أساطير كورونا (6)
بقلم: خالص جلبي
من أراد أخذ فكرة عما يجري في الأرض في هذه الأيام فعليه بثلاث: الأول الحذر من الإشاعات، والثاني تحري الأنباء المعقولة والموثقة، والثالثة مراجعة المصادر العلمية، كما نصحت به الكثيرين في الاطلاع على كتاب الفيض (Spillover)، وهو كتاب صدر مترجما في سلسلة عالم المعرفة العدد 415 و416 لشهري غشت وشتنبر من عام 2014م، تأليف دفيد كوامن (David Quammen) ترجمة (د/ مصطفى إبراهيم فهمي)، ويذكر على وجه الدقة أن ثمة وباء في طريقه إلينا، ولن يكون غرق سان فرانسيسكو في البحر بالانجراف والزلزال، بل بوباء عالمي يجتاح العالم في ساعات بفعل الطيران الذي ينقل ملايين المسافرين عبر الأرض. ويسمي هذه الضربة المدوية القادمة بـ(NBO = next big one)، ونجد عنده في الصفحة 11 و48 من الجزء الأول تفصيلا لفيروس الكورونا الذي سيكون أحد مهددات الجنس البشري، وهذا يعني أنه ليس (بيل غيتس) أو العراف الأردني الملياردير (أبو غزالة) ولا أصحاب نظريات المؤامرة الكبرى من نموذج (العصر الجديد) أو (المليار الذهبي) أن ثمة خطة لإبادة معظم الجنس البشري. وهكذا نرى أن قضية انفلات فيروس جائح كما حصل عام 1918 م وارد، بل حدده صاحبنا أبو كتاب (الفيض) بأنه فيروس الكورونا تحديدا. والكتاب جدير بالاطلاع لأنه مكتوب بطريقة مشوقة، وليست أكاديمية جافة.
بالمقابل هناك الأستاذ الجامعي الأمريكي وموجات الكهرطيسية في 20 ألف ستلايت (قمر صناعي) يدور حول الأرض، ثم يوجه كلامه إلى الطلبة أين مصدر المرض، هل هو الفيروس أم الفيروسات التي تحوم حول الكوكب وقد غيرت طبيعة الغلاف الكهرطيسي الذي يحمي الأرض؟ نحن نعلم الآن أن ثمة صهارة مخيفة من النيكل والحديد في باطن كرة الأرض تدور وتطلق الموجة الكهرطيسية، التي تحدد الشمال المغناطيسي من جنوبه، بل ونعرف أن ثمة انقلابا في الاتجاه يحصل كل 80 ألف سنة، ولكن الجديد فيها حسب طبعات المغناطيس في طبقات الأرض أن الساعة آتية لاريب فيها، وأن ثمة انقلابا قريبا في دوران الصهارة الباطنية، بحيث يصبح الشمال جنوبا والجنوب شمالا. وحسب خبراء من «ناسا»، فقد ذهبوا إلى أن المريخ لا يحمل هذه الحماية فهو ميت من جهة، كما أن اقتراب موعد الدوران المقلوب بات قريبا والسؤال هل بدأ؟ ومتى؟ وما تأثير الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض؟ إنها تخمينات كما نرى لا حرج من سماعها، ولكن ليس تصديقها أو تكذيبها، بل الانتظار والنتائج تحكم. وفي القرآن يتكرر هذا المبدأ «قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى».
أما العراف البريطاني (فيرنون كولمان) فيقول ما بال هذه الهستيريا والناس تموت بالإنفلونزا العادية أكثر من الكورونا، ولكن الجواب جاء من رئيس وزراء بريطانيا جونسون والأمير تشارلز حين أطاح بهما المرض وهما في القمة. ولذا فالعبرة هي بالنتائج، ولكن علينا اتباع مبدأ كل من رهان ديكارت وشعر أبو العلاء المعري؛ فأما الأول فقال بالنسبة إلى المؤمن والملحد من يحكم هو النتائج، فعلى فرض أنه ليس ثمة يوم آخر يقوم فيه الناس لرب العالمين فالمؤمن والملحد سواء، ولكن ماذا لو كان ثمة حساب وجزاء إلى جنات ذات بهجة للناظرين لا يبغون عنها حولا وسقر، وما أدراك ما سقر لواحة للبشر لا تبق ولا تذر. وفي هذا أنشد أبو العلاء المعري وهو يتحدث على لسانين المنجم والطبيب:
قال الطبيب والمنجم كلاهــما لا تحشـــــــر الأجسام قلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر وإن صح قولي فالخسار عليكما
طهرت ثوبي للصلاة وقبلـــه طــهر فأين الطهر من جسديكما.
وهكذا فعلينا انتظار النتائج فإما انقشعت الغيمة وبان النهار الجميل، وإما عصفت العاصفة فأخذت الملايين إلى المقابر، كما حصل مع جائحة عام 1918 م، مع فارق أن التكنولوجيا الحالية والمعلومات والاتصالات لا تقارن بعام 1918م.
أما البيولوجي الفرنساوي فقد تحدث عن اختراع الفيروس وصناعته، بل وأعطى اسمه (BREVERT EP 1 694 928 BI)، وأن من قام بصناعته، بل وتدشين براءة اختراعه هم من جماعة معهد باستور الفرنساوي! ولكن تبين أن ما قاله يصدق على فيروس قديم، ونحن نعلم أن عالم الفيروسات وحشي، وأن الفيروس الواحد يبدل معاطفه وأشكال وجهه بصور شتى، وهو المعروف بظاهرة الطفرة (Mutation).
من إسبانيا نقل إلي الدكتور عمار من يبكي وهو يتحدث عن آلهة جديدة في مدريد تقرر الموت والحياة للمصابين، فمن كان فوق 65 سنة عليه مقابلة عزرائيل، ومن كان 64 سنة يدخل إلى عنابر المرضى.
أما الصين فهي تزعم أنها سيطرت على المرض ولم تمت إلا أعداد قليلة، وهي توزع الدواء والغذاء والكمامات على العالمين أجمعين، مما جعل الرئيس الصربي يقول وهو يكاد يبكي أخي الصيني! ويسابقه في ذلك الفلسطيني العطواني، السياسي الذي له خرجات على الناس بأن أمريكا انتهت ولنقرأ على روحها الفاتحة، وهو كلام ممجوج مكرر في عشرات من تخريجاته، وهي طبعا محاولة بائسة لإسقاط مشاعره من خلال آخرين.