يعكس الركود السياسي الذي تعيشه بلادنا، منذ سنوات، مظاهر أزمة حقيقية في النخب السياسية الحزبية، داخل أحزاب الأغلبية كما المعارضة، وهو ما جعلنا نعيش اليوم تجريفا مقلقا للممارسة السياسية، من خلال هيمنة “بروفايلات” في الحكومة والبرلمان ومجالس الجماعات الترابية لا ترتقي للسقف العالي الذي وضعه الدستور ولانتظار الشعب المغربي ولا لطموحات الملك محمد السادس.
وبلا شك أنه، رغم تجويد المنظومة القانونية والمالية للأحزاب، ومدها بكل الإمكانيات لجعلها مشتلًا لصناعة النخب والكفاءات والأطر السياسية، فإن معظم الأحزاب تعاني من عقم غير مبرر، والسبب في ذلك أنها أصبحت بدون روافد تغذي الأحزاب بالأطر كما كان الأمر خلال تسعينات القرن الماضي والعشرية الأولى من هذا القرن.
لقد نجحت بعض القيادات العاجزة، التي قفزت على مقود قيادة الأحزاب، في تجفيف المنابع وقطع كل الشرايين التي كانت تغذيها بالجدية والفعالية والتأثير على المشهد السياسي وكسب ثقة المواطنين، ما جعلها تعيش مرض التصلب المتعدد لوظائفها في التأطير والتنشئة والتنافس على السلطة وإنتاج النخب المؤهلة لإدارة الشأن العام.
وللأسف، فإن النظام الانتخابي الهجين وتحكم الهاجس الانتخابي والسباق المحموم لكسب المقاعد بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، جعلنا أمام نخب فقيرة سياسيا حتى تلك التي تنتمي لأحزاب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية والأحرار. فالأحزاب لم تعد تفكر في إنتاجها المحلي للنخب وأضحت تعتمد في ذلك على استيراد الأعيان وتقدمهم على أنهم كفاءات بجودة عالية، والحقيقة، كما تثبتها الممارسة في المجالس الجماعية والجهوية والحكومة والبرلمان، أننا كنا أمام ماكياج الكفاءات الذي سرعان ما تحول إلى وجه بشع في التدبير.
والحقيقة أن جزءا من أزمة النخب الحزبية يكمن في قطع الأحزاب صلتها بالجامعة التي ظلت تغذيها، لعقود، بالأطر والمناضلين والكفاءات، وهذا أيضا مظهر من مظاهر أزمة الجامعة التي تعيش داخل غرفة إنعاش حقيقي تنتظر من ينتشلها من السكتة القلبية.
إن ما نشعر به اليوم من سرعة فقدان النخب الحزبية لرصيدها ومصداقيتها وعمقها الشعبي، يستوجب وقفة حقيقية لتجديد أدواتها حتى تكون في مستوى السياق الصعب والمليء بالمخاطر والتحديات والانتظارات الذي نمر به وطنيا ودوليا.