن مواقف الحكومة بخصوص مجموعة من المقترحات. أما بخصوص مقترحات القوانين التي تقدمت بها فرق المعارضة لتعديل القانون التنظيمي المتعلق بأشغال الحكومة، وينص على حالة التنافي بين الوظيفة الحكومية ورئاسة جماعة ترابية، رد بايتاس بالقول: «أنتم تعلمون من المقصود بهذا المقترح؛ لكن يجب أن نتساءل: متى شرعنا بناء على الأشخاص؟».

وأوضح بايتاس أن «القوانين المرتبطة بالانتخابات تتم مناقشتها قبل سنة من الاستحقاقات، حيث تجري الحكومة مشاورات سياسية حول تعديلها، وقبل الانتخابات السابقة لم يتم طرح الأمر لأن الوضع آنذاك كان مختلفا، واليوم نحن أمام نتائج جديدة لـ8 شتنبر».

وهبي: الحكومة يجب أن تضع بصمتها ولا تنفذ برنامج وتوجهات الحكومة السابقة

 

بعد الجدل الذي أثاره قرار الحكومة بسحب مشروع القانون الجنائي الذي أحالته حكومة عبد الإله بنكيران على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب منذ سنة 2016، دون المصادقة عليه في الولاية التشريعية السابقة، خرج عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، ليكشف أمام البرلمان، أسباب وخلفيات سحب القانون.

واعتبر وهبي أمام مجلس المستشارين، أن النقاش الذي صاحب سحب الحكومة لمشروع القانون الجنائي من البرلمان، «هو مجرد زوبعة في فنجان»، وأكد أنه سيقدم نسخة جديدة للمشروع  للمصادقة عليها من طرف المجلس الحكومي في الأيام القليلة المقبلة، مشيرا إلى وجود تعديل شامل للمشروع. وانتقد وهبي اختزال القانون الجنائي في بضع مواد تنص على تجريم الإثراء غير المشروع، مبرزا أنه بعد البحث تبين أن التنصيص على تجريم الإثراء غير المشروع في القوانين الجنائية يوجد في دولتين بأمريكا اللاتينية فقط.

ولوح وهبي سابقا بإمكانية حذف مقتضى «الإثراء غير المشروع» من مشروع القانون الجنائي، وقال وزير العدل: «إذا ارتأيت أن الإثراء بدون سبب، له قيمة قانونية وسيلعب دورا اجتماعيا مهما سأحافظ عليه وأنص عليه ضمن مشروع القانون الجنائي، الذي سحبته الحكومة من البرلمان»، مضيفا و«إذا ارتأيت أنه لا ينص على ذلك، سأسحبه بكل جرأة وشجاعة، لأن هذه قناعة مطلقة، وأنا هنا في هذا الموقع لأعبر عن رأيي ورأي حكومتي». واستدرك وهبي قائلا: «لكن إذا رأى رئيس الحكومة أن يحافظ على الاثراء غير المشروع، فسأقوم بتنفيذ ما يطلبه مني، لأنه رئيس الحكومة».

وأكد وزير العدل، أثناء مناقشة الميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية، في الجلسة التي عقدها مجلس النواب للمصادقة على مشروع قانون المالية، أن الحكومة الجديدة جاءت بتصورات وبرامج تحتم عليها إعادة النظر في مجموعة من القضايا الموروثة عن الحكومة السابقة، وقال: «هناك سؤال يطرح على الحكومة، هل نحن جئنا كحكومة جديدة لننفذ برامج واختيارات الحكومة السابقة، وذلك بعد أن حسم التصويت وحسمت الديمقراطية الموقف من السياسة، التي كانت تمارسها الحكومة السابقة بكل مكوناتها وبحزبها الكبير آنذاك؟ وهل يعني أن كل برامج الحكومة السابقة علينا أن ننفذها نحن، وبذلك نكون نشتغل عند الحكومة السابقة؟».

وأوضح وهبي أن الحكومة الجديدة تريد أن تترك بصمتها، ولذلك يجب أن تعيد النظر في العديد من الأشياء، ومن ضمنها القانون الجنائي، وفي هذا الصدد، أبرز أن سبب إرجاع مشروع القانون الجنائي، راجع إلى أن «وجهة نظرنا في التعامل مع مجموعة من القضايا تختلف حول مجموعة من القضايا؛ ليس في قضية واحدة»، رافضا اختزال مشروع القانون في قضية واحدة يتم التعامل معها بشكل إيديولوجي، مشيرا إلى وجود قضايا أخرى تريد الحكومة أن تشتغل عليها، من قبيل قضية الإعدام، الحريات الفردية، والعقوبات البديلة.

وأضاف وزير العدل أنه لا يمكن الاحتفاظ بمشروع قانون جنائي يحتوي على نص يستعمل في خطاب سياسي لم يجد صداه لدى الشعب المغربي الذي صوت ضده؛ وتابع: «وإذا فعلنا الشيء نفسه سنحصل على عدد الأصوات ذاتها التي حصلتم عليها، في سنة 2026»، في إشارة إلى الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرة. وشدد وهبي على أنه: «لا يمكن اختزال القانون الجنائي في قضية الإثراء غير المشروع، أو من أين لك هذا؟ هل هذا يعني أن كل المغاربة الذين يملكون الأموال، هم لصوص؟».

وأكد عبد اللطيف وهبي على أن هذه الحكومة لها تصور ولها برنامج من جهة؛ ومن جهة ثانية فإنها لا تتوفر حتى الآن على ميزانية حتى يتم محاسبتها، وأضاف الوزير: «هناك أمران لا ثالث لهما، إما أن ندخل في مزايدات، وإما أن نناقــــــــش ونضع النقاط على الحروف، ولهذا لا يمكن محاسبتنا الآن حتى تتفحصوا الخطوات التي قمنا بها»، وأشار إلى أن هذا هو القانون المالي الأول في عهد الحكومة الحالية؛ ولذلك فإن المحاسبة تبدأ بعد مرور 100 يوم على لحظة التصويت النهائي على قانون المالية؛ وأوضح أن الحكومة بدون ميزانية لن تكون لها أي إمكانيات، فكل تصرف داخل الدولة وعلى مستوى العمل الحكومي يحتاج إلى إمكانيات مالية.

وأضاف وهبي أنه بناء على الثقة التي حظيت بها الحكومة من طرف المواطنات والمواطنين، فإن القطاع الذي يشرف على تدبيره، أي وزارة العدل، وما يرتبط بها من مجالات في حاجة إلى إصلاحات وإعادة النظر في مجموعة من الأشياء، وتابع: «تصوري مختلف عن الوزير السابق، صحيح أن هناك عمل تم القيام به ونسعى إلى تطويره نحو الأفضل؛ وصحيح أيضا أن هناك مبدأ الاستمرارية بما يحيل على المواصلة وفق المنوال نفسه، ولكن هذا لا يعني أني لن أضع بصمتي، ويجب أن نستعرض رأينا كحكومة وذلك في إطار تنفيذ وتنزيل القرار الانتخابي الوطني، الذي أكد علينا ضرورة الإصلاح».

 

لهذه الأسباب سحبت الحكومة قانوني المناجم واحتلال الملك العمومي

 

وجه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، رسالة إلى رئيس مجلس النواب، من أجل سحب مشروع القانون المتعلق بالمناجم، وأوضحت مصادر الجريدة، أن قرار السحب جاء بناء على طلب وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، من أجل مراجعة هذا النص القانوني وإدخال تعديلات جديدة عليه، وخاصة أنه تشوبه العديد من النقائص.

وأفادت المصادر ذاتها، أن هذا القانون أعده الوزير السابق للطاقة والمعادن، عزيز رباح، وصادق عليه مجلس الحكومة بتاريخ فاتح يوليوز الماضي، وأحاله على مكتب مجلس النواب بعد اختتام آخر دورة تشريعية في الولاية السابقة، حيث توصلت به لجنة البنيات الأساسية يوم 23 شتنبر الماضي، أي بعد إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأكدت مصادر “الأخبار”، أنه اثناء انعقاد المجلس الحكومي للمصادقة على هذا القانون، أبدى الوزراء العديد من الملاحظات حول بعض المواد، وطالبوا بضرورة إخضاعه لتعديلات أساسية، لكن رئيس الحكومة السابق، استعجل إحالته على البرلمان قبل نهاية ولاية حكومته، خاصة أن ذلك تزامن مع فترة الحملة الانتخابية، دون الأخذ بهذه الملاحظات والتعديلات، ودون الأخذ باقتراحات الفاعلين في قطاع المناجم.

كما وجه رئيس الحكومة، رسالة إلى رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، من أجل سحب مشروع قانون يتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة، والذي أحالته الحكومة السابقة على البرلمان في الأسابيع الأخيرة من عمر الولاية التشريعية السابقة.

وأفاد مصدر حكومي، بأن رئيس الحكومة قرر سحب المشروع بناء على طلب وزير التجهيز والماء، من أجل تجويد النص القانوني وإدخال مقتضيات جديدة على القانون لتدارك الثغرات والنقائص الموجودة في القانون المعمول به حاليا، والذي يعود إلى سنة 1918، وأكد المصدر ذاته، أن الحكومة ستتدارس صيغة جديدة للمشروع، وإحالته على البرلمان، مشيرا إلى أن الحكومة السابقة أحالت المشروع على مجلس النواب في آخر ولايته، وتوصلت به اللجنة يوم 12 ماي 2021 دون الشروع في دراسته.

ويهدف القانون الذي سحبته الحكومة إلى وضع تدابير حمائية وعقوبات تروم منع الاستغلال غير المشروع للأملاك العمومية، وأوضحت المذكرة التقديمية للقانون، أن الأملاك العامة تشكل رصيدا عقاريا مهما للدولة وآلية من آليات الاستثمار وخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك نتيجة للمميزات التي يختص بها هذا الملك والمتمثلة في كونه موضوع أساسا رهن تصرف العموم، وكونه غير قابل للتفويت، ونظرا لهذه الأهمية والخصوصية التي تميزه فقد خص التشريع المغربي المسألة استعماله قواعد قانونية خاصة، تميزت بالدقة والصرامة، وتجسد ذلك بالخصوص في إصدار ظهير 30 نونبر 1918 والذي أسس لشروط هذا الاستغلال، غير أنه نتيجة لقدم هذا النص الذي يعود لفترة الحماية والتي لم تعد معه بعض مقتضياته توفر الحماية اللازمة للملك العمومي وظهور بعض الإشكالات والنواقص بحيث يتم الترامي غير المشروع على عدة أجزاء من الملك العمومي دون اتباع المساطر القانونية من جهة، وكذا لكون بعض قواعده لم تعد تساير التحولات الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع الاستثمار من جهة ثانية.

عبد الحفيظ أدمينو*

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق السويسي – الرباط

 

«للحكومة الحق في سحب مشاريع قوانين ترى أنها لا تنسجم مع خياراتها السياسية»

 

 

يرى عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ  القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، أن «الحكومة تكون أمام لحظتين سياسيتين في عمرها»، وهي التي تتعلق، حسب أدمينو، بـ«الحالة التي تزاول فيها الحكومة صلاحياتها التشريعية، وهي التي يحق فيها للحكومة ولأعضاء البرلمان (نوابا ومستشارين) أن يسحبوا نصوصهم القانونية، سواء تعلق الأمر بمشاريع القوانين أو مقترحات القوانين، قبل التصويت عليها في الجلسة العامة»، مضيفا أنه «في المقابل، وعند انتهاء الولاية التشريعية للبرلمان والحكومة، فإنهما يكونان مطالبين ببداية الولاية الجديدة بنصوص ومشاريع قوانين جديدة، وقد يحصل أن تجد الحكومة الجديدة التي تم تنصيها، نفسها أمام مشاريع قوانين تمت دراستها إما كليا أو جزئيا أمام البرلمان»، مبينا أن «الحكومة الحالية وجدت حوالي 35 مشروع قانون تم التصويت عليها داخل اللجنة أو تم التصويت عليها من قبل إحدى الغرفتين (مجلس النواب أو المستشارين)، وفي هذه الحالة تكون الحكومة أمام خيارين، يبين أدمينو، وهما «أن تتشبث بهذه النصوص وتكمل المسطرة التشريعية أمام مجلسي البرلمان، أو تقوم بسحبها نهائيا من أمام البرلمان، وهذا حقها»، يشير المتحدث.

من جانب آخر، بين أستاذ القانون العام بكلية السويسي أن «الحكومة يكون لها برنامج حكومي، وهو الذي قد يفرض ويتطلب نصوصا تشريعية وبرامج تشريعية»، مشيرا إلى أن «الحكومة في حل من أمرها بخصوص الإبقاء على مشاريع القوانين المعروضة على البرلمان، وتبني القوانين المعروضة على البرلمان والتي قد تكون الحكومة السابقة أعدتها، أو سحب تلك المشاريع وإعادة دراستها وتنقيحها، هو محض إرادة الحكومة، ومن شأنها أن تعيد عداد تشريع القوانين إلى الصفر، وتبدأ ولايتها التشريعية بقوانين جديدة، أو أن تحتفظ بتلك القوانين ولا تغير منها وتستكمل مسطرة تشريعها، وفي كلتا الحالتين لا تخالف الدستور ولا تتجاوز الصلاحيات الموكولة لها بهذا الشأن»، يضيف أدمينو مبينا «هناك عدد من مشاريع القوانين التنظيمية التي قطعت أشواطا مهمة في المسطرة التشريعية، وللحكومة الحق بالاحتفاظ بها أو سحبها، ولها أن تؤكد تشبثها بالنصوص القانونية التي تمت دراستها أو تسحبها بشكل نهائي».

وبخصوص نقاش «هدر الزمن التشريعي» والكلفة السياسية، أشار أدمينو إلى أن «الكلفة الزمنية لتشريع النصوص القانونية يجب أن تطرح لدى الحكومات التي تعرف مشاكل من حيث تكوينها»، مبينا أن «الحكومة الحالية، وانطلاقا من التزاماتها السياسية، وما حدده ميثاق الأغلبية من آلية التنسيق على مستوى البرلمان بغرفتيه، آلية على مستوى مجلس النواب، وأخرى على مستوى مجلس المستشارين، بالإضافة إلى آلية التنسيق على مستوى الأمانات العامة للأحزاب، وغيرها، يجعل من غير المقبول الحديث عن هدر الزمن التشريعي والحكومي»، حسب أدمينو، مبينا أن «كل الشروط المتعلقة بتحقيق التوافقات والانسجام حول النصوص القانونية التي يمكن أن تنفذ البرنامج الحكومي تتوفر لدى الحكومة»، منبها إلى أن «لكل حكومة اختياراتها السياسية، وهذا الأمر مقبول مادام التعاقد الوحيد لدى الحكومة مع البرلمان هو ما قدمته في البرنامج الحكومي، وليست ملزمة بأن تلتزم بما أقرته الحكومات السابقة، والحكومة لها الحق، من الناحية القانونية، في أن تسحب أي نص لا ينسجم مع خياراتها السياسية، ولكنها مطالبة، في المقابل، بتدبير الزمن التشريعي بما يحقق النجاعة ويضمن تحقيق البرنامج الحكومي الذي هو الوثيقة المرجعية الوحيدة التي تربط الحكومة بالبرلمان من حيث الالتزامات».

رشيد حموني: القوانين المسحوبة من البرلمان تنص على محاربة الريع والامتيازات

 

 

وجه رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالا كتابيا إلى الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، بخصوص إقدام رئيس الحكومة على سحب بعض مشاريع القوانين المتبقية من الفترات التشريعية السابقة من جدول أعمال مجلسي البرلمان، دون تقديم مبررات لذلك.

وأوضح حموني أن قرار سحب مشاريع القوانين من غرفتي البرلمان، أثار نقاشا سياسيا في ردهات المجلسين، وتناقلته أعمدة الصحافة الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي، وكان ذلك محط تساؤلات الرأي العام الوطني، وأضاف «وبغض النظر عن الجوانب الدستورية والقانونية التي تعطي لرئيس الحكومة حق سحب هذه المشاريع في أي مستوى من مستويات المسطرة التشريعية، مادامت غير مصادق عليها نهائيا في البرلمان، بحكم كونها مبادرة تشريعية لرئيس الحكومة وفق الفقرة الأولى من الفصل 78 من الدستور، فإننا نتساءل عن منطق الانتقائية الذي تم التعامل به مع النصوص المسحوبة من مجلس النواب أو مجلس المستشارين، وعن المبررات التي كانت وراء اتخاذ قرار سحب مشاريع قوانين بعينها دون الأخرى».

وأضاف حموني أن تبرير هذا القرار برغبة رئيس الحكومة في إعادة النظر في مشاريع القوانين التي همها السحب، في أفق إعادة طرحها للتداول البرلماني، وهو مبرر «نعتبره فارغا من الشفافية اللازمة في التعامل مع البرلمان»، يقول حموني، وتابع «إذ كان بالإمكان الاحتفاظ بها ضمن جدول أعمال المجلسين في أفق تعديلها، سواء في اللجن البرلمانية التي تتم فيها مناقشتها أو في الجلسات العامة، ذلك أن النظامين الداخليين لكلا مجلسي البرلمان يضمنان للحكومة هذا الحق».

واعتبر حموني أن الجانب الأكثر استفزازا للرأي العام، هو كون النصوص المسحوبة تنصب على مقتضيات تحارب الريع والامتيازات، كما هو الحال بالنسبة لمشروع القانون رقم مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتغيير وتتميم القانون الجنائي، ومشروع قانون رقم 03.19 المتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة، ومشروع القانون رقم 46.20 يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 33.13 المتعلق بالمناجم، وهو «ما يطرح معه السؤال حول مدى جدية الحكومة في التصدي للفساد ومحاربته، مادامت اختارت سحب مشاريع قوانين تشكل مدخلا لذلك»، وتساءل حموني عن ملابسات سحب بعض مشاريع القوانين من البرلمان، والمبررات التي كانت وراء اتخاذ هذا القرار؟

 

ثلاثة أسئلة

 

محمد زين الدين*

*أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية

 

«سحب مشاريع قوانين من البرلمان صلاحية دستورية للحكومة»

 

ما هو الأساس الذي اعتمدته الحكومة لسحب عدد من مشاريع القوانين من البرلمان؟

تجب الإشارة إلى أن الحكومة هي صاحبة الاختصاص الدستوري في سحب مشاريع القوانين المعروضة على البرلمان، حيث إنها هي المناط لها مسألة وضع القوانين من خلال مشاريع القوانين، ومناقشة هذه المشاريع تكون من قبل البرلمان، وللحكومة الصلاحية من الناحية الدستورية لإمكانية سحب بعض النصوص القانونية، وهذا اختصاص دستوري للحكومة ليس عليه أي خلاف، أما بخصوص أسباب هذا السحب، فهناك أسباب متعددة، فإذا كان من الناحية الدستورية هذا السحب لا يطرح مشكلا على اعتبار أن النص الدستوري يمنحها هذه الصلاحيات، فمن الناحية السياسية هناك أسباب عدة، أولها وجود شركاء داخل مكون الحكومة الحالية، كانوا يعارضون هذه القوانين بالأمس، ويتعلق الأمر بالتحديد بحزب الأصالة والمعاصرة، حيث إن هذه القوانين هي إرث الحكومة السابقة لعبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، وقد كانت هناك معارضة لبعض الفرقاء المشاركين في الحكومة الحالية، وهو ما قد يشكل نوعا من التناقض في حال ما قبلت تلك الأحزاب هذه القوانين على شكلها الحالي، والورطة التي ستقع فيها تلك الأحزاب هي الجواب على سؤال «لماذا كنتم تعارضون هذه المشاريع بالأمس ومررتموها اليوم»، وهو ما قد يفسر على أنه تناقض لدى تلك الأحزاب، فحزب الأصالة والمعاصرة كان من معارضي بعض التعديلات التي اقترحتها الحكومة السابقة على القانون الجنائي، بالإضافة إلى مشروع الرعاية الصحية للآباء، وكذلك بعض النقابات، وهو ما كان سيطرح مشكلا سياسيا بالنسبة للحزب لو تم قبول تمرير تلك القوانين كما هي.

 

من الجانب القانوني، ما هو سند الحكومة في سحب مشاريع القوانين تلك؟

من الجانب القانوني، فالحكومة تملك حق سحب تلك المشاريع من أجل تجويدها وإغنائها وإعادتها للبرلمان، وما دامت الحكومة ستعيد هذه المشاريع إلى البرلمان فهذا أمر مقبول ومشروع قانونا، وهنا لا نتحدث عن إلغاء بل تأجيل وتجويد، ومن الناحية السياسية، فقبول هذه القوانين بصيغتها الحالية يطرح مشكل التناقض لدى مكونات الحكومة، وإلى هذا من الجانب الثاني، فالحكومة مطالبة بالحفاظ على ما يمكن أن نسميه «الأمن القانوني»، معناه أن النقاش المثار حول هذه القوانين طرح عدة إشكالات، بخصوص الجودة والفعالية، فالقانون الجنائي قد أثار نقاشا فقهيا وقانونيا، بخصوص الفعالية داخل المجتمع، وهنا يجب التأكيد على أن تضمن تلك القوانين الحكامة القانونية، خصوصا حين الحديث عن قوانين وازنة كشأن القانون الجنائي والقانون المدني.

أما المشكل الثالث هو المشكل السياسي، حيث إنه من غير المفروض على الحكومة تحمل التركة السلبية للحكومة التي سبقتها، وأن تتبنى تلك التركة وتتحمل تبعاتها السياسية، والمفروض أن تكون للحكومة الصلاحية في معالجة بعض الأمور بتصورها، ووفق مخططها التشريعي ووفق رؤاها وفلسفتها وتعاقداتها مع المواطنين، وهذا من حق الحكومة ولها كل الصلاحيات لمعالجته، فالحكومة السابقة كانت قد وضعت مخططا تشريعيا خاصا بها، وقد تبنت مخططا تشريعيا جديدا، وكذلك الشأن بالنسبة للحكومة الحالية التي لها هذه الصلاحية، ولها التزامات سياسية تجاه مكوناتها وتجاه المواطنين، وهي الالتزامات التي تعكسها من خلال القوانين التي تعكسها.

 

ألا تستوجب أهمية هذه القوانين التعجيل بمسطرة تشريعها بدل سحبها؟

تجب الإشارة إلى أن مشاريع القوانين التي كانت مثار جدل بعد سحب الحكومة لها من البرلمان، هي قوانين مؤسسة، وسترهن مستقبل المغرب لعقود، وهي ليست بالقوانين العادية، كشأن القانون الجنائي، والقانون المدني، وهي القوانين التي لا يمكن أن يتم تعديها في كل ولاية حكومية، لذلك فوضعها وتشريعها يتطلب التدقيق والتمحيص، من باب حماية الأمن القانوني، وهذه القوانين، من أجل تطبيقها، تتطلب استئناس القضاة بها وأيضا النيابة العامة والمحامين وموظفي المحاكم، وغيرهم من الفاعلين في قطاع العدالة، وهو الأمر الذي سيتطلب ردها من الزمن من أجل سيران ذلك القانون في المجتمع، ووقتا أيضا ليس بالقليل من أجل اكتشاف الأخطاء المحيطة به سواء في التنزيل أو جوهره بالأساس.

من هذا المنطلق، يجب التأكيد على أن النقاش في هذا الباب ليس فقط نقاشا سياسيا ودستوريا، بل أيضا نقاشا قانونيا، في ما يتعلق بجودة هذه القوانين، كما كان الشأن بالنسبة لتجريم الإثراء غير المشروع، والذي كان يحمل خلفية سياسية أكثر من القانونية، والقانون الجنائي الذي يحمل خلفية قانونية محضة، وكذلك قانون الرعاية الاجتماعية والصحية للأبوين، والذي يحمل خلفية سياسية أيضا، وهنا يطرح سؤال تماطل الحكومة السابقة في المصادقة على هذه القوانين من 2015.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى